عجز ميزان الأداءات..قراءات مشوبة بالحذر

قدم مكتب الصرف معطيات جد هامة حول عجز الميزان التجاري الذي ينتج عن عدم كفاية قيمة الصادرات لتغطية الواردات، وعن عجز ميزان الأداءات الذي يؤدي لاستنزاف الاحتياطي من العملة الصعبة ويؤدي للاقتراض من الخارج.
 فقد أفاد مكتب الصرف بأن ميزان الأداءات سجل عجزا في حساب المعاملات الجارية، بلغ 26.7 مليار درهم متم شهر شتنبر 2016، مقابل 14.2 مليار درهم المسجلة خلال الفترة نفسها من السنة الماضية.
كما أفاد المكتب بتفاقم عجز الميزان التجاري المغربي بـنسبة 14.3 في المئة خلال التسعة أشهر الأولى من سنة 2016 م، حيث بلغ 13.35 مليار دولار، مقابل 11.68 مليار دولار خلال الفترة نفسها من السنة الماضية.
قد تبدو هذه الأرقام مزعجة إذا اتخذنا سنة واحدة ماضية كأساس لحساب النسب. لكن من خلال تحليل على مدة خمس أو عشر سنوات ماضية قد تبدو القراءة مغايرة، وتدفع لخلاصات مفيدة حول التوازنات المالية الخارجية والتي تعتبر من أهم المؤشرات التي تتحكم في الظرفية الاقتصادية والمالية للاقتصاد الوطني.
بالعودة إلى هذا الحيز الزمني الأوسع، نلاحظ، من خلال قراءة أرقام مكتب الصرف وأرقام بنك المغرب، من جهة، أن الحكومة تمكنت بشكل تدريجي من رفع احتياطات البلاد من العملة الصعبة، والتي بلغت سقف الـ 250 مليار درهم متم سنة 2016 ، ومن جهة أخرى نلاحظ ميلا تنازليا لعجز الميزان التجاري المغربي الذي من المتوقع، حسب البنك الدولي أن يصل 4 في المائة  وهي أقل نسبة سيتم تسجيلها بين دول شمال إفريقيا والشرق الأوسط  المستوردة للنفط
هذه القراء تدعو طبعا لتفائل مشوب بالحذر، خاصة في ظل المتغيرات الخارجية التي سيشهدها مطلع سنة 2017 ، والذي من المتوقع أن يشهد الميزان التجاري فيه بعض الهزات لكونه يرتبط من جهة بالقدرة التصديرية للاقتصاد الوطني، أي بالقدرة على خلق القيمة المضافة عند التصدير، مقابل تزايد الحاجة من النفط والمحروقات والسلع التجهيزية والصناعية.
لكن القراءة ذاتها لا تنقص شيئا من بعض المكتسبات المحققة خاصة على مستوى الاحتياطي من العملة والذي بات يزيد قليلا عن سنة أشهر مما يجعل الاقتصاد الوطني في وضع مريح نسبيا على هذا المستوى.
فالمغرب يحتاج بشكل مستمر لرفع احتياطه من العملة الصعبة نظرا لاختلال الميزان التجاري منذ أزيد من 12 سنة حيث لم يتمكن المغرب من معالجة هذا الاختلال نظرا لعدة متغيرات في السوق الدولية مقابل ضعف نموذجه التنموي وعدم قدرته على دعم الاستيراد
وهو ما يفرض على الحكومة المقبلة رفع القدرة التصديرية للمقاولات المغربية وترشيد الاستيراد وتشجيع استهلاك المنتوج الوطني، بالإضافة إلى دعم الاستثمارات الوطنية المنتجة للقيمة المضافة العالية عند التصدير، وخاصة الصناعة والخدمات واللوجستيك، وكذا الاستمرار في استقطاب الاستثمارات الخارجية التي فاق معدل تطورها خلال السنوات الأخيرة 30 بالمائة سنويا
لا جرم أن الحكومة الحالية نجحت الى حد بعيد في وقف نزيف المالية العمومية وتجنيب المغرب خطر الإفلاس الذي يتهدده، والمطلوب هو أن تواصل الحكومة القادمة على نفس المنحى من خلال مراجعة النموذج التنموي الذي بلغ أقصاه. فالحاجة ملحة لجعل القطاعين الصناعي والفلاحي قاطرة ثنائية للنمو واعداد قانون اطار متكامل للاستثمار يكون أساس التحفيز والدعم الذي تقدمه الدولة للقطاع الخاص مقابل العمل على ضمان جودة المنتوج الوطني لإقناع المغاربة باستهلاكه عوض استهلاك المنتوجات المستوردة.
مصطفى السالكي

Related posts

*

*

Top