“هذه القراءة هي مصاحبة النديم، لا تتخندق فيما اعتاد دكاترة وأطباء النصوص تجريبه من نظريات ومناهج نقدية على جسد قصيدة عادة ما تصبح مضرجة بالدماء بعد كل عملية جراحية وقد تفقد بهجتها وروحها، وأعتقد أن الشعر الجيد لا يحفل بمراثي النقاد ولا بمدائحهم، يطردهم بعيدا كي لا يحولوا ورد الحياة في القصيدة إلى موائد للفجيعة والموت، لذا أعلن منذ البدء أنها مجرد مصاحبة لشاعر تعلم كيف ينغمس عميقا في متاهات الروح ويخرج غانما من العتمة، مضاء بسر داخلي يتفجر عبر لغة شفيفة”..
بهذه اللغة الأنيقة التي لا تفارق شعريتها، حتى وهي تعالج بالنقد والتحليل نصوصا أدبية مغربية وعربية، وقضايا إشكالية في الإبداع العربي، يداعب الإعلامي والكاتب عبد العزيز كوكاس نصوصا باذخة للكشف عما أسماه “فتنة بذرة الجمال”، كما يحمله عنوان الإصدار الجديد الذي أعلنت عنه منشورات النورس، وهو بذلك يحافظ على انفلاته – بين الفينة والأخرى – من أسر الصحافة التي ابتلعته، ومواصلته الكتابة في مجال تخصصه الأول.. عشق الأدب.
في تمهيده لكتابه، يقول كوكاس: “يفرق بارث بين نظامين للقراءة: قراءة تذهب رأسا إلى مفاصل النص آخذة في اعتبارها امتداد النص الخطي وهي بهذا تجهل ألاعيب اللغة، وقراءة ثانية تهتم بالرغبة، وتتميز عن النقد.. أن نمر من القراءة إلى النقد يعني أن نغير رغبتنا وأن نرغب لا العمل المؤلف بل لغتنا الخاصة كما يؤكد صاحب “لذة النص”، بهذا المعنى أتغيّى من هذه القراءة مصاحبة نصوص سكنتني وسكنتها، كما يحيل العنوان الفرعي للكتاب “محاولات في مداعبة النص”، أي الكشف عن فتنة بذرة جمال النص”..
ويتراوح المتن النصي الذي اعتمده المؤلف بين جنس الشعر، مثل دراسته المعنونة بـ “البستان” لعبد الكريم الطبال: حين يدمر الشاعر نموذجه الخاص”، و”شعرية العتبات في ديوان “سلطان لحروف” لعبد الرحيم لقلع، و”أرق الملائكة” لعائشة البصري: المرأة التي تملك من الضجر ما تؤرق به الملائكة، و”الأبعاد الشعرية في ديوان “نديم الطير” لمصطفى ادزيري: فتنة العتبات، صوفية المعنى وتعدد الدلالة”… وجنس السرد كما في مقاله المعنون بـ “بستان السيدة” لعبد القادر الشاوي، رواية زئبقية مسكونة بالحلم والرؤيا كتابات محمد شويكة: التجريب كرؤيا والمسخ ككينونة، “الكراطيط” نموذجا، و”المصطفى غزلاني: الكائن المتعدد الأبعاد”، و”الشاهد والشهادة في مذكرات “أيام زمان” للصديق معنينو”، بالإضافة إلى مقالات سبق أن أثار بعضها جدلا أدبيا بين المبدع عبد العزيز كوكاس والشاعرة الكويتية سعاد الصباح، أقصد دراسته الموسومة بـ “الكتابة النسائية والإخصاء الذكوري: وراء ميلاد كل إبداع أنثوي عظيم يوجد حمض نووي للرجل”، أو “المحكي الشعري”: تجنيس مشع ينقذ نصوصا تائهة خارج الحدود المألوفة”، و”بنية المحكي الشعري وتجلياته في نص “الأجنحة المتكسرة” لجبران خليل جبران.
كتاب عبد العزيز كوكاس “فتنة بذرة جمال النص.. محاولات في مداعبة النص” يقع في 129 صفحة من الحجم المتوسط، صدر عن دار النشر “النورس” ونزل هذا الأسبوع إلى الأكشاك.