استقطبت قضية مقتل النائب البرلماني عبد اللطيف مرداس اهتمام الرأي العام الوطني ووسائل الإعلام، بالنظر لبشاعة الفعل الجرمي، ولعدم اعتياديته في مجتمعنا، وبالنظر لكل الالتباسات الأخرى المحيطة بالملف، اجتماعيا وأسريا، ولكن جانب آخر من تجليات ما حدث، استرعى بدوره نظر الكثيرين، ويستحق التوقف عنده.
يتعلق الأمر بكون الضحية منتخبا محليا وبرلمانيا، وأيضا المتهم باقتراف الجريمة هو منتخب في الدار البيضاء، وهذا يحيلنا على صنف من “المنتخبين” باتوا يقبضون على عضوية الجماعات المحلية ومجالس الجهات والغرف المهنية، ومنهم أيضا من يستطيع الوصول إلى قبة التشريع.
الربط هنا ليس طبعا أوتوماتيكيا، ولكن المعطى يستحق، مع ذلك، القراءة والتأمل والتحليل.
كيف لأشخاص لا يترددون في اقتراف القتل والإجرام لحل خلافاتهم العائلية أو لتحقيق نزواتهم الغريزية أن يمتلكوا النضج وحس المسؤولية في تدبير شؤون المواطنات والمواطنين؟
من جهة ثانية، لما نستجمع جوانب “البروفيل” المميز لهؤلاء، نجد أن غالبيتهم يمتلكون مستويات ثقافية وتعليمية “على قد الحال”، وجميعهم بدأوا المسيرة “السياسية” بمثابة “شناقة” في الحملات الانتخابية لفائدة مرشحين آخرين، وبعدما اكتسبوا مهارات البيع والشراء في الأصوات واشتد عود السمسرة لديهم، قرروا تجاوز عرابيهم والترشح هم ذاتهم، ومن ثم امتلاك صفة “المنتخب” التي تفتح لأمثالهم أبواب النهب والابتزاز وبيع الذمم، وبالتالي الاغتناء غير المشروع، والتحول بين عشية وضحاها إلى أعيان وعلية القوم ومالكي عقارات وضيعات واستثمارات وسيارات فارهة، وربما أيضا سلطة التحكم في خرائط السياسة والهيئات التمثيلية، محليا ووطنيا.
ومجرد بحث شخصي لكل واحد منا في محيطه وحواليه، سيجد اليوم عشرات النماذج لمثل هذا “البروفيل” الذي ابتليت به جماعاتنا المحلية وممارستنا الانتخابية، وسنفهم حينها لماذا واقع عدد من مدننا وجماعاتنا على هذه الحال.
الكثيرون تساءلوا، عقب مقتل البرلماني المشار إليه وتواتر الحديث عن ممتلكاته وثروته، كيف راكم كل ذلك، وما هو هذا المسار المهني والشخصي الذي أتاح له ذلك، وفِي نفس الوقت مكنه من امتلاك صفات انتخابية وتمثيلية محلية ووطنية، وتساءلوا أيضا عن علاقة نشاطه السياسي والانتخابي بمراكمة هذه الثروة الكبيرة، وعن سر ودافع الحرص على تسجيل بعضها باسم الزوجة…
لا نغفل هنا مقام وواجب الدعاء بالرحمة لموتانا، ولكن اقتران الراحل وسيرته بشأننا العمومي وبشاعة النهاية تجعلنا نستحضر مثل هذه الاستفهامات، لارتباطها بواقعنا السياسي والانتخابي والمؤسساتي، وأيضا بمستقبل تطلعات بلادنا وشعبنا ذات الصلة بتأهيل الحقل السياسي والحزبي وتخليق الحياة العامة وتدبير شؤون الجماعات المحلية.
بقي أن نشير أيضا إلى أن هذه النوعية من “المنتخبين” تفضلها أحزاب معروفة منذ سنوات، وتجعلها هي القواعد التنظيمية والقيادات في المدن والجهات وهي صاحبة الحل والعقد في أمور الناس، وبمثل هؤلاء يسعون لممارسة السياسة وللسيطرة على تدبير الجماعات والغرف، ومن ثم ترك واقع مدننا وجماعاتنا القروية بئيسا ومتخلفا، وفِي نفس الوقت تمكين هؤلاء “الشناقة” من التحول إلى أثرياء وشخصيات تمتلك الجاه والسلطة والقرار.
من المؤكد سيفصل القضاء في الجريمة التي شهدها حي كاليفورنيا بالدار البيضاء، ولكن لا بد أن نتمعن في الوجه الآخر المتصل بمسارات الأشخاص وسيرهم ومستوياتهم، وهذا يفرض تأملا سياسيا، وتفكيرا عميقا في مستقبل حياتنا الانتخابية والحزبية والسياسية، وسوسيولوجيتها العامة.
محتات الرقاص