ويقول الأستاذ مجيد سداتي، المدير الفني للمهرجان، “إن هذا المهرجان، بما له وما عليه، قد نجح طيلة العقود الثلاثة الماضية في ترسيخ ثقافة صورة جديدة مختلفة عن تلك السائدة عادة. ثقافة تسعى إلى مساءلة الموروث الثقافي والفني والاجتماعي من خلال نظرة نقدية وتحليلية وذكية، وذلك من أجل تجديده وإثرائه وتعزيزه بشكل أكبر”.
ويضيف المدير الفني الذي كان يتحدث في ندوة صحفية عقدها مؤخرا فريق المهرجان، “لقد نجحنا أيضا في تسليط الضوء على الاتجاهات الفنية الناشئة، وشجعنا الشباب على تجديد الأفكار والأشكال وابتكار أساليب جديدة تتماشى مع روح العصر. وقد حرص المهرجان أيضا على خلق الجسور بين الثقافات والجماليات، وعلى إلغاء الحدود بين مختلف التعابير الفنية، والدفاع على حرية تنقل الفنانين وأعمالهم، وعلى تبادل المعرفة والخبرة، ونقل التكنولوجيات إلى الأماكن التي تفتقر إليها”.
ويشدد المتحدث أنه “على الرغم من محدودية إمكانياتنا، إلا أننا نجحنا، بفضل الرأسمال البشري الذي تتوفر عليها كليتنا، في جعل فن الفيديو والفنون الرقمية جزءا لا يتجزأ من المشهد الفني المغربي. لقد أصبحت الأروقة الفنية، والمتاحف والمؤسسات الفنية، والمهرجانات، وحتى الشركات الخاصة متحمسة بشكل متزايد لهذه الإبداعات الجديدة. إن انخراط مدينة الدار البيضاء ووزارة الشباب والثقافة والاتصال، وجهة الدار البيضاء ـ سطات في دعم هذا المشروع الطلائعي والرائد، لدليل على أننا كسبنا التحدي”.
وعن برنامج الدورة 29 للمهرجان أوضح الأستاذ سداتي أن “الوجبة غنية ودسمة”: بحيث تم إعداد برنامج مكثف متعدد التخصصات، بمشاركة فنانين مشهورين قادمين من جميع أنحاء العالم، ويشمل إبداعات فيديو ورقمية تعرض لأول مرة بالمغرب، وورشات تكوينية حول تقنيات الصور الجديدة، وماستر كلاس، ومائدة مستديرة حول موضوع “من شريط الفيديو إلى الذكاء الاصطناعي”، بالإضافة إلى أماكن عرض جذابة في كل أنحاء الدار البيضاء.
يشمل البرنامج أيضا أعمالا من فن الفيديو تعود إلى فترة السبعينيات من القرن الماضي، وصولا إلى الأعمال الجديدة التي تم إنجازها بواسطة خوارزميات الذكاء الاصطناعي.
لقد ضمن المهرجان، يقول المتحدث، استمراريته بفضل الروابط القوية التي أقامها مع الفنانين والشركاء، شاكرا جميع الفنانين الذين قدموا من مختلف ربوع العالم للاحتفاء بالذكرى الثلاثين لتأسيس المهرجان، والمشاركة في هذه اللحظات الفنية والإنسانية الجميلة والنبيلة.
*************
الذكاء الاصطناعي والعالم الرقمي وأسئلة المستقبل
< كتبت: أميمة بونخلة
بعد أن كانت محاور وموضوعات الدورات السابقة للمهرجان الدولي لفن الفيديو تروم تحسيس الشباب والطلبة والمهنيين على حد سواء بأهمية فن الفيديو وخصوصياته كفن مستقل وقائم الذات، حيث أصبح اليوم هذا الفن جزء من الحياة اليومية، مع سرعة تطوره المنطلق لاستشراف المستقبل، أصبح هذا الجنس الإبداعي الرقمي والفني يثبث أنه يتنامى ويتطور باضطراد وبسرعة منقطعة النظير، ويثبث أن لا جدوى للحديث عن التطور الرقمي بمنأى عن الذكاء الاصطناعي المتسم بدهشته وعجائبيته وبتمرده على الصفحات والمختبرات البحثية..
عراقة مهرجان بعراقة كلية
دأبت كلية الآداب و العلوم والإنسانية بنمسيك الدار البيضاء منذ قرابة ثلاثين سنة على تنظيم المهرجان الدولي لفن الفيديو. هذا المهرجان الذي شهدت له فعاليات من المعمور بتميزه وتأقله سنة بعد سنة، فمنذ انطلاقه سنة 1993، حرصت كلية الآداب بنمسيك على جعله محفلا سنويا يعنى بموضوع من الموضوعات التي لا تتقادم، بل وتزداد صمودا وهيمنة على الساحة الفنية وهي التكنولوجيا الرقمية وكل ما يدور حولها.
ويتزامن هذا الحدث السنوي، هذا العام، ببلوغ المهرجان عقده الثلاثين، مما يرفع من سقف التحديات التي تعترض كلية عريقة تميزت بإبداعها في اختيار أنشطتها وتفانيها في التنظيم.
وفي هذا الإطار صرح السيد عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك البيضاء الدكتور رشيد الحضري والذي كان شاهدا على ميلاد هذا المهرجان الدولي وفاعلا في استمراريته: “إننا نعتبر المهرجان الدولي لفن الفيديو، مشروعا ثقافيا طلائعيا ضمن السياسة الثقافية لجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، والتي تهدف إلى نشر الثقافة والفن والإبداع المرتبط بالتكنولوجيا الرقمية والعلوم، ودعم وتشجيع الطلبة والفنانين الشباب العاملين في مختلف هذه التخصصات.” كما أكد أن الجهة المنظمة ستبقى حريصة على الوفاء للبعدين الفني والبيداغوجي لهذا المهرجان.
من شريط الفيديو إلى الذكاء الاصطناعي
اختارت الجهة المنظمة هذه السنة “من شريط الفيديو إلى الذكاء الاصطناعي”، ليكون موضوع دورتها الـ 29، التي ستحتضنها كالعادة عاصمة الإبداع الرقمي مدينة الدار البيضاء من 7 إلى 11 نونبر. وحرصا من المنظمين على الانفتاح على مختلف المؤسسات الثقافية، بدء من المؤسسة الحاضنة في مقاطعة مولاي رشيد وشركائها، مرورا بباقي المعاهد والمركبات الثقافية المنتشرة في مختلف زوايا المدينة: محمد زفزاف، المعاريف، المعهد الفرنسي للدار البيضاء، المركز الثقافي الأمريكي، مركز الفنون/ مرسم ومعهد سرفانتيس. ولتفعيل الدورة وتحقيق أهدافها الكبرى تم توجيه الدعوة لفنانين ومختصين من مختلف دول العالم، لتقديم منتوجها ومنجزها الفني (ألمانيا، الأرجنتين، بلجيكا، كندا، السويد، إسبانيا، فرنسا بولونيا، أمريكا، إكواتور، رومانيا، التوغو، السنغال، سوريا، تونس).
وتثمينا للرؤية الفنية للمهرجان، صرح السيد المدير الفني للمهرجان ذ. مجيد سداتي: “أن المهرجان نجح طيلة العقود الثلاثة الماضية في ترسيخ ثقافة صورة جديدة مختلفة عن السائدة، وهي ثقافة تسعى إلى مساءلة الموروث الثقافي والفني والاجتماعي من خلال نظرة نقدية وتحليلية وذكية، وذلك من أجل تجديده وإثرائه وتعزيزه بشكل أكبر”، وأضاف “لقد نجحنا أيضا في تسليط الضوء على الاتجاهات الفنية الناشئة، وشجعنا الشباب على تجديد الأفكار والأشكال، وابتكار أساليب جديدة تتماشى مع روح العصر”، مشيرا كذلك إلى أن “المهرجان يحرص أيضا على خلق جسور التواصل بين الثقافات والجماليات وإلغاء الحدود بين مختلف التعابير الفنية. من خلال انفتاحه على جميع أشكال الإبداع الرقمي، والتي تتمثل في: الفنون الرقمية، الواقع الافتراضي والمعزز، العروض السمعية البصرية، ثم المابينغ والروبوتيك..”
برنامج متنوع يلبي جميع الأذواق
تتنوع فقرات المهرجان بين ورشات تهدف إشراك طلبة الكلية المنظمة وتمكينهم من التواصل مع المشاركين الزائرين، وبين لقاءات تروم الاستفادة من تجارب أشهر الخبراء الدوليين في المجال، كالمائدة المستديرة التي سيحاول ضيوفها الإجابة على الأسئلة الراهنة، والتي تتميز بمشاركة الخبير البلجيكي Todor Todoroff، الحاصل على الجائزة الأولى في التكوين الكهروصوتي من المعهد الملكي لبروكسل (بلجيكا، 1993)، إضافة للكاتب الفرنسي Marc Mercier الذي ساهم في تنظيم عدة مهرجانات دولية.
وقد اختارت اللجنة المنظمة هذه السنة تكريم الفنانة الكنديةManon Labrecque ، التي توفيت في شهر غشت الماضي تاركة خلفها مسارا إبداعيا متميزا توج بالحصول على عدة جوائز, كجائزة Louis-Comtois des artistes en milieu de carrière عام 2013.
وللإشارة فوراء هذا الحدث؛ تخطيطا وتنزيلا، فريق عمل يحرص على بلورة رؤية متكاملة تروم تقديم منتوج فني وإبداعي هادف، يشرف المملكة أولا وكلية الآداب والعلوم الإنسانية -الدار البيضاء ثانيا.
*********
من شريط الفيديو إلى الذكاء الاصطناعي
في إطار برنامج الدورة الـ 29 للمهرجان الدولي لفن الفيديو، الذي تنظمه كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالدار البيضاء في الفترة ما بين 7 و11 نونبر الجاري، ارتأى المنظمون عقد ندوة فكرية تحت عنوان “من شريط الفيديو إلى الذكاء الصطناعي” بمشاركة ثلة من الفنانين والباحثين والمتخصصين في فن الفيديو، ولهذا الغرض أعدت اللجنة المنظمة ورقة عمل فيما يلي نصها:
يحتفي المهرجان الدولي لفن الفيديو بالدار البيضاء هذه السنة بالذكرى الثلاثين لتأسيسه (1993 – 2013). وتعتبر هذه المحطة فرصة لاستعادة تاريخ هذه التظاهرة والوقوف على مراحل تطورها، وذلك لتقييم المكانة التي تحتلها اليوم في المشهد الفني بشكل عام، ومقاربة القضايا والتساؤلات التي تطرحها في مجال الفن المعاصر بشكل خاص.
سيكون مهرجان هذه السنة مناسبة أيضا للاحتفاء بالذكرى الستين لظهور فن الفيديو منذ سنة 1963 في ألمانيا، وذلك خلال معرض فلوكسوس Fluxus الذي عرف مشاركة الفنان الكوري نام جون بايك والفنان الألماني فولف فوستيل. وكما هو الحال مع جميع الابتكارات الفنية، فإن الحصول على الاعتراف ليس نتيجة مضمونة مسبقا، فمنذ بداياته الأولى، كان على هذا الفن المستَحدَث أن يعمل لاكتساب شرعيته وإيجاد موطئ قدم راسخة له بين الفنون الأخرى، وهذا ما كان يعيه جيدا الفنان بيل فيولا الذي ذهب سنة 1974 إلى أنه: “ربما يكون الفيديو هو الشكل الفني الوحيد الذي له تاريخ حتى قبل أن يكون له تاريخ”.
إن الحاجة لبناء تاريخ لهذا الوسيط الحديث، تمليه طبيعته الهشة واللامادية والعابرة، ناهيك عن اعتماده القوي على التكنولوجيا، وحاجته إلى الاعتراف به كمُنجَز فني قائم بذاته.
لقد اختفت بالفعل العديد من أعمال الفيديو التي تم إنتاجها في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، وتدهور البعض منها، في حين، لم يعد من الممكن مشاهدة أعمال أخرى بسبب الاختفاء التام من الأسواق للأجهزة الخاصة لتسجيل وبث الفيديو. ولذلك فإنه كلما تلاشى التاريخ الإلكتروني للفيديو، كلما زادت الحاجة إلى تدوين تاريخه. وهذا فعلا ما استطاع تحقيقه نسبيا هذا الفن، إذ نجح في ترسيخ نفسه كشكل فني مبتكر ومناسب، ترك أثره في تاريخ الفن المعاصر. إن فن الفيديو ليس مجرد شكل من أشكال الفن، بل هو حالة ذهنية وفكرية، وطريقة للوجود في العالم، كما قال مخترعه الكوري نام جون بايك.
تصادم فن الفيديو على مدى العقد الماضي بتقنيات جديدة وذكية، بدأت تغزو عالم الفن. وقد بدا واضحا أن الفن الناتج عن الذكاء الاصطناعي، أصبح وسيلة يستخدمها الفنانون بشكل متزايد، لإنجاز أعمال جديدة واستكشاف مفاهيم مُحْدثة. فهل تطرح أنماط الإنتاج الجديدة هاته، ضرورة إعادة النظر في الوضع الاعتباري للفنان؟ وهل تحول الفنان إلى مهندس بارع؟ هل نشهد ثورة حقيقية في مفهوم الإبداع الفني المثير للحواس وللمواهب؟ لنتحل بالحذر في جوابنا عن هذه الأسئلة، فمثلها كان قد طُرح كذلك عندما ظهر التصوير الفوتوغرافي والسينما؟ إنه بإمكان خوارزميات الذكاء الاصطناعي توليد أفكار جديدة، وإنشاء أشكال فنية خالصة لم يكن من الممكن تصورها من قبل، ولكن هل باستطاعة هذه الآلات الذكية أن تولد شيئا آخر غير استعراض براعتها الجمالية؟ وهل يمكنها مساعدتنا في التفكير في عالم اليوم، أم أنها لا تتعدى تعويدنا على مجرد التعايش معه؟ أليس الفن في المقام الأول، تعبيرًا إنسانيًا معقدًا ومتعددا، يتجاوز مجرد اختراع أشكال جمالية؟ ألا يخاطب الفن قبل كل شيء، العواطف والأحاسيس، والتجارب الشخصية، والسياقات الثقافية، والأفكار الاجتماعية التي تعكس عمق الحالة الإنسانية؟ عندما أنشئ المهرجان الدولي لفن الفيديو، كانت هذه الأسئلة قد طرحت من قبل. لقد اعتقد الناس أن فن الفيديو كان نهاية المغامرة الرائعة للخيال الإنساني المتعلق بالتصوير والنحت والشعر والسينما… ولكن تبين أن جميع هذه الممارسات الفنية، التقليدية والمعاصرة، تتعايش هنا وفي أي مكان آخر.
السؤال الراهن: هل مازال بإمكاننا الحديث عن فن الفيديو اليوم على الرغم من هذا التطور التكنولوجي؟ والإجابة يقدمها لنا مخترعه نام جون بايك: إن القمر هو أول تلفزيون عرفته البشرية. ونظرا للحالة الراهنة للعالم، فمن حقنا أن نتساءل عما إذا كان القمر قادرا على الصمود أمام الأرض.
هذه الأسئلة وغيرها كثير، هو ما سيتم طرحه للنقاش خلال مائدة مستديرة، سيلتئم حولها مجموعة من الفنانين والباحثين المدعوين إلى هذا المهرجان.