دعا وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى الخلفي، إلى تعبئة تشاركية من أجل استكمال ورش إصلاح المكتب المغربي لحقوق المؤلفين.
وقال الخلفي، في افتتاح لقاء دراسي، الخميس 14 يوليوز الجاري بالرباط، حول “هيكلة المكتب المغربي لحقوق المؤلفين ومستقبل حقوق المؤلفين والمؤدين الدراميين”، إن النجاح في هذا الورش يعني الدفاع عن كرامة المبدعين، سفراء المغرب والثقافة المغربية لدى العالم.
واستعرض الوزير، بمناسبة اللقاء الذي نظمته النقابة المغربية لمحترفي المسرح، حصيلة خمس سنوات من العمل التشاركي مع الهيئات التمثيلية للمبدعين، متوقفا عند المكتسبات التي تحققت على صعيد إعمال نظام النسخة الخاصة كآلية لتمويل الحماية الاجتماعية للفنانين، واستخلاص الحقوق، ودمقرطة التسيير الجماعي لمنظومة حقوق المؤلفين، وتوسيع الانخراطات والمصنفات الفنية المسجلة لدى المكتب، وإنصاف ذوي الحقوق المجاورة.
وأبرز الخلفي، بالمناسبة، دور تقرير الافتحاص الذي أنجزه المجلس الأعلى للحسابات في وضع اليد على الاختلالات، وتسريع مسار إصلاح المكتب المغربي لحقوق المؤلفين.
ومن جهته، اعتبر مسعود بوحسين، رئيس النقابة المغربية لمحترفي المسرح، أن اللقاء الدراسي محطة لتجديد الالتفاف حول المشروع الإصلاحي لقطاع يواجه صعوبات بالغة وذي تأثير حاسم على وضعية المبدعين وحقوقهم المادية والاعتبارية، في أفق إجراء انتخابات تفرز هيئة للتسيير الجماعي منبثقة من أسرة المبدعين المغاربة.وسجل بوحسين التقدم المسجل في المسار التشريعي لقانون الفنان والحلقات التي تحققت على صعيد إصلاح قطاع حماية حقوق المؤلف وهيكلة المكتب المغربي لحقوق المؤلفين.
واحتفى اللقاء بالمدير السابق للمكتب بدر الدين الراضي وبالمدير الجديد اسماعيل المنقاري.
كما شكل اللقاء، الذي أداره الكاتب المسرحي وعضو المكتب الوطني للنقابة المغربية لمحترفي المسرح الحسين الشعبي، مناسبة لتكريم الرائد عبد الله شقرون، بوصفه أحد مؤسسي الظاهرة الفنية الحديثة، في المسرح والموسيقى والإذاعة، وأيضا كمناضل قيدوم من أجل إرساء نظام وطني لحماية حقوق المبدعين.
ونوه الفنان محمد حسن الجندي بمسار شخصية استثنائية طبعت بعطاءاتها الغزيرة مختلف مجالات الإبداع الفني في المغرب، وكان رائدا في اكتشاف المواهب التمثيلية والموسيقية والإعلامية وإغناء الخزانة الوطنية بالمؤلفات البحثية والإبداعية، فضلا عن مساره النضالي في مجال حماية حقوق المبدعين، كما عكس ذلك كتابه “معركة المغرب حوق حقوق المؤلف”.
وشمل برنامج اللقاء، ندوة دراسية ترأسها الكاتب المسرحي الحسين الشعبي، قدم فيها رئيس النقابة عرضا حول تصورات وانتظارات الهيئة فيما يخص حقوق المؤلف والحقوق المجاورة وشارك فيها الفنان محمد الدرهم مندوب النقابة في لجنة الحكامة والتتبع حول هيكلة المكتب المغربي لحقوق المؤلف، وتلا ذلك عرض لمدير المكتب اسماعيل المنقاري حول مسار هذه الهيكلة.
شهادة الأستاذ محمد حسن الجندي في حق الرائد الأستاذ عبد الله شقرون
بسم الله الرحمان الرحيم
إذا كان للجُحودِ والنُكران إثمٌ يُوازي العُقوق، وإذا كان العقوق من أكبر الرذائل، فإن الاعتراف لذوِي الفضل بفضلهم يُعتبر أبهى وأسمى وقمة الفضائل.
وأبو جمال، ونبيلة، وكريم، أمد الله في عمره مع نعمة الصحة وتذوق المزيد من نكهة ثماره التي أينعت في أسرته الكبرى، وأزهرت بالحفذة في أسرته الصغرى، قد شمل فضله كُل مراحل التأسيس لظاهرة الفن الحديث في هذه المملكة المصونة بستر الله، منذ العُقود الأولى من القرن العشرين، إسوة ببعض الرواد الأشقاء، وسَبْقًا في مقدمة دول أخرى من الإخوة والأصدقاء. بالطبع لن يُمكنني المجال المُتاح لهذه المداخلة من أن أتحدث عن مرحلة النشأة والتكوين لمُعلمي، ولا عن ما قرأته وسمعته عنه، عِلمًا أن أستاذنا قد “طْرْقْ هَذْ المْسْمَارْ” بيراعه، وأصبحتْ بحمد الله كل الخزانات العامة والشخصية، تضم بين رُفوفها كُنوزه المُحَفِزَةَ، المُفقهة في شتى مجالات الإبداع، إلى جانب قراطيسِ وثائقهِ النادرة التي لا تكتمل حُجةٌ في مجال الإعلام في بلادنا بدونها. وكما علمني، فكل ما لم أقدر أن أدركه كله، احتميت بتقنية الكتابة، كي ألخص لُبَهُ وجُلَه، مُنطلقا من نظرتي الأولى سنة 1956، وأنا أزاحم زملائي فوق الركح، نتجاذب أطراف جزئيْ السِتارة، لنُكَوِن دائرة تلصُصٍ على الحضور داخل القاعة، ونترقب ولوج أول لجنة وطنية لاختيار أجود العروض المسرحية، وهي اللجنة التي كان يرأسها هو نَفْسُه. ورغم أن مجلة “المشاهد” التي كان يصدرها جاره وصديقه، قيدوم الصحفيين مصطفى العلوي، كانت قد خصصت قبل تلك الزيارة، روبرتاجا خاصا عن أبرز تحركات المُعلم من أجل فرض فرقة وطنية إذاعية، فإنني شعرت منذ ظهوره يتقدم أعضاء اللجنة داخل مسرح الكازينو بمراكش، شعرت وكأنني أراه لأول مرة: شابٌ، وسيمٌ، كثيف شعرِ رأسٍ لا يخضع لتسريحات الموضة، ولا يغريه ما في الحركة الفنية البوهيمية من فوضى. بعد عرض مسرحيتنا “هكذا قضت الأحوال” للكاتب اللبناني “عيسى سبا”، صعد بتواضعه الدائم، ودماثة خُلقه الملازم ليسمعنا كلمات الإعجاب والتنويه.
في ذلك اليوم عبرتُ له عن رغبتي الالتحاقَ بمدرسته، فلم يكن لا فظا ولا مُتعاليا. وحمسني ان أبعث له بطلب في الموضوع، ففعلت، وشاء الله أن أفلحت والتحقت.
اكتشفت أن حُسن حظي قادني لأكون تلميذَ أنجبِ طالبٍ في التعليم العالي، التحقَ بالإذاعة منذُ كان المُحتل يسميها “راديو ماروك”، ورغم حذر الأجنبي مع كل النجباء المغاربة في عصره، فإن المُعلم (الأستاذ عبد الله شقرون) كان يملك من رباطةِ الجأشِ، وعفةِ اللسانِ، وذكاء الاستفادة من المناخ العلمي والثقافي، ما يسر له مجال تأسيس نضالٍ في عقرِ الدار، عبرَ المقاومةِ بالتكوين والتحصيل، فكان أول مغربي يتخرج من مدرسة الإذاعة والتلفزيون الفرنسية في باريز. وهو أول من أوكل إليه العاملون في الإذاعة، تحرير مُلتمس شَكَلَ حدثا تاريخيا فارقا في نضال وكفاح الإعلاميين: فنانين، وصحفيين، وإداريين، وتقنيين، من أجل الحصول على قانون أساسي ضَمِن للعاملين اليوم في هذه المؤسسة الكبرى أهم حقوقهم. وكان الأستاذ عبد الله شقرون من أوائل المُناضلين في معركة المغرب حول حقوق المؤلف، ومن المؤسسين لمكتب جمعية المؤلفين، وسيوثق لكل حيثيات هذه التجربة، وكل ما يحيط بها من جزئيات في ما بعد في مرجعه النفيس “معركة المغرب حول حقوق المؤلف” ليُصبح اليوم استشاريا دوليا في الاتصال السمعي البصري، وخبيرا في قضايا حقوق المؤلف والحقوق المجاورة.
كان الأستاذ شقرون من السباقين أيضا للاهتمام ببرامج الطفولة، ومن ذلك البستان، انتقى باقة شكلت ما سمي بالفرقة الوطنية للإذاعة. ثم وسع دائرة اهتماماته، فكان المكتشفَ الموفقَ عن جدارة واستحقاق. ومن أبرز هداياه للساحة الفنية ـ إضافة إلى العدد الهائل من أبرز نجوم الصف الأول من الرواد في فن التمثيل كالأساتذة عبد الرزاق حكم، أمينة رشيد، العربي الدُغمي، حبيبة المذكوري، حمادي عمور، حمادي التونسي، محمد أحمد الأزرق، محمد البصري، حميدو بنمسعود ـ قلت من هداياه أيضا: الملحن محمد بن عبد السلام الذي كتب له أبرز أعماله التي طَبَعتْ وِجْدَانَ الفترة. منها: “يا بنت المدينة”، “أش قضيتو يا الحساد”، “يا الخاطف عقلي”، “عندي وحيدة”.. وغيرها من الأغاني البديعة. ومن حسناته اكتشاف المطربين الكبيرين عبد الوهاب الدكالي ومحمد الغرباوي. ومن حسن الاختيار، اجتذابه لأهم المواهب والكفاءات التي برزت في الشعر كالأستاذ عبد الرفيع الجواهيري والأخ محمد الخمار والصحفي محمد جاد وغيرُهم كثيرون.
والأستاذ عبد الله شقرون هو مَن أغنى الساحة باقتراح تأسيس جوقٍ للمنوعات، وتنشيط الحركة الفنية والثقافية بحفلات دورية تحولت فيما بعد إلى سهرات أسبوعية، فكان من الطبيعي أن يجلب الانتباه إلى كفاءته، فتُسندَ إليه المهامُ تِلوَ المهامِ حتى أصبح مديرا للتلفزيون، وبعدها أمينا عاما لاتحاد الإذاعات العربية لعقدٍ من الزمن. وأثناء ولايته تلك، أذكر أنه وخلال حضوره لأحد المؤتمرات الكبرى في العراق، زارني وأنا ءانذاك مقيم في منطقة الحبانية لتصوير شريط سينمائي، وتصادف وصوله مع وصول الحماية العسكرية لنائب رئيس الجمهورية تدعوني لتلبية دعوة مستعجلة عند السيد عزت إبراهيم، وبقدرِ سعادتي العظيمة بقدوم الأستاذ عبد الله شقرون، وهو الذي تكبد عناء السفر من بغداد إلى الحبانية، كان حَرجِي عظيما أيضا أن أتركه لألبي الدعوة، ولكن المُعلم وكعهدي به دائما، أزال عني كل حرج، وجلس في جناحي ينتظرني مُؤازرا وهو الذي يفرح لنجاحات تلامذته وكأنها نجاحاته هو.
كان بودي أن تكون لي مساحة أوسع في هذه الأمسية، حتى أذكر وفاءه لحفظ كتاب الله والشرح والتفسير، وأبرز من خلالها ارتباطه بعَرُوض الفراهيدي أبي أحمد الخليل، وإخلاصه لاجتهادات سيبويه إلى حد تفضيلِ الكتابة بخط اليدِ بدل الرقن حتى تثبتَ الأفعال في أماكنها، وكي لا تُخيم عليها الجوازمُ، تعززُ بالتشكيلْ. كنت أود أن يتسع المجال حتى أتحدث عن الزوج الوفي لشريكة الحياة، المحفزة له في كل الخطوات، زميلتنا القديرة وتلميذته النجيبة أيضا السيدة جميلة بن عمرـ أمينة رشيد.
ولكن يظلُ كل مجال لخَصتُ في سطورٍ فضلَ الأستاذ عليه، هو في حقيقة الأمر محتاج إلى عشرات الصفحات إن لم أقل المئات، ولقد تخطيتُ الكثيرَ من المحطات حتى لا أكون ضيفا لا يُحقق حسن ظنِ من أوحَى باختياري لشرف الحديث عن الفتى الذي شَيَخْنَاهُ علينا وهو في عز شبابه، ولو لم نفعل ذلك، لقيل في حقنا ما جاء على لسان أحد رواد فن الملحون: “لا شيخ من لا شيخ له”.
مبروكٌ تكريمك يا شيخي.. والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
• حرر بالرباط بتاريخ: 12 يوليوز2016
> شهادة بقلم: محمد حسن الجندي