تجارب جمعها شغف القراءة وشغف الكتابة

 كيف يصير القراء عاشقين للكتاب؟ هل تغير القراءة مسار حياتهم و سمة وجودهم وهوياتهم؟ كيف تنتقل القراءة من كم هائل من الأفكار والتمثلات والخيالات والصور إلى قيم حياتية، إلى تفاصيل ونمط عيش وسلوك يومي؟
 للإجابة عن هاته التساؤلات صدر المؤلف الجماعي «شغف القراءة» الذي يقع في 147 صفحة، عن دار النشر ملتقى الطرق بتنسيق مع شبكة القراءة بالمغرب، حيث تحدث فيه 11 قارئا عن رحلتهم مع الكتاب، والسفر في عوالم القراءة، وما تتيحه لهم من إِغناء للرصيد الثقافي و اللغوي و المعرفي.
 اختلاف هؤلاء القراء/الكتاب من حيث العمر والجنس والمستوى المعرفي/المهني، لم يحل دون توحدهم حول عشق واحد: عشق الكتاب. وهذا خير دليل على أن فعل القراءة ليس مرتبطا بفئة دون غيرها، بل هو حق/حلم مشروع لكل الفئات والمستويات.
رشيدة رقي، منسقة هذه المجموعة، كتبت في تقديمها للكتاب، أن التفكير في هذا العمل الجماعي جاء محاكاة لتجارب بعض الكتاب الذين تفاعلوا مع قضية القراءة، ككتاب «تاريخ القراءة» لألبرتو مانغويل، وهنري ميلر، ومنى أوزوف وآخرين.. حين تصير القراءة موضوعا للكتابة، عن طقوسها ومتعتها، وهذا ما جعل هاته المجموعة وهي التي تضم تلميذتين في الثانوي، وطالبا في شعبة الفيزياء، وطالبة في شعبة الفلسفة، وأستاذة جامعية في شعبة البيولوجيا، وأستاذا متقاعدا في مادة الفلسفة، وأستاذ رياضيات في الثانوي، وإعلاميا، وموظفة في شركة، ومهندسا في الصناعة، وشاعرة من فلسطين، أن تخوض غمار هاته التجربة لتكشف شغفها لباقي القراء.
 وتضيف رشيدة رقي في ختام تقديمها: «نتمنى أن تنال هذه الشهادات اهتمام القراء وخصوصا الشباب منهم وأن تساهم في تحبيب فعل القراءة لديهم في انخراطهم الواسع في التحسيس بأهميتها من أجل أن تصبح سلوكا يوميا في حياة الناس وعاملا قويا في بناء المواطنة الحقيقية ودافعا أساسيا للترقي الإنساني».
 شغف القراءة لم يكن وحده ما يربط هاته المجموعة ببعضها البعض، بل إيمانهم العميق بقضية القراءة مجالا لتنشئة اجتماعية سليمة لمواطن اليوم، حيث التسلح بالمعرفة، وقد ساهموا في ذلك من خلال الأنشطة التي تنظمها شبكة القراءة بالمغرب، التي اتخذت من القراءة والكتاب مجالا للاشتغال وتنمية السلوك الحضاري، في سبيل جعلها سلوكا يوميا في عالم التكنولوجيا و الماديات.
 هذا الكتاب يعد بمثابة دليل مرجعي ثقافي، يمكن لأي قارئ باحث عن المتعة والاستفادة أن يستعين به في تحديد لائحة مقروئيته، حيث يضم بين صفحاته أكثر من 160 عنوانا تتوزع بين الفلسفة والدين والنقد والأدب الفرنسي والانجليزي والروسي والعربي..
وقد توالت شهادات القراء/الكتّاب التي نذكر بعضا منها:
‹› تجربتي في القراءة وعشقي للكتاب: من الشعر حتى الرواية ‹›  حيث تحكي الشاعرة الفلسطينية هيام مصطفى قبلان، عن شغفها بالقراءة، الذي بدأ بجبران خليل جبران والأجنحة المتكسرة، وعن الطبيعة كمحفز لمجال التأمل والقراءة والإبداع، وطرائفها مع الغربة والبعد عن الأهل، متسلحة في ذلك بحب الكتب ونقل عدواها إلى أطفالها التلاميذ فيما بعد، لتنتقل من مرتبة قارئة إلى مرتبة كاتبة، حيث لها العديد من الأعمال الشعرية والروائية.
«الكتب وطني» لتوفيق محسن، الطالب في شعبة الفيزياء، يحكي عن مدن العالم التي زارها، الأزقة والحارات التي تجول بين دروبها، عبر أعمال لكتاب عديدين أمثال نجيب محفوظ والمنفوطي وآخرين ..ثم ينتقل إلى الكتاب المغاربة، حيث يذكر محمد شكري وخبزه الحافي، وطرائفه مع الكتاب وحمله بالمدرسة حيث يقول : «ارتبطت بالكتاب إلى حد جعلني مرارا في موضع العدو. فليس من حق تلميذ أن يحمل كتابا ويتباهى بحمله إلا أن يكون مجنونا أو معتوها أو مهبولا أو عبقريا..».
«حياتي التي اخترتها» لليلى كانوني، الطالبة في شعبة الفلسفة، المهووسة بكتب علم الاجتماع والفلسفة، تحكي عن عدوى القراءة التي نقلها إليها أخوها، ولعها ذاك دفعها إلى اختيار شعبة الفلسفة في دراستها الجامعية، لتبدأ شغفا من نوع آخر حيث تعرفت عن قرب على كتاب ومفكرين مغاربة، بعدما كانت قد تعرفت عليهم بين صفحات كتبهم .
 ولأن التعدد اللغوي يخدم التنوع الثقافي، فقد كانت هناك نصوص باللغة الفرنسية، وهي على التوالي: «حكاية ليست كغيرها» لمهندس اللوجيستيك، محمد أنور صديق، و «حين يصبح فعل القراءة عادة ثانية» لهاجر هابي مسؤولة الموارد البشرية في شركة، ثم «القراءة هي هروب من نظام معين» لسكينة لبيب، تلميذة بالمستوى الثانوي. وهي نصوص اختار كتابها أن يستعرضوا مقروئيتهم من الكتب بلغة الضاد، حيث عوالمهم المتخيلة، بالرغم من تعدد مشاربـهم وميولاتهم العلمية.
هي تجارب جمعها شغف القراءة، شغف الكتابة.

 بقلم: أيوب مليجي

Related posts

Top