على غير عادته، شهد المعرض الدولي للنشر والكتاب في دورته الـ29 التي تحتضنها منصة السويسي بالعاصمة الرباط بين 10 و19 ماي الجاري، يوم السبت الماضي ثاني أيام المعرض حدثا غير متوقع.
منذ وصول الزائرين إلى المعرض صباح السبت كان طوابير طويلة مكونة غالبيتها من الشباب واليافعين تسطف في مسار طويل، بينما لا يعرف باقي الزوار لماذا تلتئم هذه الطوابير وفي انتظار من.
مع توالي الساعات، كان طابور غير مسبوق في تاريخ معرض الكتاب، وبدون مبالغة في الوصف، قد التأم يمتد من مدخل المعرض نحو آخر جناح، بعد الاستقساء تبين أن هؤلاء من المئات أو آلاف الشباب واليافعين في انتظار كاتب سعودي سيوقع أعماله بالمعرض يسمى أسامة المسلم.
كان الجميع يجهل اسم الكاتب بين مئات الأطفال أو الآلاف منهم، ممن جاؤوا من مدن سلا والرباط ومدن بعيدة من فاس ومراكش والدارالبيضاء، يعرفونه، ويحملون رواياته من أجل توقيعها، وهدايا خاصة لضيف يحبونه حل بالمغرب.
المشهد بالنسبة لمن اعتاد على زيارة المعرض غير مألوف وغير مسبوق، خصوصا بعد الحضور الذي لم يكن وازنا في اليوم الأول (الجمعة)، فحفلات توقيع كثيرة وكتاب كبار حلوا بدورات سابقة لتوقيع كتبهم أو المشاركة في لقاءات ثقافية لم يشهدوا هذا الحجم من الحضور وهذا الإصرار على الانتظار.
بعد وصوله بعد الساعة الواحدة زوالا، توالى الصراخ والهتاف بين الشباب واليافعين، الذي كان بعضهم برفقة والديه وأسرته، فيما كان الكاتب يبدلهم التحية، مع ترتيبات أمنية اتخذت قبل وصوله لتفادي الانفلات والازدحام.
ما إن شرع في التوقيع حتى كانت حشود أخرى قد وصلت إلى خارج المعرض والتي هي الأخرى نظمت طوابر للالتحاق بالطابور الرئيسي داخل المعرض، وهو ما دفع المنظمين في أحيان كثيرة إلى إغلاق أبواب المعرض أمام الزائرين بحجة أن مختلف الفضاءات مملوءة عن آخرها.
استمر التوقيع لما يزيد عن الساعتين، قبل أن تقرر إدارة المعرض وقف حفل التوقيع، و”تهريب” الكاتب السعودي أسامة المسلم من باب خلفي، بعد أن كان المعرض مملوء عن آخره.
وبالرغم من مغادرته استمرت حشود الأطفال واليافعين وأسرهم في الاصطفاف في الطوابير، بينما فضل بعضهم البحث عنه في الأروقة والقاعات الخاصة، وكان الجميع يسأل الجميع “أين اسامة المسلم”، هل رأيتموه؟؟..
نتيجة هذا التهريب، كانت تناسل الإشاعات حول أماكن وجوده ما كان يدفع للمئات بولوج بعض الأروقة التي مع حلول المساء كان الاكتظاظ بها كبير، واضطر المنظمون لإغلاق عدد منها ومنع الولوج إليها.
شرع المنظون في تعميم رسائل عبر المكبرات الصوتية بأن الكاتب السعودي قد غادر معرض الكتاب وأنه لن يعود، وذلك لثني الأطفال والمراهقين والشباب من البحث عنه وتفاديا للازدحام والاكتظاظ الذي قال كثير من الناشرين والصحفيين والمثقفين الذي دأبوا على حضور مختلف نسخ معرض الكتاب، إنهم لم يروا مثيلا له من قبل.
عشق لرواياته.. والتواصل كلمة السر
في حديث لبيان اليوم مع مجموعة من الشباب الذين كانوا ضمن الطوابير قبل حفل التوقيع، إنهم قرؤا روايات للكاتب أسامة المسلم واعجبوا بها، خصوصا روايته الشهيرة “خوف”، وأن ما يميز الكاتب الذي يكتب روايات خيال علمي هو التواصل.
تقول شابة جامعية إنها تعرفت على الكاتب أسامة المسلم قبل سنوات عبر روايته “خوف” وبعد البحث عنه، وجدت مجموعات افتراضية لعشاق هذه الرواية، اتقرر متابعة الكاتب عبر صفحاته بمواقع التواصل الاجتماعي، خصوصا منها “تيك توك”، والتي من خلال يقوم بشكل دائم بالتواصل مع قرائه وجمهوره لساعات ويتيح له التواصل معه ومعرفة جديده ووجهته.
وليس المغرب فقط، فحسب شابة أخرى ضمن “المنتظرين” فإنه يخبر بأماكن توقعيه بدول مختلفة والتي يتم فيها الإقبال عليها بشدة، مضيفة أنه أخبرهم قبل أسابيع عبر بث مباشر بحلوله بالمغرب من أجل حفل توقيع في أول أيام المعرض قبل أن يخبرهم بالـاجيل لليوم الثاني.
وعن سر هذا الإعجاب، يقول مجموعة من الشباب إنهم أحبوا طريقة الكتابة والمشاعر المختلطة التي تصيبهم خلال قراءة الرواية وتجعل منها لحظة ممتعة بالنسبة لهم، مؤكدين على أنهم على معرفة دائمة بتحركات هذا الكاتب.
هدايا ولافتات.. وحزن بعد المغادرة
في طابور الانتظار، كان البعض يحمل لافتات حول رواية الكاتب، والبعض الآخر يحمل هدايا خاصة له، والورود، وغيرها من الهدايا، فيما كان الجميع تقريبا يحمل الرواية من أجل التوقيع عليها.
بعد إعلان مغادرتهم، أصاب الحزن الكثير من الأطفال والشباب الذين قطعوا المسافات لرؤية كاتبهم المفضل، وعاينت بيان اليوم تذمرهم، حيث قالت إحدى الشابات لـ “بيان اليوم” كنت آمل أن أوقع روايته لأختي التي ستحتفل بعيد ميلادها قريبا، وكنت أود أن أفاجئها لأنها تحب أعمال هذا الكاتب.. انتظرت طويلا، لكنه ذهب ولم يخبرونا بذلك..”
البعض من هؤلاء الشباب ظل متشبثا بالأمل إلى أن اقترب موعد إغلاق أبواب المعرض ويبحث في كل الأروقة والقاعات، ويسأل المارة إن هم كانوا قد لمحوا الكاتب المذكور.
أسامة المسلم يوضح..
بعد مغادرته للمعرض، ومع شروع مجموعة من الصفحات الاكترونية بمواقع التواصل الاجتماعي في الإشارة إلى أنه غادر المعرض بدون سابق إنذار وتخلى عن جمهوره، خرج الكاتب السعودي أسامة المسلم في فيديو توضيحي يشرح أسباب مغادرته.
وقال المسلم إن أمن المعرض أوقف حفل التوقيع وطلبوا منه المغادرة من أجل تجنب بعض المشاكل الأمنية خصوصا بعد الاكتظاظ الكبير داخل فضاء المعرض وخارجه، مشيرا إلى أنه لبى طلبهم.
وأوضح المسلم الذي اعتذر لجمهوره وقرائه، أنه كان يستعد لقضاءات الساعات في التوقيع لمحبيه كما داب بمختلف البلدان والمعارض، معتبرا أن مغادرته جاءت احتراما لقرار المنظمين والأمن الذي يدير المعرض تفاديا لمشاكل بالتنظيم، خصوصا بعد أخبار عن تدافع وإغماءات بالطوابير التي كانت تنتظر دورها للتوقيع.
جدل بين مستنكر ومرحب
مواقع التواصل الاجتماعي كعادتها لم تخل من جدل ونقاش عقب هذا الحدث غير المسبوق بمعرض الكتاب، حيث عبر البعض عن استنكاره لمثل هذه الأحداث والسلوكات، مشيرين إلى كتابا كبارا يوقعون كتابهم أمام أروقة فارغى فيما كاتب جديد تنتظره الآلاف.
بينما كان البعض الآخر ينوه بالفكرة والحدث ويعتبرها ظاهرة صحية، حيث أن الاطفال والمراهقين الذين كانوا بعيدين عن الرواية أصبحوا يحبونها، ويصطفون من أجل القراءة، إذ يرى البعض أن هذا الحدث بحد ذاته أمر محمود وهو أن يعود الشباب والأطفال إلى حب الرواية والقراءة بغض النظر عن القيمة العلمية أو الفكرية لما يقرؤونه.
وذكر عدد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي من كتاب وأدباء وصحفيين والكثير ممن تفاعل مع الحدث بأن القراءة في الطفولة والشباب لا تحتاج إلى قامات فكرية وأدبية وكتابات معقدة بقدر ما تحتاج إلى التدريب والتشجيع من خلال كتابات سهلة وسلسلة ومشوقة تشد هذه الفئة إلى فعل القراءة وتحببها في ذلك، منوهين في هذا الصدد بما استطاع الكاتب السعودي أن يحققه من خلال رواياته.
ودعا الكثير من المتتبعين إلى وقف الانتقاد حول الظاهرة، والتشجيع عليها، فيما دعا البعض إلى دراسة اجتماعية حول ما يحبه الاطفال والشباب واليافعين وكيف يمكن تحبيهم في القراءة من خلال التواصل معهم وتجشيعهم عوض الأساليب التقليدية التي قالوا إنها تحاول تنميط فعل القراءة وإعطاءه طابعا خاصا وطريقا واحدا وفرض ما يجب أن يقرأ وما لا يجب أن يقرأ.
محمد توفيق أمزيان