منافسات كأس العرب التي أقيمت بالدوحة ليست فقط نتائج وترتيب وفائز باللقب، بالرغم من أهمية ذلك ومنطقيته في التحليل والتقييم، ولكن هناك أيضا نجاح دولة قطر في تنظيم هذه التظاهرة الكروية في ظروف صحية ووبائية تبعث على الخوف في العالم كله، وعلى هذا المستوى تستحق قطر التهنئة والتنويه.
لقد تابع الجمهور العربي وغير العربي حفل افتتاح مبهر ومتميز لكأس العرب بالعاصمة الدوحة، وانبهر المتابعون أيضا بالجودة العالية جدا للملاعب والمدرجات، ومستوى النقل التلفزيوني، ومختلف الخدمات الأخرى ذات الصلة، وكل هذا جعل العالم يصفق للتنظيم القطري المتقن.
واكتملت شروط الفرجة كذلك بحضور جماهيري متميز، وبطرق تشجيعية لم تشهد أي انحرافات أو تجاوزات كبيرة، كما أن عددا من المنتخبات المشاركة قدمت عروضا محترمة داخل رقعة الملعب، وكل هذا جعل كبير الفيفا يقر بقدرة بعض البلدان العربية على تنظيم كأس العالم.
وبهذا النجاح التنظيمي والتدبيري، فازت قطر في تمرين إعدادي مهم قبل سنة واحدة فقط من احتضانها لكأس العالم، وكشفت أنها تستطيع ربح هذا الرهان أيضا.
من المؤكد أن نجاح قطر يعود لتوفر موارد مالية مهمة أتاحت لها إنجاز البنيات التحتية اللازمة، ومكنتها كذلك من إعداد منظومات متكاملة وكفاءات بشرية في مختلف جوانب التدبير والتنفيذ لتظاهرة رياضية من هذا الحجم، ولكن الاكتفاء بهذا المعطى يجعل التحليل قاصرا، ذلك أن التخطيط الجيد والذكي، والاستعانة بالخبرات المتخصصة، واعتماد الحزم والدقة والطموح، كل هذا هو ما جعل الميزانيات والأموال تحقق النتائج المبتغاة، وبدون ذلك ما كان للمال وحده أن يحقق النجاح المبهر الذي شهد به المحفل الكروي العالمي لصالح قطر.
نعرف أن سجالات المختصين وغير المختصين تلوك هذه الأيام كثير أشياء على صلة بالتظاهرة التي استضافتها قطر، وما إذا كانت تسميتها مشروعة أم لا، وتلمح أيضا إلى انعكاس مثل هذه المحافل الكروية الكبرى على واقع ممارسة كرة القدم محليا، وإقبال الأطفال والشباب على ممارسة الرياضة، وتقوية البطولات المحلية، ولكن، بغض النظر عن كل هذا البوليميك، لا أحد ينكر أن قطر حققت الفوز فعلا بجدارة التنظيم والتنفيذ، وكان لهذه الكأس أن تكون قارية أو دولية أو غير ذلك.
ويمكن لهذا التألق القطري الواضح أن ينعكس لاحقا على تطلع بلدان خليجية أخرى، أو دول عربية، إما لوحدها أو بشكل مشترك، قصد استضافة تظاهرات رياضية عالمية أو قارية أخرى، ومن ثم تطوير مكانتها ضمن الجغرافية الرياضية الكونية، وأيضا الاعتماد على هذا النجاح والصيت العالميين لبلورة أشكال وآليات تعاون رياضي إقليمي وعربي لتعزيز متانة الممارسة الكروية والرياضية العربية، وتقوية جاذبية البطولات المحلية، وبذلك تحويل الرياضة، وخصوصا كرة القدم، إلى صناعة حقيقية، وإلى مجال للعمل العربي المشترك، ولتبادل الخبرات والتجارب والممارسات بين الدول والمجتمعات.
برافو دولة قطر…
محتات الرقاص