منتدى اقتصاديي حزب التقدم والاشتراكية يقارب تحديات السيادة الرقمية

نظم منتدى اقتصاديي حزب التقدم والاشتراكية، يوم الأربعاء الماضي، بالمقر الوطني للحزب بالرباط، ندوة حول موضوع “السيادة الرقمية: من الرؤية إلى العمل”، أطرها الطيب الدباغ الخبير في مجال التحول الرقمي، والأمن السيبراني وحماية المعطيات ذات الطابع الشخصي.   

وفي كلمة له بالمناسبة ذكر محمد بنموسى، رئيس منتدى اقتصاديي حزب التقدم والاشتراكية، أن السيادة هي مفهوم متعدد الأبعاد مرتبط بالدولة الوطنية، مشيرا إلى أنه بالإضافة إلى عناصرها الكلاسيكية والمتمثلة في المجال الترابي، والساكنة، والسلطة السياسية المنظمة، ثم الجيش، فإن الدولة بمفهومها الراهن يجب أن تتمتع بسيادتها الصحية والصناعية والتكنولوجية والزراعية والرقمية، وغيرها.

 وبحسب بنموسى فإن المجال الرقمي ليس مجالا محدودا، بقدر ما هو مجال افتراضي، وهو وسيلة للتبادل تتجاوز الحدود، حيث أن حوالي 5.6 مليار شخص يستخدم الأنترنيت عبر العالم، بقواعد مضبوطة، ليس من طرف الدولة، ولكن من طرف الشركات والمنصات الكبرى في المجال الرقمي والتكنولوجي المعروفة بـ (GAFAMs) مشيرا إلى أن هذه المنصات الكبرى غزت الحياة اليومية للنا، في(Silicon Valley)  وهي منطقة صناعية كبيرة في جنوب سان فرانسيسكو، حيث  قامت بإنشاء شركات صغيرة مع ما يعرف بـ”NATU” وهي شركات أمريكية شابة تحقق معدلات نمو مرتفعة، وتعمل لفائدة عمالقة الويب كـ Netflix وAirbnb  وTesla وUber، وهي شركات تنافس الدول في مجال تنظيم الأنترنيت والاقتصاد الرقمي.

وأكد محمد بنموسى، على أن هناك تحدي راهن يكمن في إضفاء الطابع الديمقراطي على هذه الأنماط من التنظيم التي تطرح في سياق موازن قوى، حيث أصبح عمالقة الويب  GAFAM أقوى من الدول، ذلك أن بعض هذه الدول تفضل أن تكون لها دبلوماسية اتجاه هذه المنصات مثل ما هو الحال بالنسبة للدنمارك، وذلك من أجل التأثير عليها، مشيرا إلى أن الاتحاد الأوروبي، يحاول، في هذا الاتجاه، تكييف أنظمته الخاصة.

وأوضح رئيس منتدى اقتصاديي حزب التقدم والاشتراكية، أن مشكلة السيادة الرقمية تطرح بالنسبة للمغرب، الذي يسعى إلى بلورة استراتجية في هذا المجال، من أجل ضمان استقلاليته واحترام قوانينه الوطنية، مشيرا إلى أن هناك أيضا، مشاكل أخرى ذات طابع ضريبي، تطرح بالنسبة للدول منها المغرب، في سياق تطور العملات المشفرة التي تسمى بـ”البيتكوين”.    

من جانبه، أكد الطيب الدباغ، على أن مسألة السيادة الرقمية الوطنية، تحظى في الظرف الراهن، بأهمية كبيرة، بالنسبة للدول المعنية بالتحكم في مواردها وبياناتها الرقمية، مشيرا في هذا السياق إلى ما حدث مؤخرا في مالي، حيث قامت إحدى الشركات الفرنسية التي أنشأت قاعدة بيانات سكانية، ولما لم تحصل على مستحقاتها، بعد الانقلاب الذي حدث في مالي، قامت بإغلاق النظام بكامله.

وأضاف الطيب الدباغ، أن الإشكال نفسه، يطرح بالنسبة للدول الإفريقية التي تعتمد على الكابلات البحرية، فبمجرد ما تتعطل هذه الكابلات، حتى تجد نفسها أمام أزمة انقطاع الانترنيت، مشيرا إلى أن ذلك ما حصل بالفعل، عندما أدى عطل كبير في الكابلات البحرية للألياف البصرية، إلى إدخال غرب إفريقيا بكاملها، في أزمة إنترنيت غير مسبوقة، فقط شركة اتصالات ” MoovAfrica” وهي أحدى الشركات التابع لشركة اتصالات المغرب، هي التي تمكنت من الحفاظ على الربط بالإنترنيت بفضل شبكة اتصالات المغرب.

وقال الخبير في مجال التحول الرقمي “إن المغرب يتوفر، بالفعل على كابل بحري، يبلغ طوله، 9400 كيلومتر، يربط المغرب بالغابون، بالإضافة إلى ألياف بصرية عبر كابل أرضي يربط المغرب بالنيجر بطول 5700 كيلومتر”، مشيرا إلى أن أهمية الموضوع دفعت الحكومة الفرنسية الجديدة إلى تعيين وزيرين مسؤولين عن القطاع الرقمي.     

ويرى الطيب الدباغ، أن التحدي الذي يطرح اليوم، هو قدرة الدولة على التحكم في بياناتها، وفي بنيتها التحتية وفي تكنولوجياتها، وضمان استقلالياتها في علاقتها مع عمالقة الويب GAFAMs، موضحا أن هذه السيادة تقوم على خمسة ركائز أساسية، وهي: الأنظمة والإطار القانوني، (وهما ضروريان، بحسبه، لحماية السيادة)، ثم البنية التحتية الرقمية من أجل ضمان استقلالية البلد في هذا المجال، بالإضافة إلى التوفر على البرامج المعلوماتية، والمنصات الرقمية ثم الموارد البشرية المؤهلة.

وبخصوص الإطار القانوني، أكد الطيب الدباغ، على أن المشرع مطالب ليلعب دورا رئيسيا من خلال إقرار القوانين والمراسيم الضرورية لحماية البيانات والمعطيات الحساسة، ومراقبة الممارسات الرقمية، وذلك بالاستعانة بالخبراء، على غرار  القانون 09 -08 والقانون 05 – 20 الذي قال إنه ساهم في وضع هندسته، مشيرا إلى أن التحدي الرئيسي الذي يواجه المشرع، هو ملائمة أنظمته الوطنية، بشكل مستمر مع التطورات التكنولوجية، وتطوير البنى التحتية الرقمية باعتبارها ركيزة أساسية، لضمان الاستقلالية التكنولوجية للبلاد مما يسمح لها بالتحكم في مراكز البيانات والشبكات الرقمية.

وتبقى التكاليف المرتفعة المرتبطة بهذا المجال، هي التحدي الذي يتعين مواجهته، يضيف الدباغ، من أجل التوفر على الإمكانيات المطلوبة لإقامة شراكات في المجال بهدف تقليص التبعية الدولية بالنسبة للبلاد، مبرزا أن تعزيز أمن وصمود أي بلد في هذا المجال يتطلب منها تطوير اتصالات مزودة  بشبكات وطنية هامة، قادرة على تأمين التبادلات وضمان استمرارية الاتصالات، كما فعل المغرب الذي يتوفر على  5700 كيلومتر من الألياف البصرية مع النيجر وعلى كابل بحري يربطه بغرب أفريقيا بطول يصل إلى 9400 كيلومتر.

وأوضح الطبيب الدباغ أن مثل هذه المشاريع، تهدف إلى تحسين القدرة على الصمود في مواجهة الهجمات السيبرانية والأزمات التي من المحتمل أن تنشأ في أي وقت، لكنه أكد على ضرورة الحديث عن السيادة الرقمية بالنسبة للبلدان الإفريقية، من أجل توحيد جهود المغرب مع دول القارة السمراء، حتى تصبح قادرة  على مواجهة عمالقة الويب، من خلال تجهيز أنفسهم بقمر صناعي أفريقي، موضحا إلى أن المغرب لا يستطيع أن يقف بمفرده في مواجهة هذه المنصات العملاقة مثل “نيفليكس” أو “تيسلا” على سبيل المثال.

في المقابل أكد الطيب الدباغ أن المغرب على الرغم من ذلك قادر على تطوير البرمجيات والمنصات الرقمية، مشيرا إلى أنه يمتلك بالفعل الموارد البشرية اللازمة للشروع في هذا المسار لتقليل تبعيته الدولية ومنع أي شخص من الاستيلاء على بياناته ومعلوماته الحساسة، مبرزا أن ذلك يتطلب استثمارات ضخمة وتعاونا مع الشركات الناشئة المحلية.

محمد حجيوي

Top