في زيارة جلالة الملك المتواصلة إلى العيون وباقي الأقاليم الجنوبية برز أيضا حجم ومستوى الاستقبال الشعبي للملك مذ وصل مطار المدينة، وأيضا التلقائية التي تفاعل بها جلالة الملك مع التعلق الشعبي وهتافات أبناء شعبه في هذه الربوع…
الصور والدلالات هنا لا تخلو كذلك من أهمية ورسائل، وقد التقطها بالفعل كثير متابعين للشأن المغربي ولقضية وحدتنا الترابية.
عندما يمشي الملك وسط الطريق الرابطة بين المطار ووسط المدينة ويسلم على المواطنات والمواطنين، وعندما يخفت نور المصابيح لبضع دقائق ويشعل الناس أضواء هواتفهم لينيروا الطريق الملكي، وعندما يترأس الملك حفل التوشيح وحفل الإعلان عن المشاريع التنموية وسط حضور جماهيري كبير لا يتقيد كثيرا بتعقيدات البروتوكول، وعندما يخرج الملك إلى أحياء المدينة وشوارعها ليلا يقود سيارته ويحيي الناس بكثير من الحميمية والتلقائية، كل هذا يعني أولا أن المدينة آمنة ومستقرة، وأن الملك ثانيا يتحرك بذات الأسلوب تماما كما يفعل في الرباط والدار البيضاء وفاس ومراكش وطنجة وخريبكة وغيرها من باقي مناطق المملكة.
فضلا إذن عن قوة مضامين الخطاب الملكي، فإن صور الاستقبالات الشعبية جسدت هي أيضا لحظة قوية وذات دلالة في الاحتفالات بالعام الأربعين للمسيرة الخضراء، وهي ليست مفبركة أو معلقة في المساء، وإنما هي تعكس واقعا فعليا له امتداده الموضوعي على الأرض.
صحيح أن اللوحات الاحتفائية والشعبية التي رسمها سكان العيون في الشوارع والطرقات كانت أكثر إبداعا وبلاغة مما نقلته كاميرات قنواتنا الوطنية، حيث مع الأسف لم ينجح إعلامنا البصري في استثمار اللحظة لتقديم منتوج مهني وسياسي مبهر ومؤثر ولافت للانتباه ومثير للمتعة والفرجة، ولكن مع ذلك فما عممته مواقع الإنترنيت المختلفة وهواتف المواطنات والمواطنين كان مثيرا للعين وللمشاعر وللانتباه، وهو ما يجب أن يحفز اليوم مختلف المؤسسات والسلطات والأجهزة على تأمل سلوكها السياسي والتدبيري في علاقتها بالمواطنات والمواطنين في كل الأقاليم الجنوبية، حيث أن التحول الاقتصادي والتنموي لن يكتمل نجاحه ما لم يواكبه تعامل مع الناس يقوم على الثقة والاهتمام بالكفاءات المحلية والطاقات والنخب الجديدة، وتكريس مناخ مجتمعي عام يستحضر مقتضيات دولة القانون والمؤسسات ويلتزم بالمساواة ورفض سياسة الامتيازات والريع والتحكم.
الزمن الجديد الذي أسست له اليوم الزيارة الملكية إلى الأقاليم الجنوبية لا بد أن يبدأ شموليا ومتكاملا، أي من خلال إنجاز البنيات التحتية والمشاريع الاقتصادية الكبرى وتوفير فرص الشغل وظروف العيش الكريم، وأيضا من خلال التغيير الجذري للأساليب والعلاقات مع الإنسان، أي بلا ريع أو امتياز، ومن ثم إشعاع مناخ سياسي ومجتمعي جديد يتمثل قيم الصراحة والوضوح والالتزام بالقانون.
في العيون أو في باقي مناطق وأقاليم الجهات الثلاث، الأمر يتعلق بداية ونهاية بجنوب المملكة، ولهذا فالتعبير السليم اليوم هو: “الأقاليم الجنوبية”، وذلك في سياق تمتين وتكريس روح الخطاب الملكي المجسد لوضوح النظر وصرامة الموقف وبلاغة التعبير.
[email protected]