خالد الناصري لبيان اليوم:

البوليساريو مسرحية أخرجتها الجزائر تتلاعب بها في المواقع الأمامية
<  أين وصل ملف القضية الوطنية بعد مرور أربعين سنة على المسيرة الخضراء؟
> ملف قضية وحدتنا الترابية يوجد في وضعية تتجاذبها مجموعة من المتناقضات. فمن جهة، يعتبر موقع المغرب، سياسيا ودبلوماسيا، موقعا مريحا لأنه في عين المكان ولأنه صار متخذا للمبادرة منذ سنة 2006. ومن جهة، أخرى، لازال  الملف لم يراوح مواقعه التي اتخذها منذمرحلة الحرب الباردة. والسبب في ذلك هو أن الخصم الأساسي، وأكاد أقول الخصم الأوحد، هو الجارة الجزائرية التي ما زالت قابعة في مواقعها الأيديولوجية المتحجرة التي ترجع إلى أربعين سنة مضت. هذا مكمن المفارقة، ملف مريح بالنسبة للمغرب، ومعقد بسبب العراقيل وما تنصبه لنا الجزائر من مكائد جعلته يظل حبيس رفوف الأمم المتحدة. لكن مع ذلك نحن اليوم أصحاب المبادرة، وأقصد مبادرة الحكم الذاتي في سياق السيادة المغربية، وهي مبادرة جعلت العديد من الأطراف العالمية، تنظر للملف من منظار جديد. وهذا هو الأساسي بالنسبة لنا في هذه المحطة.
< من خلال حديثكم، يتضح أن الجزائر هي المعرقل الأساسي لحل ملف قضية الصحراء المغربية، وما يعزز كلامكم، أن أي مبادرة مخالفة للطرح الانفصالي تكون لها الجزائر بالمرصاد، إلى درجة أن العديد من التقارير الإعلامية تفيد أن المخابرات الجزائرية هي من كانت وراء مقتل مؤسس جبهة البوليساريو مصطفى الوالي، فقط لأنه لم تكن له نزوعات انفصالية؟
> شكوك كثيرة وجدية وذات مصداقية تتجه للمصالح الجزائرية المختصة التي دبرت الملف منذ الوهلة الأولى.
كانت المواقف الأولية لمؤسس البوليساريو تزعج الجزائر. نحن نعلم أن نزوعات مصطفى الوالي الأولية وجماعة الشباب الذين كانوا يقيمون في الرباط، ليست نزوعات انفصالية، كما جاء في السؤال، بقدر ما كان الوالي ومن معه يطالبون  من الدولة المغربية ومن الأحزاب السياسية والرأي العام مزيدا من الدعم لطرد الاستعمار من الساقية الحمراء وواد الذهب، وكانوا يلتقون في الجوهر مع أحزاب الحركة الوطنية والتقدمية. وكان لحزبين أسياسيين في تلك الفترة دورة كبير، دون أن يعني ذلك أن الأحزاب الأخرى كانت لا تبالي، ولكن الاندفاع المتفرد لحزب الاستقلال وللشيوعيين المغاربة، ممثلين آنذاك في حزب التقدم والاشتراكية، كان اندفاعا مميزا تلتقي في سياقه إرادة التحرير لدى الأحزاب السياسية الوطنية والتقدمية المغربية مع الجنوح نحو طرد المستعمر لدى الشباب الذي كانت أصوله صحراوية.
كل ذلك، بطبيعة الحال، لم يكن يخدم مصالح الجزائر التي عبرت عن مطامع واضحة، اتجاه منطقة الصحراء الغربية، كما كانوا يسمونها، وكان هدفها هو الحيلولة مهما كان الثمن دون أن يصل المغرب إلى استرجاع ترابه المحتل آنذاك.
< تحدثتم عن دور الأحزاب السياسية، خاصة أحزاب الحركة الوطنية والديمقراطية. بالتحديد، ما هو دور أحزاب اليسار، وخاصة حزب التقدم والاشتراكية في الدفاع عن هذا الملف، خاصة وأن العديد من التنظيمات اليسارية العالمية كانت مناوئة لقضيتنا الوطنية؟
> أنا أريد الوقوف، بصفة محددة، عند دور حزب التقدم والاشتراكية، وأريد هنا أن أحكي نازلة بسيطة لكن لها دلالة عميقة جدا، وهي نازلة كانت لي مع الرفيق علي يعته رحمه الله. ففي سنة 1972 ، أي ثلاث سنوات قبل المسيرة، وثلاث سنوات قبل أن ينفجر الملف وطنيا وإقليميا ودوليا، كان رحمه الله، قد أنشأ جريدة البيان بالفرنسية ثم بالعربية، وكانت تصدر آنذاك أسبوعيا، وكنت من الشباب الذي التحق بهيئة التحرير، كنا نلتقي أسبوعيا لتوزيع المهام في اجتماع هيئة التحرير تحت رئاسة الرفيق علي يعته، مدير الجريدة والأمين العام للحزب الذي كان ممنوعا وقتها.
أتذكر حينها، وأنا عمري 26 سنة،  أن في إحدى اجتماعات هيئة التحرير قدم الرفيق يعته بعض المقترحات كان من بينها مقال حول تطورات قضية الصحراء المغربية، هذا كان سنة 1972، فتدخلت، انطلاقا من حماس الشباب وقلة التجربة، وقلت له “أستسمح الرفيق علي يعته، أنا لا أرى لماذا نخصص مقال حول الصحراء، هل هناك ما يدعو إلى ذلك، وهل هناك مستجد في الملف، أو هل هناك حدث طارئ في الموضوع يستدعى  ذلك؟. فقاطعني في الحين وقال لي رحمه الله ” المناضلون من يخلق الحدث، ولا ننتظر أن يفرض علينا الحدث خارج نطاقنا. قضية الصحراء المغربية موقف مبدئي، لا يمكن، أسبوعيا، سواء كان هناك حدث أم لا، أن نتصور جريد البيان لا تتطرق لموضوع الصحراء المغربية، والمطالبة بضرورة استرجاعها، وتوجيه انتقادات، إذا اقتضى الأمر ذلكـ، للسلطة السياسية إذا ما لمسنا أنها لا تتحرك بالجرأة والحماس اللازمين للدفاع عن الوحدة الترابية” منذ ذلك الحين ترسخ في ذهني، وفهمت حينها،  أنه بالنسبة  للرفيق علي يعته المؤسس الكبير لحزب التقدم والاشتراكية، كانت قضية الاندفاع الطبقي لا تغطي بأي وجه من الوجوه، قضية الاندفاع من أجل القضايا الوطنية الكبرى وفي مقدمتها قضية وحدتنا الترابية.
هذا نموذج يبن إلى أي حد كانت مسألة الصحراء جزءا من المنظومة الهوياتية العميقة للشيوعيين المغاربة، وهو ما جعلنا نكون أول من صفق للمسيرة الخضراء، على أساس أنها ابتكار نضالي متميز. وقد كان حزب التقدم والاشتراكية وقيادييه في مقدمة المساهمين في هذه المسيرة من أجل الوحدة الترابية، وكان ذلك في وقت كانت فيه العلاقات متشنجة إلى حد كبير بين القصر والحركة الوطنية والتقدمية المغربية، ومع ذلك كان علي يعته ينتفض في وجه المنتقدين الذين يقولون له كيف تتعامل من الحسن الثاني في هذا الملف، فكان يجيبهم “أنا لا أتعامل مع الحسن الثاني، ولكن مع الوطن والشعب، لأن القضية هي قضية الأمة المغربية”.
< قبل هذه النازلة التي وقعت لك مع علي يعته، كان قد صدر له كتاب حول "الصحراء الغربية" وهو كتاب مهم بخصوص الموقف من الصحراء من الناحية السياسية والتاريخية، لكن المفارقة أن الحكم في تلك الفترة عمد إلى منعه، على الرغم من أهمية الكتاب،كيف تفسرون ذلك؟
> لا بأس أن يتم التذكير بهذه الواقعة. وهذا ما يمكن أن ننظر إليه على أنه من أكبر المفارقات أن  يصدر كتاب للدفاع عن الصحراء المغربية. كتابا متكامل من حيث البنية المنهجية التي انبنى عليها. وكان ما يميز ذلك الكتاب هو أنه كان يقدم صورة متميزة للواقع الجغرافي وللواقع التاريخي وللتراكمات التاريخية وللواقع البشري وللروابط العميقة بين الأقاليم الصحراوية المغربية والوطن المغربي والدولة المغربية باعتبارها من أقدم الدول في إفريقيا. لقد بحثت في الموضوع، وتحدث عنه كثيرا عندما كنت أدرس في كلية الحقوق، وأخبرت الطلبة الذي استغربوا لهذا الكلام، أو على الأقل كانوا يكتشفون شيئا جديدا لم يخطر ببالهم من قبل، فمن أهم المصاعب التي جعلت المغرب يصطدم، في بعض الحالات، ببعض الأطراف التي كانت مناوئة لنا في قضية استكمال وحدتنا الترابية، في القارة الإفريقية، أن المسار التاريخي للمغرب يختلف كثيرا عن المسار التاريخي لكثير من الدول الإفريقية، بصرف النظر عن الاحترام الواجب لكل الدول والشعوب الإفريقية، لكن إلقاء نظرة على هذا المسار  التاريخي، لا يعني إصدار حكم قيمة، بقدر ما يتعلق الأمر بحقائق تاريخية. فقبل الاستعمار كانت هناك ثلاث دول قائمة في إفريقيا، فقط، وهي مصر، وإيثيوبيا والمغرب. اليوم هناك أكثر من خمسين دولة. وبالتالي خلافا لمقولة كانت سائدة لدى علماء التاريخ والأنتربولوجيا والقانون العام والعلوم السياسية في إفريقيا  التي تقول  إن “الوطن سبق بناء الدولة، إلا في إفريقيا حيث أن البنية الوطنية القومية  تكونت وانسجمت قبل قيام أداة الدولة كإدارة عمومية”، حصل العكسفي إفريقيا العكس ، حيث أن الأفارقة عموما لم يستشاروا في تحديد الحدود، وهذا من المعطيات التاريخية،  لأن المرجعية التاريخية لرسم الحدود في إفريقيا، تحيلنا على مؤتمر برلين للدول الاستعمارية الأوروبية سنة 1885 . هذا المؤتمر هو الذي رسم الحدود الإفريقية دون استشارة أهاليها، الشيء الذي أدى إلى كثير من الفضاعات والكوارث الإنسانية، وهو ما أدى أيضا، إلى أن الدول الإفريقية، بعد موجة استقلال في بداية الستينات،  وضعت مرجعا في القانون الدولي الإفريقي اسمه “عدم المساس برسم الحدود الناجمة عن الاستعمار”. ذلك هو الذي حصل في مؤتمر أديس أبابا سنة 1962 لتأسيس منظمة الوحدة الإفريقية، حيث  كان المغرب من بين المشاركين فيه، وهو بذلك يعتبر من بين الدول المؤسس لمنظمة الوحدة الإفريقية، ومبدأ عدم قابلية مراجعة الحدود الاستعمارية، هو مبدأ ثابت في منظمة الوحدة الإفريقية، صوتت ضده دولتان مؤسستان لهذه المنظمة، وهما الصومال والمغرب. معنى ذلك أن المغرب يبين بأنه دولة قائمة الذات لها مرجعية تاريخية ولا يمكنها، كدولة بهذه الصفة، أن تقبل مبدأ عدم قابلية الحدود التي رسمها الاستعمار للمراجعة. وكثير من الدول الإفريقية لم تفهم موقف المغرب، لأن هناك مرجعيات مختلفة عن المرجعية المغربية.
هذه المعطيات التاريخية هي من بين الأسباب التي جعلت المغرب يصطدم بكثير من عدم التفهم من طرف الأفارقة. لكن بدأت الأمور اليوم تتغير. وعلينا أن نستمر في إقناع محاورينا الأفارقة بأن القراءات السطحية لا تجدي نفعا في معالجة ملف من هذا المستوى من التعقيد، لأنه في نهاية المطاف، ماذا يجب أن نركز عليه، هي أن مأساة المغرب، خلافا لكل الدول الإفريقية، ظاهرة خاصة، حيث أن كل الدول الإفريقية عندما استرجعت استقلالها في بداية الستينات، تم ذلك  دفعة واحدة، الشيء الذي لم يدفعها للاستمرار في المطالبة باستكمال وحدتها الترابية، لأنها أصلا استكملت وحدتها الترابية عندما استقلت دفعة واحدة، عكس المغرب الذي لم يخضع لاستعمار واحد، ومزقت أراضيه تمزيقا، حيث كانت المنطقة الشمالية والجنوبية تحت سيطر الاستعمار الاسباني، والمنطقة الوسطى كانت محتلة من طرف الاستعمار الفرنسي، وكانت مدينة طنجة منطقة دولية، وبالتالي لم ينل المغرب استقلاله دفعة واحدة، وبالتالي استرجع أراضيه تباعا، وهو ما جعل بعض المتابعين لمجريات الأحداث في منطقة شمال الغربي لإفريقيا، ينظرون للمغرب كأنه “دولة امبريالية” لا يشبع من قطف الأراضي، في حين أن الصورة مخالفة للحقيقة تماما. فالمغرب كان يناضل باستماتة من أجل استرجاع وحدته الترابية التي كانت موزعة على قوتين استعماريتين كان من الصعب مواجهتهما دفعة واحدة، وبالتالي شاءت الظروف السياسية والتاريخية وموازين القوى آنذاك، أن لا يحرر المغرب كل أراضيه دفعة واحدة.   
وانطلاقا من كل ذلك، يطرح السؤال الأخلاقي الكبير، هل يمنع على الدول المغلوبة على أمرها أن تدافع عن حقوقها، حيث أن خصوم المغرب يحاولون عبثا أن يحصروا استقلاله فقط في سنة 1956 . أي الاكتفاء فقط بالأراضي التي استرجعها من الاحتلال الفرنسي. وهذا الطرح لا يصمد أمام المعطيات والحقائق الأخلاقية، كما أن المنطق الأخلاقي يقتضي مساندة المغرب من أجل  استرجاع كل أراضيه.   
< مدمنا نتحدث عن السياقات التاريخية. في بداية ثمانينيات القرن الماضي، طرحت مسألة الاستفتاء التأكيدي التي لقيت معارضة من قبل بعض الزعماء السياسيين، ضمنهم الراحل علي يعته، الذي سرعان ما اضطر للخضوع إلى موقف أغلبية المكتب السياسي آنذاك التي كانت مع الاستفتاء. اليوم خصوم الوحدة الترابية يربطون مقولة تقرير المصير بالاستفتاء، علما أن أدبيات اليسار، عموما سواء ما ذهب إليه لينين أو الأدبيات التي جاءت بعده، تقول بأن تقرير المصير ليس بالضرورة هو الاستفتاء، كيف تنظرون إلى ذلك؟
> هذا شيء مؤكد من الناحية الأيديولوجية. ومن الناحية العلمية يتعين التذكير بهذا المبدأ. إنها مقاربة سطحية خاطئة ومغالطة أن نقول للرأي العام بأن الاستفتاء هو نوع من المرادفات لتقرير المصير، وهذا مخالف تماما للواقع العلمي ولواقع العلاقات الدولية، والقانون الدولي العام. الاستفتاء هو آلية من الآليات الممكنة، لكن المبدأ القار الذي لا يقبل المنازعة هو مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها. هذا مبدأ أساسي لا يمكن لعاقل أن يتنكر له. ونحن بطبيعة الحال في المغرب وفي التقدم والاشتراكية، نعتبر أن مبدأ حق الشعوب في تقرير مصيرها هو مبدأ مقدس. لكن ما ليس مقدسا هو الآليات التي يتم إعمالها لتنفيذ هذا المبدأ المقدس. وبالتالي، فإن من يقول بأنه مع الاستفتاء ليس بالضرورة مع مبدأ تقرير المصير. وفي ذلك كذب وبهتان. هناك حالات يترجم فيها حق تقرير المصير عبر آلية الاستفتاء، وهناك حالات يترجم فيها هذا الحق بآليات أخرى من بينها الاندماج الديمقراطي مع الدولة التي انتزعت منها تلك الأقاليم المتنازع حولها،  أو فرضية الحكم الذاتي في كنف الانتماء إلى الوطن الأب. هذه كلها آليات من آليات تقرير المصير التي يتم إعمالها حسب الظروف وحسب الشروط التاريخية والسياسية الدبلوماسية التي تعرفها هذه  الدولة أو تلك.
لنرجع إلى قبول المغرب بالاستفتاء، كما كان قد طرحه الحسن الثاني في مؤتمر نايروبي. في بداية ثمانينيات القرن الماضي، كان هناك نقاش طبيعي له شرعيته داخل حزب التقدم والاشتراكية. كان هناك من يقول نحن مع هذه الآلية، أي الاستفتاء، وهناك من كان يقول بأنه ضد الاستفتاء من الناحية المبدئية. هذا النقاش لم يذهب بعيدا لأن المغرب قبل رسميا بالاستفتاء، وقبله حزب التقدم والاشتراكية على مضض. الجميع يتذكر ما حصل فيما بعد، وكيف أن مسألة الاستفتاء هي نفسها كانت صعبة التنفيذ على أرض الواقع، خاصة عندما اصطدم المغرب بسوء نية الجزائر والبوليساريو، اللذين كانا يتعاملان مع مسألة الاستفتاء على أنها مدخل فقط لإضفاء نوع من الشرعية  على فصل الصحراء الغربية عن وطنها الأم. كان هذا هو الهدف. وكان ذلك مجرد مناورة تجلت بكل وضوح عندما تمت عرقلة عملية الإحصاء. من السهل أن يقول المرء أنه مع الاستفتاء. لكن هذا مجرد شعار. المهم هو كيف سينفد على أرض الواقع؟ أي من الذي يحق له المشاركة في الاستفتاء؟ الجميع يتذكر هذه المرحلة حيث كان هناك نقاش حول من يحق له الاستفتاء ومن لا يحق له ذلك، حيث عملت الجزائر والبوليساريو على عرقلة هذا المسار. الشيء الذي أدخل الملف في دوامة غير محسوبة العواقب، مما دفع بالمغرب في نهاية المطاف للمطالبة بالكف عن تلك المسرحية، والبحث عن الحلول الجدية والحقيقية.
< بالنسبة لكم كحزب التقدم والاشتراكية، كيف تقيمون، اليوم، تدبير الدولة لهذا الملف؟
-> اليوم، المغرب يدبر الملف من زاوية ناجحة ومربحة.  الذي حصل من الناحية التاريخية، هو أن المغرب كان على الدوام يتموقع في مواقع الدفاع عن النفس، من خلال التشهير بسوء نية الطرف الآخر، أي  الجزائر والبوليساريو، مما جعله يتعامل مع واقع الصراع العالمي من زاوية الطرف الذي حججه ضعيفة. والدليل على ذلك أنه كان في موقع الدفاع عن النفس، وكانت الوضعية جد محرجة، حيث عانى المغرب من مصاعب كثيرة، إلى أن تغيرت الأمور رأسا على عقب، بصفة مطلقة، عندما قرر  المغرب اتخاذ المبادرة وتطوير مقاربته للملف، وعرض مقترح الحكم الذاتي في نطاق السيادة المغربية. النقطة المفصلية في تاريخ الملف المحال على الدوائر الأممية، هي سنة 2006، عندما قدم المغرب مقترحه للحكم الذاتي الذي أربك الطرف الأخر، إرباكا لم يعرفه طيلة حياة هذا الملف. بهذا المقترح، وجهت صفعة للجزائر من حيث لا تدري. شخصيا، أعتبرأن موقع المغرب دبلوماسيا تغيرا جذريا عندما قدم تلك المقاربة الجديدة والمجددة، والشجاعة في الآن معا، وهي مبادرة لم يكن يتوقعها الطرف الأخر. ونحن اليوم نمسك بملف قوي وقوي جدا ، علينا أن نظل متمسكين به، وعلينا أن نسترجع المبادرة دوليا في الدفاع عن قضيتنا العادلة من زاوية الحكم الذاتي، وقد أبرزنا وجاهة موقفنا وحسن نيتنا من جهة أخرى عندما ارتبط الحكم الذاتي بملف الإصلاح الدستوري لسنة 2011،  وإعطاء مدلول ملموس لمنطق الجهوية المتقدمة.
بتعبير آخر مع القانون التنظيمي للجهوية، ومع انتخاب المجالس الجهوية ومنح سلطات واسعة للجهات، ومع حصول الانتخابات الأخيرة في شتنبر الماضي، أبلغنا العالم رسالة قوية مفادها أن ملف الصحراء هو جزء لا يتجزأ من بنيان قانوني متجدد في اتجاه الإصلاح، وليس مجرد كلام أو شعارات. الأمور تتم اليوم على أرض الواقع، حيث يتم تطبيق القراءة الجديدة للجهوية المتجددة، والحكم الذاتي هو مرتبة أعلى من الجهوية المتقدمة.
معنى ذلك، أن المغرب يمسك بملف كبير مربح يمنحه قوة المصداقية. وهنا  أريد التركيز على مسألة أساسية وهي أن الأمم المتحدة تدبر الملف من زاويتين متناقضتين. الزاوية المغربية والزاوية الجزائرية. و حتى نسمي الأشياء بمسمياتها، البوليساريو عبارة عن مسرحية أخرجتها الجزائر، تتلاعب بها في المواقع الأمامية، وبالتالي ما حصل هو أن الأمم المتحدة أضحت اليوم تقتنع  أكثر من أي وقت مضى بان الورقة الجيدة الوحيدة لتجاوز تدبير الملف هي تلك التي جاء بها المغرب، الأمم المتحدة  تلاحظ شيء أساسيا هو أن خطاب الجزائر مع صنيعتها البوليساريو، لم يتغير قيد أنملة منذ 1975، أربعين سنة من ترديد نفس الخطاب  وهما يبرزان للعالم عجزهما المطلق في تطوير مقاربة جديدة وجريئة.
لكن بالنسبة للطرف المغربي، فهو الوحيد الذي تفاعل مع رغبة الأمم المتحدة ومع رغبة الدول العظمى ورغبة الدول الجوار  والدول التي تريد  تحصين الاستقرار في المنطقة المغاربة، وقدم في تجاوب معها، مقترحا جديدا، هو الحكم الذاتي في نطاق السيادة المغربية، الشيء الذي دفع بمجلس الأمن إلى بلورة موقف عظيم، يتعين أن نستحضره الآن، لأن له دلالة كبيرة جدا، الأمم المتحدة اعتبرت المقترح المغربي أنه “جدي وذا مصداقية” هذا كلام مجلس الأمن، وهو كلام لم يوجه لما تقدمه الجزائر والبوليساريو من بضاعة دبلوماسية بائرة.
المغرب هو الوحيد الذي حظي بهذا التقدير المتميز من طرف مجلس الأمن، فالمغرب هو صاحب مبادرة جدية وذات مصداقية، معنى ذلك أنه يوجد في موقع مريح، عليه أن يستمر في الدفاع عن موقفه الصائب.
< وفق هذه المقاربة التي تبلورونها الآن، هل إقرار الدستور بالجهوية المتقدمة، وإخراج القوانين التنظيمية ذات الصلة، وإجراء انتخابات محلية وجهوية شارك فيها أبناء المناطق الجنوبية بكثافة، يعني أن المغرب، يسير في اتجاه بلورة مقترح الحكم الذاتي، بشكل تدريجي، على أرض الواقع، حتى وإن لم يحصل حوله اتفاق مع الجزائر والبوليساريو؟
> في سؤالك، شقين، الشق الأول هو هل سيذهب المغرب إلى تطبيق نظام الحكم الذاتي في المناطق الصحراوية المغربية، حتى وإن لم يحصل اتفاق مع الطرف الآخر. الجواب بالنسبة لي، نعم، لأن المغرب مقتنع بوجاهة هذا الملف ولا أتصور أن يتراجع المغرب في أي حالة من الحالات، على موضوع الحكم الذاتي بتوزيع الاختصاصات وإقامة برلمان محلي وسلطة تنفيذية محلية، ..إلخ.
أتعقد بأن المغرب ذاهب إلى ذلك لمحالة، سواء دبر العراقيل التي تضعها أمامه الجزائر وصنيعتها البوليساريو وبياديقها في المناطق الصحراوية، أو لم يفعلوا.
الشق الثاني من السؤال، هو أنه من المعطيات الجديدة ومن المستجدات الإستراتيجية الأساسية، وهي أن المقاربة المغربية وانفتاحها الإيجابي من خلال مبادرة الحكم الذاتي المقترح، أضحت تؤثر حتى داخل مخيمات تندوف. و مما لا شك فيه هو أن  الجزائر والبوليسايو  تعملان من أجل التعتيم على ذلك، ومنع العديد من الأصوات من التعبير عن موقفها وعن رأيها، حيث أن هذه الأصوات صارت تشعر بأن الاستمرار في دعم مخطط الجزائر  والبوليساريو التقليدي الذي يرجع إلى الحرب الباردة، يؤدي إلى المأزق المطلق، وأنه لا مستقبل للمخطط الجزائري، وبأن التفكير في إمكانية إقامة دولة مستقلة في الساقية الحمراء وواد الذهب، هو أمر مستبعد على طول الخط، وأن الاستمرار في هذا النهج هو دخول في الحائط، وهو ذهاب بالملف نحو المجهول، بل إلى الباب المسدود بصفة مطلقة، وأتصور أن عدد من المواطنين المحتجزين في مخيمات تندوف، سيرتفع عددهم تدريجيا، للمطالبة بالتعامل الإيجابي مع المقترح المغربي، لأن ما هو أساسي أن يفهمه الجميع، وبدأ عدد من المواطنين المغلوب على أمرهم، في تندوف، يقتنعون أكثر من أي وقت مضى بأنه لا حل للملف خارج السيادة المغربية في نطاق الحكم الذاتي، وبأن الهرولة وراء شبح إقامة دولة، هي ضرب من ضروب العبث السياسي والجيواستراتيجي المطلق.
لعل الشهور القادمة ستفتح فضاء جديدا في هذا السياق، وأتوقع أنه من داخل تندوف ستتزايد الأصوات المرتفعة للتنديد بالخطة العقيمة التي تفرضها القيادة  الجزائرية وقيادة البوليساريو والمطالبة بفتح أفاق جديدة، لا مكان فيها إلا  للحكم الذاتي مع المغرب، لأنه ليس هناك عاقل يمكن أن يتصور بأن المغرب، بعد أربعين سنة من البناء والتشييد سيتخلى بكل بساطة عن جزء مهم من أراضيه في أقاليمه الصحراوية لمجموعة من المغامرين الذين فقدوا كل  مصداقية، وللجزائر  التي عليها أن تفهم بأن خطتها الإستراتيجية مآلها الفشل الذريع، ولاشيء غير ذلك.
< الملاحظ، مع الأسف، هو أن المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان لا تنظر إلى الانتهاكات التي تتم على مستوى مخيمات تندوف، حيث يمارس القمع والترهيب على كل من حاول التعبير عن رأيه بشكل حر، وأن هذه المنظمات تغض الطرف عن ما يعتمر تلك المخيمات من تنكيل وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، في حين أن تلك المنظمات لا تفوت الفرص لتوجيه انتقاداتها للمغرب في كل شاذة، كيف تنظرون إلى ذلك؟
> مع الأسف، كثير من المنظمات الدولية للدفاع عن حقوق الإنسان، إما عن جهل، أو عن حسن نية، وإما بسوئها تقوم بذلك، لأن بعضها له نوع من المعاملة الخاصة مع الطرف الجزائري. لكن أنا أريد أن أتحدث عن تلك المنظمات التي تشتغل بحسن نية، وهي موجودة، وعلينا أنة نقنعها بأن هذا الملف لا يجوز التعامل معه بسطحية، وبمقاربات شكلية . المنظمات الدولية  ارتكبت خطأ عندما تعاملت مع ملف الصحراء بمنطق الشعب المغلوب على أمره، والجزائر تلعب على هذا الوتر، من خلال كلام ساقط، مفاده “أنه يحصل للشعب الصحراوي ما يحصل للشعب الفلسطيني”. وهذا كلام وقح لا يشرف أصحابه، لأنه شتان ما بين الشعب الفلسطيني المغلوب على أمر والذي يعاني من الاحتلال الإسرائيلي، ولجبروت الآلة العسكرية الإسرائيلية، وما بين الشعب الصحراوي الذي هو جزء لا يتجزأ من الشعب المغربي الذي يعيش في أمن واستقرار، وتتسع لديه الممارسة الديمقراطية وحرية التعبير وحقوق الإنسان، إلى أقصى درجة. وبالتالي على تلك الجهات الدولية التي تنطلق من حقوق الإنسان أن تتساءل هل حقوق الإنسان مغلوب على أمرها داخل الفضاء المغربي. ألا يجوز لساكنة تندوف أن تستفيد من حرية التعبير وحقوق الإنسان، وحرية الممارسة الديمقراطية حتى في حدودها الدنيا. وبالتالي لماذا تغض هذه المنظمات الطرف عما يقع في تندوف؟ ولماذا تمنع الجزائر إحصاء المواطنين المحتجزين في تندوف ؟ ولماذا يتسامح الكثير ممن ينتقدون المغرب مع الجزائر التي تباشر تدبير هذا الملف من منطلقات جيو- سياسية ضيقة، يندى لها الجبين من أجل الترويج لأطروحة بائرة غير صالحة لتقديم حل لملف يبدو أنه بسيط، في حين أن الأمر عكس ذلك تماما.
< علاقة بموضوع الإحصاء، هل يمكن وصف وضعية المخيمات لحد الآن، بالوضعية غير القانونية؟
> لاشك في ذلك. المخيمات هي في وضعية غير قانونية، و الجزائر حظيت بمقاربة متسامحة، إلى أقصى حد. وفي ذلك نوع من الوقائع الغريبة التي تجعلنا نطرح أكثر من علامة استفهام. لما التشدد مع المغرب في ملفات غير حقيقية، مثل ملفات حقوق الإنسان؟ ولماذا التسامح مع الجزائر في ملف حقيقي وهو ملف إحصاء المواطنين المحتجزين في مخيمات تندوف؟ هذا إشكال كبير يجب على المغرب أن يسلط أضواء المنتظم الدولي عليه.
< بسبب هذا النزاع المفتعل، أضحت المنطقة بؤرة تهدد استقرار المنطقة بالنظر إلى خطر الجماعات الإرهابية  التي باتت تهدد الجميع، هل هناك وعي بهذا الخطر المحدق؟
> لحسن الحظ أن العديد من الدول العظمى والمنتديات الدولية باتت تلتفت أكثر فأكثر إلى هذا الجانب، وتلاحظ أن استمرار بؤرة توتر قوية في منطقة شمال غرب إفريقيا، هي مدخل لتهديدات جيو – إستراتيجية، كبيرة جدا في تلك المنطقة المطوقة بالمخاطر. نحن غير بعيدين عن منطقة الساحل الملغومة، ليس فقط بالمتاجرين بالمحظورات، كالأسلحة والمخدرات في إطار التهريب الدولي، ولكن أيضا المتاجرين بالشعارات والمقاربات الفضفاضة التي تمس في العمق استقرار المنطقة. اليوم على الجميع عبر العالم، أن يلاحظ، أن أكثر الدول استقرارا في منطقة شمال غرب إفريقيا، هي المملكة المغربية. وأن أكثر الدول تقديما للمقاربات المحصنة للاستقرار الجهوي والإقليمي هي المملكة المغربية، وأن الجزائر التي لا تبدي أي استعداد للتعامل لتحصين المنطقة أمنيا مع المغرب، بل ترتكب جرما سياسيا وجيو – استراتجيا كبيرا جدا. الجزائر التي يظل هاجسها الوحيد والأوحد في المنطقة المغاربية، هو مسألة فصل الصحراء عن وطنها الأم، ترتكب جرما سياسيا كبيرا لا يغتفر. ما يحدث في مالي والنيجر  وفي نيجيريا وفي كل المناطق المتاخمة لهذه المناطق المغاربية  كان يقتضي، مبدئيا، من الجزائر أن تقدم يد العون للمغرب وأن تتعاون معه، حفاظا على أمنها القومي، وحفاظا على استقرار المنطقة برمتها.
العالم كله ينظر إلى المفارقة الكبيرة التي نعيشها مع الجزائر. ويلاحظ سوء نية الحكام الجزائريين من خلال ممارسة الكذب بصفة منهجية. ويتجلى الكذب المنهجي عندما تقول الجزائر أنا لست ضد فتح الحدود وأن المسؤول عن إغلاقها هو المغرب. هذا كذب واضح، لأن المغرب تعاطى مع الأحداث الإرهابية التي ضربت فندق أسني بمراكش، سنة 1994 ، كرد فعل وقائي، بفرض نظام التأشيرة بين المغرب والجزائر، ولم يغلق الحدود، بل الذي أغلق الحدود هي الجزائر كرد فعل متشنج على فرض التأشيرة. اليوم المغرب مستعد لفتح الحدود مع الجزائر، لكن هذه الأخيرة تقول أن ليس لها مشكل مع ملف الصحراء، وأن النزاع يهم المغرب والبوليساريو، وفي الوقت ذاته، تقول أنها لن تفتح الحدود مع المغرب، إلا إذا تمت تسوية ملف الصحراء. وهذه مفارقة عجيبة، وغريبة. العالم كله يتابع ذلك ويعي جيدا أن الجزائر جزء أساسي في ملف الصحراء.  
أريد هنا أن أتوجه إلى الشعب الجزائري بتحية إكبار وإجلال، لأنه لم يتعامل مع ملف الصحراء بنفس التعامل الذي أبدته القيادة السياسية الجزائرية. هناك فرق كبير في التعامل بين المغرب والجزائر. ملف الصحراء في المغرب هو ملف الشعب المغربي الذي يوجد في نفس الخندق مع السلطات المغربية، في حين أن هذا الملف في الجزائر ليس هو ملف الشعب الجزائري، بل  هو ملف القيادة السياسية فقط، وهي في قطيعة مع الشعب الجزائري الذي لا يدعم الخطط المناهضة للمغرب.
< تحركت مؤخرا وبشكل قوي الدبلوماسية الحزبية، خاصة مع الموقف الأخير للسويد، كيف تنظرون إلى هذا النوع من الدبلوماسية في الدفاع عن القضية الوطنية؟
> هذا تحصيل حاصل، لأن خطابنا الداعم للدبلوماسية الحزبية، لا يرجع إلى الشهرين التي مضت أي عندما اشتعلت الأزمة مع السويد للأسباب المعروفة. الدبلوماسية الحزبية شيء محبذ في حد ذاته، شريطة أن تعمل الأحزاب السياسية على تأطير ممارسة الدبلوماسية الحزبية تأطيرا جديا وعميقا ومنهجيا. مخاطبة الأحزاب السياسية الأوروبية، من بينها السويد،  لا تتم  بكيفية عشوائية. يجب أن نحكم بلاغتنا في مخاطبة محاورين الأوروبيين بصفة عامة. نحن تعاملنا في كثير من الحالات، ولسنوات عديدة، على أساس أننا أصحاب حقيقة، وهم في موقع ضال، واتخذوا مواقعهم لصالح الأطروحة المعاكسة للمغرب. وبالتالي ستكون مخاطبتهم مضيعة للوقت. هذا خطأ، يتعين تجاوزه. علينا أن نخاطبهم وأن نواصل ذلك بإلحاح مستمر انطلاقا من مسألة أساسية يتعين استحضارها وهي أنه في كثير من الحالات الأوروبيون يكتفون بحسن نية بدعم الطرف الآخر انطلاقا من مظلومية سطحية، وبالتالي يتعين أن نخاطبهم وأن نتواصل معهم، لنبرهن على صواب مواقفنا. فمخاطبة تلك الأحزاب، حتى وإن كانت لها مواقف معادية، يعتبر ضروريا لتدعيم الدبلوماسية الرسمية، لأن الدبلوماسية الحزبية هي مكملة لما تقوم به الدبلوماسية الرسمية التي تدبرها وزارة الشؤون الخارجية والتعاون.

Top