أثارت نتائج الإحصاء العام للسكان الذي أشرفت عليه المندوبية السامية للتخطيط موجة من الانتقادات من قبل الحركة الجمعوية الأمازيغية وبعض النخب الفكرية والحقوقية ببلادنا بخصوص موقع اللغة الأمازيغية في التداول اليومي للمغاربة.. نريد منكم تنوير الرأي العام بوجهة نظر المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، وكذا مقاربتكم الشخصية كأحد مؤسسي الدرس اللساني في المغرب. > بداية، أود أن أؤكد أننا، في المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، نكن كامل الاحترام للمندوبية السامية للتخطيط وللعاملين بها، بالنظر للمهام التي تقوم بها هذه الهيئة. لكن هذا لا يمنع من التعبير عن ملاحظاتنا وتحفظاتنا بخصوص القضايا التي قد تبدو لنا مجانبة للصواب. وهذا ما حصل بعد اطلاع الرأي العام على الأسس المنهجية المعتمدة قبل عملية الإحصاء وأثناءها وبعدها. الملاحظة الأولى تخص تناول موضوع الأمازيغة في الاستمارة/ حيث لم يكن يتعلق السؤال بالأمازيغة إن كانت لغة الأم للمستجوب أم لا، كما هو حاصل في التجارب الدولية في مجال إحصاء السكان (أنظر مثلا تجربة كندا)، ولم تطرح أسئلة حول مجالات استعمال هذه اللغة (البيت، الشارع، العمل، الخ.) للوقوف على الواقع الاجتماعي للغات. وهناك ملاحظة أخرى تتعلق بنسبة العينة التي تم الاشتغال عليها والتي لا تتجاوز 2% ، والتي لا تمكّن من مقاربة تفاصيل الأمور على مستوى الجماعات، علما أن في كندا مثلا تبلغ نسبة العينة 30 % من الساكنة.. وربما أهم من هذا، أن عددا من العائلات، خاصة في الوسط القروي، لم تحظ بزيارة القائمين على الاستجواب. إضافة إلى هذا، فإن وسائل الإعلام (جريدة الصباح، عدد 15 أكتوبر 2015) وقفت عند اختلالات مستفزة من قبيل “تضييع أزيد من 22 ألف أسرة في حسابات المندوبية” مما “يضع جودة معطياتها في الميزان”؛ والهرم السكاني لا يخلو بدوره من الشوائب. أضف إلى ذلك التنافر الذي يعتري معدل النشاط للنساء القرويات، حيث يبلغ 7.5 % حسب نتائج الإحصاء العام، في حين يصل إلى 38.0% بالنسبة لنفس الفئة ونفس الفترة في البحث الوطني حول التشغيل خلال الفصل الثالث لسنة 2014. هذه النقائص والتناقضات هي التي جعلت مسؤولي بعض المؤسسات الرسمية يبدون تحفظاتهم بخصوص مصداقية النتائج المعلنة، وذلك بمناسبة المناظرة التي نظمتها المندوبية السامية. الخلاصة أن هذه الأمثلة تكفي للقول إن المواطن مرتاب لأنه كان ينتظر عملا ذا جودة أعلى من مؤسسة نتوخى منها المصداقية التامة ولأن الدولة تعول على نتائج الإحصاء في إعداد السياسات العمومية. أخيرا، أؤكد أن القصد من إبداء هذه الملاحظات ليس المس المجاني من مصداقية المندوبية السامية للتخطيط ولا هو الطعن في كفاءة العاملين بها، وإنما طرح قضايا منهجية قد تسهم في تجويد أداء مؤسساتنا الوطنية.
< كما في علمكم، ركز الخطاب الملكي في افتتاح الدورة التشريعية الحالية على ضرورة الانكباب على إخراج مشاريع القوانين التنظيمية العالقة قبل متم الولاية التشريعية الحالية وفق منطوق الدستور، وذكر جلالته، على وجه الخصوص، مشاريع القوانين التنظيمية المتعلقة بتفعيل الطابع الرسمي للغة الأمازيغية، والمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية.. ومن المعلوم أن هذا الموضوع عرف نقاشا عموميا واسعا غداة إقرار الدستور الجديد، وتمت فيما بعد استشارات واسعة مع الأحزاب السياسية ومكونات المجتمع المدني، بل ثمة فرق برلمانية بادرت إلى اقتراح مشاريع في هذا الباب.. ورغم حرارة هذه الدينامية المجتمعية، ظل التعاطي، برلمانيا وحكوميا، مع هذه القضية، باردا، وأصبحت المسألة عالقة، مما ترتب عنه تأخر كبير وغير مفهوم.. وعبرتم، مؤخرا، عن "قلق" مكونات (ليركام)، بمناسبة تخليد الذكرى الرابعة لدسترة الأمازيغية، بقولكم إن "المماطلة التي تنهجها الحكومة لم تعد مقبولة".. الآن أصبحت الأمور واضحة بعد الخطاب الملكي أمام البرلمان...... هلا تفضلتم بالتعليق على أسباب هذا التأخير في المنجز التشريعي، هل ثمة مقاومات ما أو اختلافات في وجهات نظر الفاعلين السياسيين، أم أن الأمر لا يعدو أن يكون مجرد ترتيب في الأجندة التشريعية؟ وما هي مساهمة المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية في تأطير هذه المسألة التي اعتبرها صاحب الجلالة "شديدة الأهمية والحساسية".
> أعتقد أن لا أحد يجادل في التأخر الحاصل في مسلسل إعداد القوانين التنظيمية ذات الصلة بالأمازيغية، وخاصة تلك الواردة في الفصل الخامس من الدستور. هل الأمر يتعلق بالتأخر أو بالتأخير أو بالتماطل أو بالمماطلة أو بمناورة؟ لكل منا رأيه وتقييمه في الموضوع؛ والأكيد أن الحكومة لم تف بالتزامها المنصوص عليه في البرنامج الحكومي لسنة 2012، أي أنها لم تصدر تلك القوانين ولم تشرع حتى في الاستشارات مع المؤسسات ومع المجتمع المدني رغم إلحاح بعضها، ومنها المعهد الذي بادر منذ الوهلة الأولى إلى إرسال مذكرة متضمنة لرؤيته إلى كافة المؤسسات المعنية، كما أنه نظم ندوات وملتقيات متعددة شارك فيها ممثلون عن الحكومة وممثلون عن الطبقة السياسية وعن النخبة المثقفة وعن المجتمع المدني. وتشدد مذكرة المعهد على المبادئ الأساسية التالية: أولا: الطابع التعددي للهوية الوطنية؛ ثانيا: الأمازيغية ملك لكل المغاربة بدون استثناء؛ ثالثا: الأمازيغية مكوّن أساسي للثقافة الوطنية وتراث ثقافي زاخر شاهد على حضورها في كلّ معالم التاريخ والحضارة المغربية؛ رابعا: الثقافة الأمازيغية رافعة من رافعات المجتمع الديمقراطي الحداثي القائم على تأكيد الاعتبار للشخصية الوطنية ورموزها اللغوية والثقافية والحضارية.
اعتمادا على هذه المبادئ، فإن ما تراكم في مجال النهوض بالأمازيغية يبيّن ضرورة تأمين استمرار الوضعية الراهنة والقيام بما يلزم من التدابير من أجل ترصيد المكاسب وتجويدها في مختلف المجالات. اعتبارا للطابع الرسمي للأمازيغية الذي تمتاز به هذه اللغة في دستور المملكة، فالحاجة ملحّة إلى مأسستها بشكل تام، لذا فالنهوض بها في سائر المجالات أمر ضروري. والتركيز على أهمّ مجالات الحياة العامة ذات الأولوية أمر لا يتنافى مع الانكباب المرحلي على مجالات أخرى بغية استكمال النهوض الفعلي بالأمازيغية من أجل أن تؤدّي وظائفها كاملة كلغة رسمية للبلاد إلى جانب اللغة العربية. ومن القطاعات التي تعتبر راهنا ذات الأولوية، والتي ساهم المعهد مع شركائه المؤسّساتيين في إدماج الأمازيغية بها، التعليم، والإعلام، والثقافة، على وجه الخصوص. كما أنّ للمعهد إسهامات اقتراحية في مجالات أخرى تهمّ الشأن المحلي والجهوي، والحقوق الثقافية واللغوية، والقضاء والتنمية البشرية والإدارة الترابية.
أما بالنسبة للمجلس الوطني للغات وللثقافة المغربية، فمذكرة المعهد تؤكد على ضرورة ترصيد وتجويد المكاسب التي تحققت في مجالات معيرة اللغة وتنميط حرف تيفناغ والبحث في التربية والثقافة، فضلأ عن تمكينه من الاحتفاظ بصلاحياته وموارده الراهنة وتوسيعها قصد تتبع التدابر والإجراءات المتعلقة بتفعيل الطابع الرسمي للأمازيغية. ومن باب ضرورة ترصيد المنجزات والمكتسبات المحققة في مجال النهوض بالأمازيغية خلال العشرية الأخيرة، يتعين تبوء المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية المكانة اللائقة به ضمن المؤسسات التي سيضمها المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية من خلال قيام المعهد بمهامه، والعمل على ترسيخها وتجويدها.
وتتمثّل تلك المهام، على وجه الخصوص، في محصّلة الأدوار التي يضطلع بها، ومن أبرزها أذكر ما يلي:
أولا: الدور الاستشاري للمعهد، وما قام به المعهد لإبداء رأيه في القضايا الوطنية ذات البعد الاستراتيجي، من حيث إسهامه بالرأي في مشروع الجهوية الموسّعة، وفي المناظرة الوطنية للإعلام، وأشغال المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، ومبادرته تقديم مقترحاته بشأن دسترة الأمازيغية، وبخصوص الأمازيغية في البرنامج؛
ثانيا: الدور الاقتراحي للمعهد، بقيامه بمهامّ اقتراح السياسات الملائمة التي من شأنها تعزيز مكانة الأمازيغية في الفضاء الاجتماعي والثقافي والإعلامي الوطني على الصعيد المركزي، وفي الشأن المحلي والجهوي؛
ثالثا: الدور التشاركي للمعهد، بعقده اتفاقيات مع قطاعات حكومية ومؤسّسات وطنية ودولية ومع جمعيات المجتمع المدني. ومن ذلك على وجه الخصوص، اتفاقيات مع كلّ من وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي وتكوين الأطر والبحث العلمي، ووزارة الاتصال، ووزارة الثقافة، وزارة الصناعة والتجارة والتكنولوجيات الحديثة، وزارة الداخلية من أجل تكوين الأطر التابعة للوزارة؛ والوزارة المكلّفة بالجالية المغربية المقيمة بالخارج، وديوان المظالم، والمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، ومجلس الجالية المغربية بالخارج، ومؤسّسات وطنية ودولية وجامعات وطنية ودولية، وجمعيات وطنية.
رابعا: الدور الأكاديمي والعلمي للمعهد، في مجالات تنمية اللغة والثقافة الأمازيغيتين، على مستوى البحث العلمي في ميادين العلوم الإنسانية، واللسانيات، والآداب والتعابير الفنية، والتربية، والترجمة، والتكنولوجيات الحديثة؛ وقيامه بمعيرة الأمازيغية وتقعيدها، وإنتاجه الحوامل والدعامات لتدريسها والمساهمة مع الوزارة الوصية في إدراجها في المنظومة التربوية وفي الإعلام، وتنمية النشر والإبداع في مختلف هاته المجالات المعرفية؛ وكذلك الدور الإشعاعي للمعهد، في مجالات النهوض بالأمازيغية، من خلال تنظيمه العديد من الندوات العلمية واللقاءات التواصلية، وتنظيم جائزة الثقافة الأمازيغية، وتدريس اللغة الأمازيغية لفائدة الراشدين والأطفال، وتنظيم دورات تكوينية لفائدة الجمعيات الشريكة العاملة في مجال النهوض بالأمازيغية، ودورات تكوينية لفائدة الفنانين والمبدعين والصحفيين.
وعلى الرغم من عدم الاستجابة لمبادرات المعهد، ولتعبير البعض عن انزعاجه أو عن تجاهله، فنحن لا زلنا متفائلين، وخاصة بعد خطاب صاحب الجلالة بمناسبة افتتاح الدورة التشريعية الحالية، والذي ضمنه تعليمات واضحة.
< لعلكم تتبعتم، السيد العميد، بعض النقاشات، التي تحولت أحيانا إلى سجالات، تتساءل عن مصير المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية وموقعه ما بعد التنزيل الدستوري وإقرار مشروع القانون التنظيمي المتعلق أساسا بإحداث المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية، وذهب البعض إلى حد اعتبار أن هذا المجلس المرتقب سيشكل بديلا عن المعهد، فيما يرى البعض الآخر بأن المعهد يكتسي طابعا علميا وأكاديميا بينما المجلس الوطني مؤسسة دستورية استشارية تؤطر وتوجه السياسات العمومية في الحقل الثقافي واللغوي.. ما رأيكم؟
> لعل الدستور واضح بما لا يحتمل الشك أو التشكيك في “مصير” المعهد، حيث ينص في فصله الخامس على أن المجلس الوطني للغات والثقافة المغربية يضم كل المؤسسات المعنية بحماية وتنمية اللغتين العربية والأمازيغية ومختلف التعبيرات الثقافية المغربية. ولا أحد يجادل في كون المعهد هو المؤسسة المنوط بها النهوض بالأمازيغية والارتقاء بها؛ ولن يجادل أحد في كون المعهد قد حقق مكاسب
جمة لفائدة الأمازيغية في سائر المجالات. لذا يتعين العمل على ترصيد كافة المكاسب التي حققها المعهد في مجالات البحث والتعليم والارتقاء بالتعابير الأدبية والفنية والثقافية وتطبيق التكنولوجيات الحديثة وتهيئة اللغة وتنميط حرف تيفناغ وغيرها وبالتالي، فالمعهد هو أول مؤسسة مرشحة للانضمام للمجلس الوطني للغات وللثقافة المغربية، لأنه أبان بالملموس على كفاءته وجدارته والتزامه.
< ظهرت في الآونة الأخيرة بعض المشاكل المتعلقة بتدريس اللغة الأمازيغية، ومنها على سبيل المثال إقدام بعض نيابات وزارة التربية الوطنية على إعفاء بعض مدرسي اللغة الأمازيغية وتكليفهم بتدريس مواد أخرى كالعربية والفرنسية.. مما أثار احتجاجات واسعة في صفوف نساء ورجال التعليم، وهذا، من بين عوامل وإكراهات أخرى، يجعلنا نتساءل عن مصير تدريس اللغة الأمازيغية بمدرستنا الوطنية، فما هو تعليقكم على هذه المسلكيات المعيقة للعملية التربوية، وما هو تقييمكم بشكل عام لواقع تدريس اللغة الأمازيغية، علما أن أطر وخبراء وباحثي المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية قدموا الكثير في هذا الباب وفي كل المناحي المتعلقة بالتدريس ديداكتيكيا ومعجميا وما يرتبط بالعملية التربوية برمتها وفي شموليتها.
> لقد عرف مسار تدريس الأمازيغية مدّا ملحوظا في السنوات الأولى، وبعد ذلك تم التراجع على بعض المكتسبات تدريجيا، على مستوى الموارد البشرية والتكوين الأساس والمستمر وعدد التلاميذ والمدارس. ولا أدلّ على ذلك من إعفاء عدد من الأساتذة المختصين في تدريس الأمازيغية وإسنادهم تدريس موادّ أخرى. هذه هي السمة المميزة لوضعية تدريس الأمازيغية. أما عن خطة وزارة التربية الوطنية لفترة 2015-2030، فيبدو من خلال الاطلاع عليها، أن تدريس الأمازيغية لا يندرج ضمن أولويات هذه المؤسسة. أما الرؤية الإستراتيجية للمجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، فهي تضم بعض التوصيات التي تهم مكانة الأمازيغية في الهندسة التربوية العامة، والتي مفادها إلزامية تدريس الأمازيغية بالتعليم الابتدائي وتعميمه بالتدرج في سلك الثانوي الإعدادي والتأهيلي وإدماج الأمازيغية كلغة التواصل بالمعاهد العليا لتكوين الأطر وكلغة التخصص بكليات الآداب كما هو الحال اليوم في عدد من الجامعات.
أعتقد أن هذه الرؤية تحمل بوادر إدماج الأمازيغية كدرس وتخصص على الأقل على مستوى النصوص المرجعية. لننتظر تفعيلها، ووقعها على تعميم تدريس الأمازيغية وتجويده على أرض الواقع. ونتمنى خيرا. وللتذكير، فقد مارس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية صلاحياته في اتجاه المساهمة في تدليل الصعوبات وإزالة العراقيل في أفق تصحيح أوضاع تدريس الأمازيغية، وذلك وفق مقتضيات الظهير الشريف المحدث للمعهد والمنظم له. وتتمثل هذه الإجراءات في توجيه مذكرات في الموضوع لجميع المؤسسات ذات الصلة. ومن أجل تجاوز المعيقات والإخلالات الحاصلة، يقترح المعهد أن تراعى في وضع القوانين التنظيمية ذات الصلة بمجال التعليم والتربية والتكوين العناصر التوجيهية التالية:
– العمل على تقوية التنسيق بين وزارة التربية الوطنية وقطاع التعليم العالي وبين المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية؛
– العمل على صياغة مخطّط استراتيجي خاصّ بتدريس الأمازيغية لغة وثقافة على المستويين المركزي والجهوي؛
– بلورة مخطّط عمل يروم توسيع وتجويد تدريس اللغة الأمازيغية وثقافتها بتنسيق بين الوزارة الوصية والمعهد؛
– تعميم تدريس الأمازيغية الموحّدة أفقيا وعموديا في إطار وحدة المدرسة ووحدة المناهج؛
– وضع آلية قانونية خاصّة بالطابع الإلزامي لتدريس الأمازيغية في المنظومة التربوية؛
– سنّ مراسيم لتحديد وضع الأمازيغية ووظيفتها في المنظومة التربوية إلى جانب العربية واللغات الأجنبية: لغة تدرّس كمادّة، ولغة تدريس بعض الموادّ كالاجتماعيات والشأن المحلي والثقافة ضمن مقررات التعليم؛
– تحديد تصوّر لوضع الثقافة الأمازيغية في التعليم إلى جانب الثقافات الوطنية والجهوية بمختلف تمظهراتها ومكوّناتها المادّية واللامادية؛
– التركيز في تكييف القوانين التنظيمية مع مشروع الجهوية الموسّعة مع السياسة التعليمية، على اعتبار الثقافة واللغة الأمازيغيتين مكوّنين أساسيين للثقافة والهوية المغربيتين؛
– اعتماد البعد الأمازيغي في التربية على المواطنة وعلى القيم الوحدوية واحترام تنوع التعابير الثقافية في المناهج والمقرّارات الدراسية؛
– إحداث جهاز إداري وقانوني ضمن هيكلة وزارة التربية الوطنية، من قبيل مديرية مركزية خاصّة بتدريس الأمازيغية لغة وثقافة داخل الوزارة الوصية؛
– تكوين وتوظيف ما يلزم من الموارد البشرية التربوية التي ستسند إليها مهمّة تدريس الأمازيغية في مختلف أسلاك المنظومة الوطنية للتربية والتكوين، وذلك باستثمار الكفاءات التي تخرّجتْ في مسالك الدراسات الأمازيغية؛
– اعتماد مراسيم لإدماج اللغة والثقافة الأمازيغيتين في منظومة التكوين بمراكز التكوين التابعة للوزارة الوصية مع اعتماد مقياس الحصّة النسبية (quota) لفائدة الأمازيغية في المراكز الجهوية الخاصّة بمهن التكوين؛
– اعتماد نظام ناجع للتكوين المستمرّ يستفيد منه أساتذة الأمازيغية؛
– إحداث شُعب للغة والثقافة الأمازيغيتين في كافة الجامعات والمعاهد العليا؛ وإحداث مسالك الدراسات الأمازيغية في الجامعات المغربية ومعاهد تكوين الأطر في مختلف القطاعات المعنية (العدل، الإعلام، السياحة، الأوقاف، الداخلية)؛
– إدراج مادّة “الثقافة الجهوية” في برامج التربية والتكوين بمختلف جهات المملكة، على أساس أن تعكس هذه المادّة تنوّع المغرب وغناه الثقافي والحضاري؛
– توجيه مناهج تدريس الأمازيغية الموحّدة نحو جعلها مستقبلا أداة المؤسّسات بالجهة، مع النهوض في هاته الجهات بالتعابير الثقافية واللغوية المتنوّعة؛
– ومراعاة التكافؤ بين موادّ التدريس من خلال إدماج موادّ اللغة والثقافة الأمازيغيتين في مختلف أسلاك التعليم، وتخصيصها بمراسيم تخصّ اعتمادها في الاختبارات وفي الإشهاد.
< بعد ظهور الاهتمام الرسمي للدولة بالمسألة الأمازيغية والذي تجسد أساسا في إقرار اللغة الأمازيغية، في دستور البلاد، كلغة رسمية إلى جانب اللغة العربية، وبعد اقتناع المجتمع المغربي بمختلف مكوناته وأطيافه وتخلي البعض عن نظرتهم الإقصائية المتعسفة، حدث نوع من التوافق المجتمعي في إطار نضج سياسي وثقافي ملحوظ، إلا أن ثمة جانبا آخر قلما يستأثر باهتمام النخب والباحثين، ويتعلق الأمر بالتهميش الذي طال بعض المناطق النائية الناطقة باللغة الأمازيغية في الأرياف وأعالي الجبال والعالم القروي.. مما يعني أن هذه المناطق لم تنل حظها من المخطط التنموي الوطني للأسباب التي يعرفها الجميع.. تأسيسا على ذلك هل تستشعرون محاولات أو مبادرات للمصالحة مع سكان هذه المناطق التي لا تزال في معظمها محرومة من البنيات التحتية الأساسية بل منها مناطق لا تزال تشكو من العزلة وانعدام المسالك وحتى الماء الشروب. هل تعتقدون أن المبادرة الملكية التي حثت الحكومة على تخصيص غلاف مالي وازن يرصد لتنمية العالم القروي ستساهم في سد الخصاص وبالتالي إخراج هذه المناطق من العزلة وواقع الحرمان؟
> هذا موضوع في غاية الأهمية، لأنه يشكل إحدى المحددات الأساسية والمهيكلة لمصير اللغات والثقافات عامة. أعتبر شخصيا أن الحديث عن اللغة وعن الثقافة وعن الهوية كمفاهيم مجردة منقطعة عن الواقع المعيش للإنسان هو مجرد لغو لا يسمن ولا يغني من جوع، بل قد يفضي إلى طرح طوباوي أو ماضوي غير ذي جدوى. عودا إلى حالة الأمازيغية، يمكن القول إن الفقر والهشاشة اللذين يطالان الساكنة الأمازيغية في القرى المهمشة هما عاملان حاسمان في هيكلة مصير الأمازيغية ومسارها في الأمد المنظور. أي أن استمرار الحرمان من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية سيؤدي حتما إلى الهجرة القروية وبالتالي إلى الاستيعاب اللغوي والثقافي للمكون الأمازيغي لفائدة المكون العربي. وسينتج عن هذه السيرورة التاريخية تآكل التعدد اللغوي والثقافي ونكوص تنوعه، مما سيؤدي بالبلاد إلى الفقر الرمزي. ولا أدل على ذلك من التحول الديموغرافي لفائدة الساكنة الحضرية وأثره على تقلص نسبة متكلمي الأمازيغية.
من المسلّم به اليوم أن الثقافة جزء من التنمية المستدامة، وهي فوق ذلك رابع دعامة لها، بجانب الدعامات الاقتصادية والاجتماعية والبيئية. وقد أبانت التجربة أنه من الممكن تحويل الموارد الثقافية لمجتمع مّا إلى ثروة اقتصادية، عن طريق تنمية الطابع المتفرّد للشخصية الجماعاتية والتقاليد والمنتوجات الثقافية والخدمات، بحيث تصبح من الموارد الموفّرة للشغل والمدرّة للدخل والأجور. وبهذا الصدد، فإن التجارب التي قام بها المجتمع المدني في بعض جهات المغرب جدّ مشجّعة. ومن ذلك ما أنجزته التعاونيات بجهة سوس بشأن شجر الأرگان ومشتقاته، وتعاونيات أخرى بمناطق مختلفة تستغل شجر الزيتون، وكذا ما تم تحقيقه في نطاق السياحة الإيكولوجية والثقافية بالجنوب الشرقي وبالأطلس، وكذلك في ميدان تربية الإبل ومنتجاته في الأقاليم الجنوبية. ويظهر من هاته التجارب وغيرها من الممارسات الفضلى أن بمقدور الجماعات المحلية أن تراهن على صيانة الممتلكات التراثية وعلى تنمية الأنشطة الثقافية والمعارف والمهارات التقليدية والكفاءات التي طوّرها الإنسان عبر حقب طويلة من التكيّف مع محيطه. وذلك من أنجع السبل الكفيلة بتعزيز التنمية المستدامة وتقوية الرأسمال الثقافي الجماعاتي.
وفي هذا السياق، فإننا نلاحظ أن ساكنة الجهات المهمّشة تعتبر من أفقر سكّان المملكة. وذلك ما يتجلّى من خارطة الهشاشة التي وضعها البنك الدولي، واعتمدتها المندوبية السامية للتخطيط سنة 2004. إنّ ساكنة هذه المناطق تركّز في أنشطتها على رصيدها من الرأسمال الثقافي الذي هو بمثابة الرصيد الذي يؤهلها للصراع من أجل التخفيف من وطأة الفقر والهشاشة، على الرغم من أن باطن أراضيها يزخر بالمعادن النفيسة، كما أن أراضيها تنتج ثروات هائلة من قبيل خشب الأرز بالأطلس المتوسط، ومشتقات شجر أرگان والصّبار بسوس والتي تسوّق اليوم بأغلى الأثمان دون أن تنال منها الساكنة المحلية سوى عائد بخس. كما أن الموارد المائية بالأطلس المتوسّط تدر خيراتها حصريا على السهول والحواضر في حين أن أراضي شاسعة تشكو من الجفاف. وهكذا نرى من خلال هذه الأمثلة وغيرها كيف أن منتوجات الثقافة المادية للجماعات لا تدمج في الاقتصاد التضامني، وأن تسويقها لا يساهم في تحسين ظروف عيش الساكنة القروية الناطقة منها بالأمازيغية أو بالعربية على حدّ سواء.
إن إدماج الثقافة بالتنمية كفيل بأن يجعل من هذه الثنائية رافعة لإنتاج الرفاه، وذلك عبر الاستعمال المتأني للموارد الثقافية، والمعارف والمهارات المحليّة. وكما أكّدته وزارة الثقافة وجمعية جذور مؤخرا، فإن دعم الثقافة يعني العناية بالجماعات المنتجة، بتمكينها من القيام بأدوار الفاعلين في التحكم في زمام مستقبلهم والخروج من براثن الفقر. وهذا ما تجمع على تأكيده تقاريرُ الخبراء الدوليين لدى كل من هيئة الأمم المتحدة، وبرنامج الأمم المتحدة للتنمية (PNUD)، ومنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OCDE)، ومنظمة اليونسكو. إن الفقر يتمثّل قبل كل شيء في الحرمان والعوَز من غياب أو نقص الموارد المادية بالدرجة الأولى، كالمأكل والملبس، والسكن، أو المال الضروري لتوفير هذه الحاجيات المادية. وقد يتجاوز جوهر الفقر في غالب الأحيان هذا المفهوم المحدود.. حيث، بموازاة مع الحاجيات المذكورة، فإن الحرمان أو النقص يهمّ كذلك الموارد اللّامادية، بما فيها من تربية، ومكانة اجتماعية، والعزل والإقصاء الجَزائي من المجتمع.
ولهذه الظاهرة وقع بالغ بين الجماعات التي تعاني من وطأة الفقر والهشاشة، إذ أنه في كثير من البلدان، هناك من الرجال والنساء من يغْدون أكثر فقراً مما كانوا عليه، لأنهم لم يعودوا يجدون ذواتهم في ثقافتهم الأصلية. بل أدهى من ذلك أنهم أصبحوا أكثر جهلا بثقافتهم. وهذا ما يتجلى من خلال فحص مدى عدم تملّك بعض المفاهيم والقيم الثقافية، كالاحترام والتضامن، على سبيل المثال. ففي زمن غير بعيد، كان لربّ الأسرة مقامٌ متميّز بين ذويه، حيث يجمع حوله أهله كل مساء، لا لمشاهدة شريط تلفزي مثير، بل لتبادل الرأي وتجاذب الحديث، وتلقين الناشئة آداب القول وفنون الجدل وبلاغة الإقناع وأعراف السلوك والاحترام المتبادل. ولهاته التنشئة وقعٌ في الخلف الذي يستوعب دروس السلف ويترجمها في ممارساته داخل الجماعة، مما يضمن تواتر النموذج القيمي وتناقله وكذا تجاوزه الإيجابي، بنظرة قوامها الانسجام والتماسك، بغاية الحفاظ على تعاليمَ أساسها احترامُ الفرد وما له من مكانة ومن دور وسط الجماعة. وهذه الوضعية هي ما تسير في اتجاهه تدريجيا الجماعاتُ ببعض المناطق التي تعيش العزلة والهشاشة، وهي من الأمثلة الحيّة التي تكشف وضعيتُها المزرية عمقَ الشرخ القائم بين تطوّر المحيط الاقتصادي والاجتماعي والثقافي لدى بعض شرائح المجتمع، وبين هشاشة العرض العمومي في مجال الرفاه، والتربية والصحة، والتنمية لدى فئات مجتمعية واسعة.
وقد جاء مشروع الوزارة الوصية (وزارة الثقافة) – ولو بإمكاناتها المحدودة- والمصطلح عليه بـ “المغرب الثقافي” ليعرض تصورا مغريا لإدماج الثقافة في التنمية، ولا سيما إذا تم ذلك برسم مخطط عمل في إطار الجهوية الموسّعة، ذلك أن الاستثمار في ثقافة تتسم بالدينامية وفي قطاعات مبدعة لمن شأنه أن يُـيَسّـر انتعاش الاقتصاد المحلّي في المناطق الغنيّة بتراثها الثقافي وبصناعاتها الإبداعية والفقيرة من حيث إنتاجية الصناعات الحديثة. والحال أنه، إلى جانب العرض السياحي الغني بمؤهلات التراث المحلي، فإنه باستطاعة بعض الجهات أن تتوفّر على مؤسسات فنّية وثقافية زاهرة، وتعاونيات تقوم بأنشطة مدرّة للدخل، والمهرجانات الثقافية، وغيرها من الأنشطة التي تؤطرها الموارد البشرية المحلية. بهذا تكون الصناعات الثقافية والإبداعية والمبدعة من أهم المصادر التي تؤمّن فرصا أكبر في قطاعات حيويّة لكسب العيش الكريم لدى الجماعات المهمّشة، مثل السياحة الثقافية، والمنتجات المحلية، والصناعات والحرف التقليدية وفنون الفرجة، على اعتبار أن الصناعات الإبداعية والثقافية في الوقت الراهن تعدّ من القطاعات الأكثر حيويّة حيث تعرف انتشارا متناميا وتدرّ دخلا هائلا في ظل تحولات الاقتصاد العالمي.
< يعيش المعهد، هذه الأيام، أجواء احتفائية بتخليد الذكرى الرابعة عشرة للخطاب الملكي بأجدير وتأسيس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية.. هلا قربتم قراءنا من قراءتكم وتقييمكم لحصيلة المعهد خلال هذه المسافة الزمنية الهامة، وما هي أهم المنجزات التي تحققت، وما هي طبيعة الصعوبات، إن وجدت، التي تعترض عملكم قانونيا وإداريا وماليا وتنظيميا، وأي برامج ومشاريع للمرحلة القادمة؟
> لقد عرف المعهد منذ نشأته دينامية ملحوظة في مساره وتسييره وأدائه، شأنه في ذلك شأن سائر المؤسسات الحية. أي أن المعهد عرف مرحلة الانطلاقة بحماسها والتباساتها وإكراهاتها. فهي مرحلة البحث عن تحديد الهوية، باعتماد النهج التجريبي الموسوم تارة بالتأني وتارة أخرى بالاندفاع، وهو نهج مكلف استراتيجيا وسياسيا وتسييريا وتدبيريا.
بعد ذلك جاءت مرحلة فرض الذات في نسق المحيطات المهيكلة مع المكاسب المحققة وكذلك بالإخفاقات الداخلية والخارجية، بعضها محفز للتقدم إلى الأمام وبعضها محبط للعزيمة، مردها تفاوتات في التكوين المهني ودرجة الانخراط في ثقافة المؤسسة والالتزام بخطها واستراتيجيتها. أضف إلى ذلك، من جهة، تداعيات تعليق مجلس الإدارة وما ولده من خلخلة البنية العامة، ومن جهة أخرى، بزوغ الشعور بالحيرة والقلق في سياق ملابسات المرحلة الانتقالية. ومع هذا وذاك، فالمعهد مستمر في أداء مهامه بالنجاعة المعهودة، بفضل التزام الزملاء النزهاء والمدعمين الشرفاء. لذا، تحدونا الثقة التامة في أنفسنا وفي دولتنا من أجل الاستمرار في خدمة الأمازيغية والثقافة الوطنية والصالح العام.