البديهيات والمبدأ والحق

أحداث ووقائع الحرب في غزة لا زالت مستمرة أمام الأنظار ويتابع الناس عبر العالم ما تنقله وسائل الإعلام والمنصات الاجتماعية من صور البشاعة والمأساة، ولذلك من الصعب اليوم توقع التداعيات والنتائج والآثار.

لكن المؤكد أن الحرب تجرنا إلى العودة إلى البديهيات والتذكير بها والتأكيد على محوريتها.

يعني الأمر أولا أننا أمام احتلال دام لما يقارب القرن، وهو استعمار مرفوض وغاشم، وهكذا يجب تسمية الأشياء في المبدأ وفي المعنى وفي الموقف.

ويعني الأمر ثانيا وجود شعب احتلت أرضه وهو يقاوم ويناضل من أجل إخراج الاحتلال عن وطنه ونيل حريته واستقلاله، ومن أجل بناء دولته المستقلة.

وهذه الثنائية البديهية هي جوهر الصراع ولب المشكل، ومنها يجب أن يبدأ البحث عن الحل، ودون ذلك ستبقى الأشياء تدور في المنغلق واللا معنى.

العودة إلى هذه البديهية في توصيف الواقع والتأكيد على أن الأمر أولًا هو احتلال واستعمار، يقود، بديهيا كذلك، إلى التأكيد على حق الشعب الفلسطيني المشروع في مقاومة الاحتلال، ويقترن الحق هنا بالبديهيات المشار إليها ولا ينفصل عنها.

في السنوات الأخيرة تفاقمت خطوات التصعيد والاستفزاز من طرف قوات الاحتلال الإسرائيلي، وتعددت برامج الاستيطان والتهويد والإمعان في تغيير الواقع الديموغرافي الميداني، كما جرى تشجيع المستوطنين والتغطية على اعتداءاتهم وهمجيتهم اليومية.

وسيطرت على الأخبار الواردة من هناك ممارسات المتطرف بن غفير، وتطرف وعنصرية التحالف الحكومي بقيادة نتنياهو، ثم الاقتحامات المتكررة للمسجد الأقصى، وكل هذا كان من الطبيعي أن ينجم عنه تطرف مضاد وتصعيد في الجهة المقابلة، والكثيرون ما فتئوا ينبهون إلى أن هذا المآل وارد وممكن، وحذروا من مخططات اليمين المتطرف الإسرائيلي، لكن العالم بقي متفرجا وبلا أي تدخل فعلي من أجل التهدئة.

صحيح أن الأحداث المأساوية الجارية اليوم في غزة وحواليها لم تكشف بعد عن نهاياتها، وليس واضحا بعد ما هي الآثار التي ستنجم عنها مستقبلا، وهل ستساهم في تغيير موازين القوى الميدانية والإستراتيجية، ولكن المطلوب اليوم هو انبثاق دينامية سياسية انفراجية حقيقية في المنطقة، وهذا ما تتطلع إليه وتسعى إليه كل القوى المحبة للسلام عبر العالم.

لن يكون مقبولا بعد اليوم أن يواصل المجتمع الدولي تجاهل جوهر الصراع وعمق المشكلة، أي القضية الفلسطينية.

يعني الأمر حق شعب في نيل حريته وبناء دولته المستقلة ضمن ما سبق أن أقرته المواثيق والاتفاقات الدولية منذ سنين.

صحيح أن المنتظم الدولي، وأساسا بعض العواصم العالمية الكبرى وقوى إقليمية ذات صلة، ترتبط بملف القضية الفلسطينية على أساس مصالحها الذاتية والاستراتيجية وليس ضمن قواعد المبدأ والحق، ولكن هذه التواطؤات كلها ظهرت اليوم نتائجها على الأرض قتلا ودمارا وسفكا للدماء، ومن ثم يجب البناء على ذلك والبحث عن طريق آخر يقود إلى الحل.

وعلى غرار التطرف السياسي الذي يولد تطرفا مماثلا في الجهة المقابلة، فإن الاحتلال الإسرائيلي في الأصل قام على سردية دينية خرافية ولم يتجاوب دائما مع خطاب سياسي فلسطيني عقلاني وواقعي، ومن ثم ساهم في إنتاج سردية مقابلة تكاد تشبه سرديته، وحدثت المواجهة، كما يجري اليوم على الأرض بالبشاعة التي يتابع وقائعها الجميع.

وفي العودة إلى البديهيات وإلى الحق، فليس ممكنا تحميل المسؤولية إلا لمن يحتل الأرض ويستعمر شعبا، كما أنه لا أحد يستطيع إنكار حق الشعب الفلسطيني في الدفاع عن حريته وأرضه ومقاومة قوات الاحتلال، ومن هنا يجب أن يبدأ البحث عن الحل الحقيقي والدائم.

محتات‭ ‬الرقاص

[email protected]

Top