أكد يوسف بيزيد عضو فريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواي أن النهوض بأوراش البنيات التحتية يقتضي من الحكومة معالجة قضايا أساسية، منها على سبيل المثال لا الحصر، عنصر التمويل الذي يستلزم الابتكار والاجتهاد، وإجراء الإصلاح الجبائي الضروري، ومكافحة التهرب الضريبي، وتفعيل دور صندوق محمد السادس للاستثمار، وإصلاح منظومة الشراكة بين القطاعين العمومي والخصوصي، وإعمال الحكامة في تدبير صناديق الحسابات الخصوصية المخصَّصة لتعزيز البنيات التحتية، وذلك بعيدا عن الحلول السهلة المتمثلة في تفويت المنشآت العمومية، أو اللجوء إلى الاقتراض المفرط.
فيما يلي النص الكامل للمداخلة:
السيد رئيس مجلس النواب، السيدات والسادة النواب والوزراء؛
السيد رئيس الحكومة المحترم؛
لا شك في أن موضوعَ اليوم يكتسي أهمية بالغة، حيث أنَّ البِنيات التحتية لها ارتباطٌ بالتنافسية الاقتصادية وأوضاع المقاولة؛ وبجذب الاستثمار؛ وبالتشغيل؛ وبولوج المواطنات والمواطنين إلى الخدمات الأساسية؛ وبالعدالة المجالية.
وننطلق، في فريق التقدم والاشتراكية، لمقاربة هذا الموضوع الرقابي من اعتبارِنَا أنَّ الإنسانَ هو الذي ينبغي أن يكون محوراً للتنمية، وليس مُراكَـــمَة الأرباح.
منذ الاستقلال، اهتمت بلادُنا بتشييد بنياتٍ تحتية وَطَّدت سيادَتنا في شتَّى المجالات. وفي 25 سنة من حُكم جلالة الملك محمد السادس تَــــعَزَّزَ ذلك كثيراً، بإسهامٍ تَراكُمِـــــيٍّ لكافة الحكومات المتعاقبة، بما حَوَّلَ جذرياًّ وَجْـــهَ بلادِنا نحو الأفضل، وجعلَها قِبلةً استثماريةً وسياحية تنافسيةً عالمية، من خلال تكريس مِحْوَرِيَّــةِ الاستثمار العمومي، لإنجاز بنياتٍ تحتيةٍ مُهيكِلة، في شكل موانئ رائدة عالميا، ومطاراتٍ حديثة، وسدودٍ، وطُرقٍ عادية وسَيَّارة، وسككٍ حديدية، وقطارات فائقة السرعة، ومناطق صناعية، وبنيات سياحية، وذلك إلى جانبِ إنجازاتٍ رائدةٍ في ميدانِ الطاقات المتجددة؛ وتَوَطُّنِ مجموعاتٍ عالمية كبرى في قطاعات السيارات والطيران.
واليوم، يبدو تنظيمُ بلادِنا لكأس العالم 2030 فرصةً مُواتية ليس فقط لإعطاءِ دفعةٍ قوية لبنياتنا التحتية، بل أيضاً لكافة أبعادِ مسارنا التنموي والديموقراطي.
وهو ما يستلزمُ من الحكومةِ وضْعَ أوراشِ البناءِ الضخمة المرتبطة بالتحضير لاحتضان هذا الحدثِ الرياضي الكَوْني ضمن سيرورةٍ أشمَل للإقلاع الاقتصادي، ولتطوير النسيج المقاولاتي والقدرات الاستثمارية، وللاهتمام الفِعلي بالإنسان المغربي وأوضاعه الاجتماعية، خاصَّةً في التعليم والصحة والتشغيل وضمان وُلُوجِهِ العادل إلى الخدمات الأساسية الجيدة في المرفق العمومي؛ وتحرير طاقات المجتمع، من خلال توسيع فضاء ممارسة الحريات وحقوق الإنسان والديموقراطية، كما أوصى بذلك النموذجُ التنموي الجديد الذي وضَعَتْهُ هذه الحكومةُ فوق الرفوف.
فتنظيمُ كأسِ العالَم يجبُ أن يُشكِّلَ نقطةَ انعطافٍ إيجابية في مسارنا التنموي، للمُضِيِّ قُدُماً، إلى جانب تأهيل الملاعب الكبرى، في:
-جعل المغرب نقطة الربط الاستراتيجية بين أوروبا وأفريقيا، عبر تسريع مشروع الربط القاري بين المغرب وإسبانيا؛ وكذا تفعيل المبادرات الملكية الرائدة في اتجاه قارتنا الأفريقية؛
– مواصلة إنجاز المشاريع المهيكِلَة للنموذج التنموي لأقاليمنا الجنوبية؛
-تحقيق الطفرة المرجوَّة في النقل السككي، وتمديد خطوط القطار فائق السرعة؛
-توسيع الرصيد الطُّرُقي الوطني وصيانته؛ ومعالجة اختلالات النقل الطرقي؛ والارتقاء بالرصيد المينائي؛ ومعالجة نقائص النقل البحري، وإنشاء أسطول بحري تجاري وطني؛
-تأهيل المطارات وتوسيعها وتحديث خدماتها، والارتقاء بالنقل الجوي؛
-الرفع من وتيرة إنجاز التحوُّل الطاقي لبلادنا، وإنجاز المشاريع اللازمة لضمان السيادة المائية والطاقية والصحية، وفق مقاربة الاستدامة الإيكولوجية والحفاظ على الموارد الطبيعية؛
-تأهيل وتطوير البنيات السياحية؛ وتوسيع وتقوية شبكة الاتصالات؛ وتقوية وتحديث العرض الصحي وأساسا تأهيل المستشفى العمومي.
السيد رئيس الحكومة؛
فيما تبقى من عُمْرِ حكومتِكُم، يتعين عليكم أن تُساهموا في جعلِ أوراش البنية التحتية أداةً لتحسينِ صورة المغرب في أعيُنِ العالَم. لكن أيضاً جعلِ هذه البنيات التحتية في نافِعَةً لكل المغاربة، على قَدَمِ المساواة، ما بعد 2030.
كما أنه عليكم، السيد رئيس الحكومة المحترم، تَحَمُّل مسؤولياتكم في ألَّا تكونَ أوراشُ البنيات التحتية سبباً في تعميق الهُوَّةِ بين مناطق بلادنا.
لذلك، مثلما ستبرمجون مشاريع ضخمة في المدن المحتضنة للمنافسة الكروية، عليكم التفكير أيضاً، في كلِّ الجهات والمدن والأقاليم الأخرى، كالجديدة، والداخلة، والسمارة، وتنغير، وكلميم، وطاطا، وطانطان، وزاكورة، وفكيك، وبولمان، وتاونات، وتازة، والناظور، وجرادة، وأزيلال، وبني ملال، وإنزكان آيت ملول، وآسا الزاك، وشتوكة آيت باها، وسيدي إفني، وتزنيت، وتارودانت، وكرسيف، والراشيدية، وورززات، وخنيفرة، وميدلت، والفقيه بن صالح، والصويرة، وقلعة السراغنة، والحاجب، وصفرو، وكل الأقاليم الأخرى التي بَعضُها عَرَّى زلزالُ الحوز والفيضاناتُ الأخيرة على هشاشةٍ مهولة في بنياتها التحتية.
لذلك، فالرهانُ هو مدى قُــــدْرةِ حكومتكم على إنجازِ ما يلزمُ من تجهيزاتٍ، لضمان استفادة كل المناطق المعزولة والنائية، والقرى، وضواحي المُدن، ولتقليص التفاوتات المجالية الصارخة. حيث لم يَعُد مقبولاً أنْ يستمرَّ تَرَكُّــــــــــزُ 60% من الثروة الوطنية في ثلاث جهاتٍ فقط. أو أنَّ أقاليم أو جهات بأكملها لا تتوفر على طريقٍ سيار، أو على سكة حديدية، أو على مطار؛ كما لم يَعُد مقبولاً أن تظل جماعاتٌ ودواوير من دون شبكة اتصالات أو من دون مسالك لِفَكِّ العزلة.
السيد رئيس الحكومة؛
ونحنُ بصدد الحديث عن الأثر الاقتصادي والاجتماعي لمشاريع البنيات التحتية، نتطلع إلى أن تعملَ حكومتُكم على تجاوز أوضاعٍ نَخشى تُصِرُّون على تجاهُلِها، ولا سيما: تسجيلُ حكومتكم لمعدلاتِ نُمّوٍّ اقتصادي ضعيف (ما بين 1 و3%) بسبب ضُعف الاعتماد على تصنيعٍ حديث؛ وتفاقُم البطالة بسبب ضُعف جذب الاستثمارات (حواليْ 36% في أوساط الشباب؛ وقَفَزَ عددُ شباب NEET إلى 4.3 مليون شابًّا)؛ والتراجُع الخطير للقدرة الشرائية للمغاربة (82% من الأسر)؛ والفشل في تعميم التغطية الصحية (8.5 مليون مغربي لا يستفيدون منها)؛ وازدياد الفقر ( 4 ملايين أسرة أيْ حواليْ 15.6 مليون مغربي يعيشون على إعانات الدعم الاجتماعي المباشر)؛ عِـــلاوةً على المخاطر التي صارت تهدِّدُ المرفق العمومي في الصحة والتعليم وخدماتِ الماء والكهرباء وتطهير السائل :
وذلك ما يتطلبُ الاعتمادَ على دورٍ استراتيجي للدولة المنمية، وعلى قطاع عمومي ناجع بحكامة جيدة؛ وبلورةِ مخططٍ اقتصاديٍّ يُكَرِّسُ الاستثمار العمومي الفعال، مع معالجة اختلالاته.
لكن كلُّ ذلك، يجب أن يكونَ مرفوقاً بإسهامٍ أساسي لقطاعٍ خصوصي قوي ومُنتِج ومسؤول وتنافُسي، ويَثِقُ في مُناخٍ سليمٍ للأعمال. حيثُ لا نتصورُ تحقيقُ ذاك النجاح المنتظر في تشييد البنيات التحتية دون انخراطٍ وَازِن للمقاولة المغربية.
وهذا ما يدفعنا إلى أن نطرح معكم، السيد رئيس الحكومة المحترم، عجزَ حكومتِكُم عن تحقيق التقدُّم المعلن لجعل الاستثمار الخصوصي يُشكِّــــلُ ثُلُثَيْ الاستثمار الوطني. ولنطرحَ معكم أيضاً إفلاسَ الآلافِ من المقاولات في عهد حكومتكم؛ ولِنسائلَكم حول الفشلِ في تنقية مناخ الأعمال، إذ تراجعت بلادُنا في مؤشر إدراك الفساد وفي مؤشرِ الحرية الاقتصادية، وذلك إلى جانبِ تنامي اختلالات تدبير عدد من البرامج والمشاريع العمومية، وارتفاع قضايا الفساد في الفضاءات الاقتصادية والسياسية والمالية، بشهادةِ تقارير رسمية وطنية، بما يتطلبُ تنقية الفضاء العمومي إجمالاً، ومنه الفضاء السياسي والانتخابي والمؤسساتي، من استعمال المال والفساد والإفساد، حِمايةً لمسارنا التنموي والديموقراطي من انحرافاتٍ لا شكَّ في أنَّ تداعياتِها خطيرة على مجتمعنا.
والواقع أنه لا يمكن لأوراش البنيات التحتية أن تكونَ رافعةً حقيقية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، إلا إذا عملت الحكومة على تعزيز دولة القانون في المجال الاقتصادي، وعلى محاربة الفساد الذي من مظاهره الفاضحة “تضارُبُ المصالح”.
في هذا السياق، نُذَكِّرُكُم بأننا أعربنا في حينِهِ عن تخوُّفِنا من أن تجعلَ هذه الحكومة ميثاقَ الاستثمار الجديد وأنظمة الدعم منبعاً جديداً للريع والفساد.
وها هو الرأي العام، اليوم، يتساءلُ حول سببِ كلِّ هذا التأخر في إخراج نظام دعم المقاولات الصغرى والمتوسطة، في مقابل الإصدار السريع لنظام دعم المشاريع التي تصنفونها استراتيجية.
كما يتساءلُ الرأي العام، وعليكم، السيد رئيس الحكومة، تَحمُّلُ المسؤولية السياسية في تقديم الجواب الدقيق، حول حيثيات نَيْلِ شركةٍ لديكُم ارتباطٌ بها لصفقةِ تحلية المياه بالدار البيضاء، قبل أن يحظى مؤخراً هذا المشروعُ في اللجنة الوطنية للاستثمارات التي ترأسونها بنيل صفة “المشروع ذي الطابع الاستراتيجي”، حتى يستفيد من نظام الدعم الخاص المطبق على هذا النوع من المشاريع، لتقوم نفسُ اللجنة التي ترأسونها بالتفاوض لإبرام اتفاقية تتضمن تقديمَ دعمٍ وامتيازاتٍ عمومية لهذا المشروع، امتيازات يجهلُ الرأيُ العامُّ تفاصيلَها.
ومن المُرَجَّح أنَّ لديكم من الحجج الـــمسطرية ما سيبرر هذه الواقعة، التي تنضافُ إلى العديد من أمثالها، طالما أنكم تمارسون السلطة التنظيمية. لكن في جميع الأحوال فإنَّ الأمر ينطوي على مَـــحَـــاذِير أخلاقية وسياسية واضحة يجب أن تأخذوها بعين الاعتبار.
وفي الختام، فإن النهوض بأوراش البنيات التحتية، لكي تلعب أدوارها الاقتصادية والاجتماعية، يَقتضي من الحكومة معالجة قضايا أساسية لا يتسع المجال هنا للتفصيل فيها. ونكتفي بإثارة عنصر التمويل الذي يستلزم منكم الابتكار والاجتهاد، وإجراء الإصلاح الجبائي الضروري، ومكافحة التهرب الضريبي، وتفعيل دور صندوق محمد السادس للاستثمار، وإصلاح منظومة الشراكة بين القطاعين العمومي والخصوصي، وإعمال الحكامة في تدبير صناديق الحسابات الخصوصية المخصَّصة لتعزيز البنيات التحتية، وذلك بعيداً عن الحلول السهلة المتمثلة في تفويت المنشآت العمومية، أو اللجوء إلى الاقتراض المفرط.
إنها رهانات كبيرة، فلنكن جميعا في الموعد، لأن المغرب والمغاربة أهل للتحدي…. وقادرون عليه.
شكراً لكم.