مشروع القانون المالي يضمن استمرارية الأهداف العامة للحكومة ونعتزم تقديم مقترحاتنا لتجويده
الدفاع عن المرفق العام من أولويات حزب التقدم والاشتراكية ومناقشة المالية يجب أن تكون عملية تشاورية وديمقراطية بامتياز
ثمن عبد الأحد الفاسي الفهري عضو الديوان السياسي لحزب التقدم والاشتراكية توجهات مشروع القانون المالي لسنة 2016 ، معربا عن عزم الحزب تقديم مقترحات من أجل تجويد هذا المشروع، أساسا في جانبه الجبائي وتدعيم الجانب الاجتماعي للمشروع. وأوضح عبد الأحد الفاسي الفهري أن المشروع الذي يتوقع تحقيق نسبة نمو تبلغ 3 في المائة وتقليص عجز الميزانية إلى حدود 3.5 في المائة والحفاظ على التوازنات الماكرواقتصادية ودعم القطاع الاقتصادي وتحسين مناخ الأعمال، لا يستجيب بالقدر الكافي للحاجيات خصوصا في قطاعي التعليم والصحة، مشيرا إلى أن الحزب يتوفر على مقترحات مهمة يعتزم تقاسمها مع حلفائه في الحكومة، وذلك من أجل تجويد المشروع ليكون قادرا على الاستجابة بشكل أكبر لتطلعات المواطنين.و ثمن عبد الأحد العديد من المستجدات الإيجابية في مشروع القانون المالي لسنة 2016 ، والتي تتجلى، أساسا، في دعم النمو والتصنيع وتحسين مناخ الأعمال والمجال الاجتماعي والرفع من ميزانية قطاع الصحة ودعم الأرامل والمطلقات والحفاظ على التوازنات الماكر اقتصادية.
غير أن الفاسي سجل، في الحوار التالي الذي أجرته معه بيان اليوم، أن نسبة النمو المحددة في 3 في المائة تبقى ضعيفة، مؤكدا على أنه يجب التفكير في الرفع من هذه النسبة وفك ارتباط النمو بالأحوال المناخية، وذلك من خلال تحسين الحكامة والرفع من مردودية الاستثمارات ونجاعة السياسات العمومية.
كما لاحظ أن هذا المشروع قام بتقوية الطلب على الولوج إلى منظومة الصحة “راميد”، غير أنه لم يعر اهتماما كبيرا للآليات القادرة على تسهيل الولوج إليها، وذلك من خلال تحسين الاستقبال وحل إشكاليات العجز في مجال الموارد البشرية والخصاص في التجهيزات الطبية، خصوصا في المجال القروي والمناطق الجبلية، بالرغم من المجهودات المبذولة من طرف وزارة الصحة.
وبعد أن سجل أن مشروع القانون الماليرفع من نسبة ميزانية التجهيز اهتماما لقطاع التعليم، أكد عضو المكتب السياسي لحزب التقدم الاشتراكية أن كتلة الأجور في هذا القطاع تعرف انخفاضا ويخشى أن هذا الانخفاض راجع إلى ارتفاع عدد عدد المتقاعدين وانخفاض التوظيف فيه، داعيا إلى حل هذه الإشكالية بمعزل عن اللجوء إلى القطاع الخصوصي، ودفاعا عن المرفق العمومي.
< الحكومة تقدم مشروع قانون في آخر ولاية لها. كيف يمكن قراءة هذا المشروع؟
> مشروع قانون المالية لسنة 2016 يتميز بمحافظته على استمرارية الأهداف العامة للحكومة. فالأهداف الكبرى هي نفسها الأهداف الموجودة في البرنامج الحكومي . وسنة بعد سنة هناك تأكيد عليها.
< ما هي هذه الأهداف؟
> هناك أربعة أهداف:
الهدف الأول الذي يؤكد عليه هذا المشروع هو أولا دعم النمو من خلال التركيز على المخططات القطاعية وأساسا مخطط التسريع الصناعي ، ودعم المقاولة ، ودعم الاستثمار الخاص والحفاظ على الاستثمار العمومي في مستوى عالي.
الهدف الثاني هو الجانب الاجتماعي من خلال أساسا محاربة الفوارق المجالية والاجتماعية ودعم الفئات المعوزة والتي توجد في وضعية هشاشة والتي لا يمكن أن تعيش دون تضامن وطني
والهدف الثلث هو الاستمرار في بعض الإصلاحات المهيكلة. أي كل ما يتعلق بتنزيل القوانين التنظيمية للمالية، وإصلاح العدالة، والإصلاح الجبائي، وإصلاح المقاصة، وإصلاح نظام التقاعد، وتنزيل الجهوية المتقدمة.
أما الهدف الرابع فيتعلق بالتوازنات الماكرو اقتصادية
سؤال: باستحضار هذه الأهداف، أين تتجلى الاستمرارية؟
جواب: مشروع قانون المالية يحاول أن يعطي نعطي للنمو الاقتصادي بعدا اجتماعيا، يروم تنفيذ الإصلاحات الكبرى والحفاظ على التوازنات الماكرو اقتصادية. هذه هي الأهداف وفي طياتها استمرارية واضحة للتوجه الحكومي.
< هل تتفقون في حزب التقدم والاشتراكية مع هذا التوجه؟
> إجمالا نحن نتفق مع هذا توجه. ونركز على بعض المسائل التي تبدو ايجابية.
ففيما يخص الهدف الأول الخاص بالنمو، المشروع يركز على قضية التصنيع. ويبدو أن للتسريع الصناعي مركز محوري في مشروع قانون المالية لهذه السنة. ونحن نجد راحتنا في هذا التوجه لأن التصنيع مسألة أساسية وهو الطريق الصحيح نحو النمو الخالق لفرص الشغل. إن نقطة نمو واحدة تأتي من التصنيع يمكنها أن تخلق حوالي 30 ألف منصب شغل، بينما نقطة نمو آتية من الفلاحة أو الخدمات تعطي 9 ألاف إلى 10 ألاف منصب شغل. وللتصنيع تأثير المعجل (effet multiplicateur) أي أنه يجر معه قطاعات أخرى. إذن قضية التصنيع مهمة ونعتقد أن هذا التوجه مهم جدا. وهناك أهداف لهذا المخطط. مثلا يقول المشروع إنه في 2020 يجب أن نصل إلى 23 بالمائة من الناتج الداخلي الخام. ونحن الآن في 14 بالمائة.
< لكن هناك انطباع بأن الأمور لا تسير بالشكل المطلوب
> نعم، نلاحظ نوعا من البطء في الانجاز. هناك انجازات مهمة في مجال صناعة السيارات وقطع غيار الطيران وبعض الصناعات التحويلية المصدرة . لكن الأمور لا تمشي فعلا بالشكل الكافي . ولاشك أن النقاش الذي سيشهده البرلمان ستكون لنا تساؤلات حول أين نحن من أهداف التصنيع وكيف نحاول أن نسرع بوتيرته.
< ماذا تقترحون لتسريع وتيرة المخططات القطاعية والمشاريع المتعلقة بتقوية البنية التحتية؟
> كثر الكلام بالفعل حول تسريع هذه المخططات، لأنه نلاحظ أن نسبة الانجاز مثلا في الاستثمارات العمومية حجمها مهم، فهي تصل إلى 189 مليار درهم . ولكن الاستثمارات لا تسير بالوتيرة الكافية . المشكل المطروح هو كيف نسرع بالوتيرة، ليس فقط على مستوى صرف الاعتمادات، ولكن على صعيد كيفية إعطاء الأهمية للطابع النوعي للاستثمار كي تنعكس آثاره بشكل فعال وفعلي على المواطنين. كيف نحقق ما يسمى بالالتقائية والاندماج بارتباط مع مسألة الجهوية واللاتركيز وغيرها. كيف نجعل هذا الاستثمار خالقا لفرص الشغل.
هناك إشكال حقيقي . هناك استثمارات مهمة، لكنها لا تؤدي إلى خلق مناصب الشغل بالشكل الكافي. أحيانا نقدم إعفاءات دون أن نتأكد أن هذه الإعفاءات ذات الجدوى ولها الانعكاسات الايجابية المرجوة على صعيد التشغيل أو التصدير أو دعم القدرة الشرائية للمواطنين. يجب أن نسرع وتيرة الإنجاز لكن مع الأخذ بعين الاعتبار الجانب النوعي لضمان مردودية لهذه الاستثمارات وجعلها ذات آثار على الحركية الاقتصادية وعلى ظروف عيش المواطنين..
< هذا بالنسبة للهدف الأول، تحدثتم في بداية حديثكم عن هدف ثاني اجتماعي، أين يتجلى هذا الطابع في مشروع قانون مالية يبدو أنه قلص من ميزانية بعض القطاعات ذات علاقة بهذا الطابع الاجتماعي؟
> بالنسبة للجانب الاجتماعي أريد أن أؤكد على أن المشروع جاء بمسألة مهمة.
أولا في ما يخص قطاع الصحة. ميزانية قطاع الصحة ارتفعت بشكل مهم. الملايير التي وفرناها عبر إصلاح نظام المقاصة جزء مهم منها توجه بصفة خاصة لقطاع الصحة التي تجاوزت ميزانيتها 14 مليار درهم. هذا شيء مهم. لأن هناك برامج طموحة في مجال الصحة، و مشاريع كبيرة في مجال الصحة العقلية والمستعجلات وتوسيع العرض الصحي و”الراميد”.
نسجل بإيجاب كذلك عددا من البرامج منها دعم المعوزين، عبر برنامج تيسسير، وصندوق دعم التماسك الاجتماعي، ومساعدة المطلقات، و”الرميد”، ومساعدة الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، والتغطية الصحية لطلبة الجامعة…
علينا أن نعلم أن هناك فئات لا يمكنها أن تعيش إلا بالتضامن الوطني.
نسجل أيضا بإيجاب جديد صندوق التنمية القروية الذي سيخصص له غلاف مالي يصل إلى 55 مليار للسبع سنوات القادمة من أجل معالجة بعض الاشكالات وإخراج24 ألف دوار من واقع الهشاشة.
كل هذا لا يمكن إلا أن نصفق له. لكن هناك بالفعل ملاحظات من الواجب الحديث عنها.
فبخصوص قضية الرميد، وزعنا البطاقات على المواطنين المحتاجين لها. وهذا يعني أننا وسعنا الطلب وأصبح لعدد كبير من المواطنين إمكانية الولوج إلى المستشفيات. لكن أين الخدمة الصحية التي سنقدمها لهم؟. هنا يتجلى الخطر المتمثل في توسيع الطلب دون تحسين التجهيزات. وهذا سيؤدي إلى تدني الخدمات الصحية. وفي هذه الميزانية، تم أحذ هذا الأمر بعين الاعتبار، ويجب استعمال الاعتمادات المعتمدة بسرعة وبنجاعة لتحسين العرض الصحي في المستشفيات والمستوصفات.
من جانب آخر، تبقى قضية الموارد البشرية مطروحة بقوة. هناك 2000 منصب شغل جديد في قطاع الصحة . وهو عدد غير كاف البتة. لأن العجز كبير . نحتاج إلى 8000 طبيب و 9000 ممرض وممرضة خصوصا في العالم القروي. ولعل الفكرة التي اقترحها رفيقنا الحسين الوردي فيما يخص الخدمة الوطنية الصحية، بغض النظر عن مآلها وطريقة التي تم بها تدبير هذا الملف جعلت أن مشكل الخصاص في العالم القروي بات مطروحا بقوة، وأضحى مجالا لاهتمام المجتمع برمته.
أما بخصوص صندوق دعم التنمية القروية، هناك نقاش ذو طابع سياسي، يتعلق أساسا بمن سيكون الآمر بالصرف؟ نشدد هنا على أنه إذا كنا بالفعل نبحث عن الاندماج والالتقائية ومعالجة المشاكل ميدانيا، يجب أن يكون التدبير والبرمجة على الصعيد الترابي. بلا شك العمال والولاة، وكذلك مجالس الجهات سيكون لهم دور أساسي لتحقيق الالتقائية المرجوة..إذا النقاش السياسي لا يجب أن يخبئ عنا المشكل الحقيقي المتمثل في كيف يمكننا محليا وترابيا أن ندبر هذا الأمر بنجاعة كي يصل الصندوق إلى الهدف الذي وضع من أجله.
< بالعودة إلى الخدمة الوطنية ادالصحية، هذه المبادرة لم تر النور بعد. ما هو السبب في نظركم؟
> وزير الصحة الحسين الوردي مسؤول حكومي يجتهد وينتج أفكارا لمعالجة معضلة الخصاص، خاصة في المناطق التي تشكو قلة الموارد في قطاع حيوي يرتبط بصحة المواطنين. رفيقنا الوردي يجتهد لإيجاد حل لعجز الموارد البشرية. ولكن هذا العجز مطروح ليس فقط بالنسبة للمجال الصحي ولكن في جميع المجالات لاسيما في مجال التعليم. لكل هذا ما أريد أن أقوله هو أننا بحاجة إلى رؤية استراتيجية متعددة السنوات لمعالجة إشكالية الوظيفة العمومية وإشكالية المرفق العام وكتلة الأجور بارتباط مع مسألة التقاعد ومحاربة عجز الموارد البشرية. إذا توفرت لنا هذه الرؤية الشمولية، بالتأكيد آنذاك بمكن أن نعالج القضايا القطاعية بحظوظ أوفر للنجاح. وهذا يطرح بإلحاح مسألة تدبير التغيير وقيادة الإصلاحات.
< المشكل مطروح أيضا بحدة في قطاع التعليم الذي تميزه ظاهرة الاكتضاض في المدارس والإعداديات والثانويات؟
> جواب: بالنسبة للتعليم، نلاحظ أن الميزانية العامة في انخفاض. ارتفعت قليلا ميزانية التجهيز من 2 إلى 3 ملايير درهم. ارتفاع نرى أن هاجسه الأساسي هو تمكين بعض الأكاديميات من أداء متأخراتها.
نلاحظ بالنسبة لقطاع التعليم تراجعا في كتلة الأجور، نخشى أن يعود هذا الأمر إلى كون التوظيفات الجديدة لا تعوض عدد المغادرين. بمعنى أن الذين سيتم توظيفهم أقل ممن سيغادرون للتقاعد. وهذا يطرح إشكالات عديدة منها الاكتضاض الذي أشرتم إليه في سؤالكم.
< هل يمكن للقطاع الخاص أن يحل المشكل في قطاعي التعليم والصحة ؟
> جواب: لا أظن . للقطاع الخاص بالتأكيد دور. إلا أنه في نظرنا لا يمكنه القيام بذلك. لأنه بالنسبة لنا المدرسة العمومية والمستشفى العمومي هي “ثروة من لا ثروة له”. Le patrimoine des sans patrimoine
وهذا ليس موقف ايديولوجي بالمعنى الضيق، لأن القطاع العام هو القادر على تفعيل مبادئ المرفق العام المتمثلة في المساواى والاستمراية والولوجية بالنسبة لجميع المواطنين حتى نضمن حقا يكفله الدستور.
< وهل يمكن لرفع سن التقاعد أن يشكل حلا، على الأقل في قطاع التعليم؟
> لا أعتقد ذلك. رفع سن التقاعد من أجل حل مشكل الموارد البشرية ليس حلا، خاصة في التعليم الابتدائي والأساسي. لا يمكن للإصلاح أن يتم بأساتذة تجاوز سنهم الـ 60 عاما . وسبق لحزبنا في مذكرته حول إصلاح أنظمة التقاعد أن أشار إلى ضرورة الأخذ بعين الاعتبار خصوصية بعض المهن منها التعليم الابتدائي والأساسي التي تمارس في ظروف شاقة(Penibilite ).
<ارتباطا بالشق الاجتماعي دائما، ما هو موقفكم من ما سيعرفه صندوق المقاصة من إجراءات تبدو لا اجتماعية؟ وهل الحل كامن في الدعم المباشر؟
> الاعتمادات المخصصة للمقاصة في انخفاض نتيجة المقايسة، ونتيجة كذلك انخفاض ثمن برميل البترول على الصعيد الدولي. فقد ممرنا من 54 مليار درهم إلى 15 مليار درهم. وقانون المالية سيقتصر على دعم غاز البوطان وللمواد الغذائية والسكر.
فيما يخص الطرح الذي يقول إن الإصلاح ينحصر في رفع الدعم وتقديم مساعدات مباشرة للمعوزين، نقول إن هذا غير كاف. يجب في اعتقادنا اغتنام هذه “الهدنة” على الصعيد سعر البرميل للقيام بإصلاح حقيقي عميق، ولوضع آليات متينة للحفاظ على القدرة الشرائية للمواطنين، خاصة عبر إصلاح قنوات التسويق، وإعادة النظر في بنية الأسعار، ومحاربة مواقع الريع التي تستفيد من المقاصة.
استطعنا أن نخفف من ثقل المقاصة، صحيح. ولكن علينا أن نستغل الانفراج الحالي للقيام بإصلاح أعمق في اتجاه تعزيز الإصلاح والمراقبة وتبسيط المسالك وبنية الأسعار.
إن قضية دعم الفقراء بدون مقابل وبدون تشجيع الإدماج الاجتماعي عبر الولوج للخدمات الاجتماعية يطرح في اعتقادنا مشكل قابليته للتطبيق، ويطرح كذلك مسألة مبدئية ويجب استحضار هذه الأمور في معالجة إشكالية المقاصة.
< لننتقل إلى الهدف الثالث من المشروع والخاص بالإصلاحات الكبرى. أي مكانة خصصها هذا المشروع للجهوية؟
> يمكنني أن أقول أن انطلاقة الجهوية تظل محتشمة شيئا ما. فمشروع القانون المالي لم يخصص لها سوى 4 ملايير درهم من المفروض أن توزع على 12 جهة. ويبدو أن الجهوية تحتاج للعمل الجاد على تفعيل قوانين مرافقة لإدخالها حيز التنفيذ. بالتأكيد هناك ضرورة التدرج والتجريب، لكن لنا حاجة إلى أجندة وتصور لتفعيل مضامين الدستور في شموليته.
< فيما يخص شروط تحضير قانون المالية، أين نحن من تفعيل القانون التنظيمي للمالية؟
> لسنا راضين على ظروف تحضير ومناقشة مشروع قانون المالية. هناك مشكل سياسي في ضعف التشاور داخل الأغلبية وداخل الحكومة، الشيء الذي يجعل هذا المشروع يطغى عليه الطابع التقنوقراطي ولا يبلور بالشكل الكافي التوجهات السياسية التي يجب أن تكون حاضرة ومتفق عليها سياسيا.
فيما يخص المناقشة في البرلمان، الشيء المهم هم أنه سيتم السنة المقبلة دخول القانون التنظيمي للمالية حيز التنفيذ. وهو قانون يحدد شروط تحضير ومناقشة وتنفيذ الميزانية . ونحن ننتظر من تفعيل هذا القانون مراجعة جذرية للطريقة التي تتم بها الآن تحضير وتنفيذ الميزانية. لا أحد راض عن الطريقة التي تتم بها الآن.
< لماذا .ما هي السلبيات؟
> هناك سؤال محوري ظل دائما يطرح نفسه. كثيرا ما تكون الغلبة في المفاوضات بين الوزارات لوزارة المالية التي تفرض سلطتها. المفاوضات الخاصة بالميزانية بين الوزارات ووزارة المالية كثيرا ما تكون فيها الغلبة لهاته الأخيرة التي هاجسها الأساسي يظل التوازنات الماكرو اقتصادية والتقليل من عجز الميزانية. ثم هناك تغييب واضح للبرلمان طيلة السنة.. فكيف يعقل أن ينتظر النواب إلى حدود 20 أكتوبر للتوصل بطن من الوثائق ويطالبون بقراءتها ونقاشها في ظرف شهرين.
إن الجديد بالنسبة للقانون التنظيمي للمالية هو منحه برمجة متعددة السنوات. فكيف يعقل أن نناقش مشروع قانون مالية 2016 ونحن لا نملك رؤية واضحة عن إنجازات 2015 . إننا بحاجة إلى تفعيل القانون التنظيمي للمالية من أجل تعزيز الحكامة الديمقراطية التشاركية ونحقق بذلك القفزة النوعية في قضية التحضير لمشروع مالي يهم مصير البلاد وارتباطاته الخارجية.
بخصوص هذه الارتباطات، نلاحظ أن المشروع يضعها ضمن أولوياته بتركيزه على التوازنات الماكرو اقتصادية. ألا ترون أن ذلك يضعف الاهتمام بالجانب الاجتماعي؟
بخصوص التوازنات الماكرو اقتصادية، يمكن القول إن هناك انجازات مهمة سواء على صعيد عجز الميزانية، أوعجز الميزان التجاري، أو ميزان الأداءات، أو احتياطي العملة الصعبة.
جيد أن تكون هناك توازنات ماكرو اقتصادية. فهي ترتبط بسيادة القرار الاقتصادي. لكن الصرامة في هذا المجال لا يجب أن تذهب إلى المدى الذي يجعلها تتم على حساب التوازنات الاجتماعية. مشروع قانون المالية ينبني على فرضيات هي معدل نمو في حدود 3 بالمائة، وعجز الميزانية يبلغ 3.5 بالمائة، ومحصول زراعي المتوسط يصل إلى 70 مليار، وبرميل البترول محدد في 61 دولار ، ومعدل التضخم يصل إلى 1.7 بالمائة واستثمار عمومي بغلاف يصل إلى 189 مليار درهم ( 61 مليار للدولة والباقي من طرف المؤسسات العمومية والجماعات الترابية)، مع تحديد مناصب الشغل في 26 ألف
ومديونية تصل إلى 64 بالمائة من الناتج الداخلي الخام، وكتلة أجور تصل إلى 106 مليار درهم .
هذه هي الفرضيات. ولنا بخصوص بعضها ملاحظات.
فبالنسبة لمعدل النمو المحدد في 3 بالمائة، نرى أن هذه النسبة قليلة. ويلاحظ أن المغرب يجد صعوبة في تحقيق نسبة نمو مستدامة، ويعتمد كثيرا على أحوال الطقس. الإشكال المطروح هو كيف للمغرب أن تكون له نسبة نمو مرتفعة لسنوات متواصلة. لا يمكن أن نخرج من التخلف ولا يمكن أن نكون دولة صاعدة دون بلوغ نسبة نمو مستدامة في حدود 6 أو 7 بالمائة.
< كيف السبيل إلى ذلك؟
جواب: الحديث جار اليوم عن انخفاض سعر البترول، وعن وجود نوع من الانتعاش الاقتصادي لدى شركائنا، وعن حجم مهم من الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وعن الاستقرار الذي ينعم به المغرب، وعن وجود مخططات القطاعية. في ظل كل هذه المعطيات لماذا لا نحقق القفزة المرجوة. إذا لم نقم بذلك الآن متى سنفعل ذلك؟
< هل لكم أن تقدموا لنا حلولا عملية؟
> ربما كان من الأفضل أن نزيد من عجز الميزانية لنحقق ليس فقط معدل نمو جيد، بل نموا نوعيا يخلق ما يكفي من مناصب الشغل، وتقليص معدل البطالة. فعندما ننظر إلى نسبة البطالة المستقرة نسبيا في حدود لا تتعدى 9 بالمائة، لا يجب أن يخدعنا هذا الاستقرار لأنه غير ناتج عن مناصب شغل يتم خلقها بشكل وافر، بل لأن عدد الوافدين على سوق الشغل ” أي الطلب” يتقلص.
< لماذا؟
> هنا تحول بنية الهرم السكاني وتراجع نسبة الفئات العمرية الشابة بالنسبة لمجموع الساكنة. أي أن نسبة الشباب في الساكنة تنخفض، وهناك طول مدة الدراسة. إذن بقى مستوى خلق مناصب الشغل دون المستوى. وهي مسألة يجب أن نوليها اهتماما كبيرا من خلال تشجيع الاستثمار النوعي الخالق لفرص العمل.
< هل تقصدون تشجيعا من خلال الإعفاءات؟
> هذه مسألة مطروحة. هناك تقرير حول النفقات الجبائية. التي انخفضت من 34 مليار درهم إلى 32 مليار. ولتعريف النفقة الجبائية يمكن القول إنها المبالغ المالية التي تسمح فيها الدولة عن طريق الإعفاءات الضريبية كي تشجع الاستثمار والتشغيل والصادرات . المشكل المطروح هو أن هذه الإعفاءات تمنح بدون جدوى مؤكدة، أي دون تحقيق النتائج المرجوة. نحن نطالب بإعادة تقييم شامل لهذه الإعفاءات لنعرف تلك التي لها جدوى اجتماعية وتلك التي تذهب سدى دون تحقيق هذا الهدف.
هناك حقيقة مشكل على مستوى النمو وعلى مستوى محتوى هذا النمو وخلقه لفرص الشغل وانعكاساته على المواطن وعلى معيشه اليومي.
< الإعفاءات تجرنا إلى الحديث عن الجبايات. ألا ترون في جديد القانون المالي حيفا؟
> بالنسبة للإصلاح الجبائي هناك منطلق أساسي. لا يوجد تناقض بين مبادئ العدالة الاجتماعية الجبائية وقضية النجاعة الاقتصادية والمردودية المالية. الليبراليون والذين يفكرون في التقشف يضعون نوعا من التعارض بين التوازنات المالية والعدالة الاجتماعية . فهم يحاولون تحميل البسطاء والفقراء والطبقة الوسطى العبء الكامل.
نحن في قضية الجبايات، وكما يجمع على ذلك المختصون الاشتراكيون منهم والليبراليون، متفقين على المسالة التالية : كلما كان النظام الجبائي عادلا كلما تحسنت المردودية المالية. إذن يجب أن نسير في اتجاه المردودية المالية والعدالة الجبائية. وهذه فكرة يسارية يجب أن نظل متشبثين بها. بطبيعة الحال الإصلاح الجبائي. وهذا مبدأ دستوري. كل يجب أن يؤدي الضريبة حسب مقدرته ويسير نحو تحفيز الاستثمار والإنتاج.
< هل سنلمس هذا التحفيز في ظل الجديد على مستوى الضريبة على الشركات؟
> المشروع جاء بتسعيرة جديدة واعتمد أربعة أشطر. لكن لم يعتمد التدرج la progressivite واعتمد فقط النسبية la proportionnalite . وهذا يطرح عدة مشاكل عملية ويطرح مشكل العدالة الجبائية. ونحن نقترح إذن اعتماد التدرج كما لنا اقتراح منذ زمان أن الفاعلين في قطاع الاتصالات الذين يتمتعون بنوع من الاحتكار في السوق المغربي يجب أن يخضعوا لنفس التعريفة الخاصة بالقطاع المالي أي 37 بالمائة.
ونرى أن المشكل الحقيقي الذي يجب أن نعالجه هو التملص الضريبي. ذلك أن 60 بالمائة من الشركات تعلن عجزها الدائم.بينما 90 بالمائة من المداخيل تؤديها 90 بالمائة من الشركات.
< في إطار الجبايات دائما يعاب على مشروع القانون المالي سير في الاتجاه المعاكس لتشجيع قطاع السكن. ما هو موقفكم؟
>: صحيح. لكن ما يمكنني قوله هو أن المشكل ليس صادرا عن وزير السكنى وسياسة المدينة. لابد فيما يخص الضريبة التضامنية على البناء الذاتي أن نأخذ بعين الاعتبار العدالة الجبائية ودعم قطا البناء الذي لا يحضى بالأهمية اللازمة ودعم الطبقات المتوسطة في الولوج الى ملكية مساكنها.
< وماذا عن الضريبة على القيمة المضافة؟
> التوجه الذي جاء به مشروع قانون المالية هو أن يتم الاكتفاء بمعدلين (taux ) 10 و 20 بالمائة.نحن نقترح أن يكون هناك معدلا ثالثا من 30 بالمائة بالنسبة للكماليات.
ثم الإصلاح لا يجب أن يتم على حساب القدرة الشرائية للمواطنين سواء تعلق الأمر بالمواد أو بالخدمات. بالنسبة للتذاكر الخاصة بالقطار، عكسا لما يقترحه المشروع، أي المرور من 14 إلى 20 بالمائة، نحن نعتبر أن هذا غير مقبول وربما يجب تخفيض هذا السعر من 14 إلى 10 بالمائة تشجيعا للقدرة الشرائية للمواطنين ولنمط تنقل يحافظ على البيئة. أما فيما يخص حل مشكل تسديد الدولة لمتأخراتها لفائدة مكتب السكك الحديدية ربما يجب التفكير في إجراء تعميم الإعفاء بالنسبة للضريبة على القيمة المضافة بالنسبة لاستثمارات المقاولات العمومية شأنها شأن القطاع الخاص.
< المعيش اليومي للمواطن مرتبط في مشروع القانون المالي بمؤشر التضخم. كيف تقرأون هذا المؤشر المحدد في 1.7 بالمائة؟
> معدل التضخم في نظرنا ضعيف جدا. كثيرا ما تواجه المطالبة بالزيادة في الأجور بإبراز خطر التوترات التضخمية (tensions inflationnistes ) أي إلى ارتفاع الأسعار. لكن الآن لدينا معدل منخفض. وهو لا يعني اقتصادا متحركا بل نوعا من الانكماش (déflation). هذا يجعلنا نقول إنه هناك ربما هامش لإعطاء دفعة للقدرة الشرائية إما عبر رفع مباشر للأجور، أو عبر تخفيض للضريبة على الدخل وإعفاء الاشطر السفلى. بالمقابل ولتعويض المساهمة التضامنية على الأجور العليا الذي استوفت سنواتها الثلاث، نقترح بالنسبة للضريبة على الدخل إضافة شطر تضامني بالنسبة للأجور العليا( فوق 600 ألف درهم في السنة مثلا). كل ذلك خدمة للمواطنين الذين يحتاجون لرعاية الدولة.
< تقصدون رعاية المرفق العام
> أحد المحاور الأساسية لنضالات حزب التقدم والاشتراكية هو قضية الدفاع عن المرفق العام.
لنعطي بعض الأرقام للوقوف على تعقيدات المشكل :
كتلة الأجور 106 مليار درهم . وهي في ارتفاع مستمر. وهذه القضية عالجتها الحكومات المتتالية دائما فقط عن طريق إما تقليص التوظيفات أو التشجيع على المغادرة الطوعية. لكن ما بقي في الوسط، بين الدخول والخروج، أي مسألة إعادة الانتشار ومراجعة قانون الوظيفة العمومية أمور لم نتقدم فيها.
الغلاف الإجمالي للميزانية محدد تقريبا في 280 مليار درهم. 106 مليار درهم منها تذهب لكتلة الأجور. إن مشكل التحكم في الأجور مسالة أساسية. لكن يجب أن تكون لنا نظرة شمولية.
مشروع القانون المالي يتوقع خلق 25 ألف منصب شغل، علما أنه في سنة 2014 غادر 15 ألف شخص الوظيفة بسبب التقاعد. ومن المنتظر أن يرتفع عدد المغادرين للسبب ذاته خلال السنوات القادمة من 18 إلى 20 ألف. ذلك أن عددا كبيرا من الأشخاص الذين التحقوا بالوظيفة أواخر السبعينات وبداية الثمانينات بلغوا سن التقاعد.
هناك مسالة عجز واختلالات مالية للصندوق المغربي للتقاعد
عجز الموارد البشرية يتركز أساسا في الصحة والتعليم خصوصا في العالم القروي والمناطق النائية.
كل هذه المعطيات متداخلة فيما بينها وتهم المرفق العام. وهي تتطلب منا تصورا شموليا ، وحلولا من ضمنها ربما العودة إلى خدمة مدنية وطنية، في كل التخصصات.
في قطاع الصحة المشكل مطروح باستعجال . لكن جميع القطاعات معنية. ويجب أن يعالج الكسكل بنظرة شمولية.
< ما رأيكم في خرجة وزير الوظيفة العمومية بخصوص إعادة انتشار الموظفين؟
> وزير الوظيفة العمومية دعا، في خرجة له، إلى إعادة انتشار 140 ألف موظف. بالفعل قضية إعادة الانتشار مسالة مطروحة بإلحاح. هناك فوارق كبيرة في توزيع الموارد البشرية. حيث أن هناك تكدسا للموظفين في الرباط والدار البيضاء الكبرى. إن مسألة إعادة انتشار الموظفين يجب أن تعالج في جانبها الإداري، ولكن أيضا في جانبها الإنساني ونراعي قضايا أساسية تتعلق بالسكن وتمدرس الأطفال وتجمع الأزواج، وكذلك إعادة الاعتبار معنويا وماديا لمناصب الشغل في العالم القروي والمناطق النائية.