في ثاني أيام المهرجان الوطني للمسرح الذي تنظمه وزارة الثقافة بتطوان في دورته 18، قدمت فرقة نادي المرآة من فاس، تحت قيادة الفنان حسن مراني العلوي، مسرحية “ليام آليام”، ويعد المخرج حسن مراني أحد القادمين من تاريخ طويل من الممارسة المسرحية في حركة مسرح الهواة قبل انتقاله للاحتراف، وهي الممارسة التي عركته، وكانت مدرسته، والتي جرب فيها شغبه المسرحي المغامر، منفتحا ومنغلقا، مقتحما في تحد كل سبيل للاستمرار في العطاء.
حسن مراني القادم من امتداد طبيعي للمسرح، يعد، وفرقة نادي المرآة، من علامات التاريخ المسرحي لمدينة فاس، وأكثر مسرحييها الذين اشتغلوا على نصوص الكاتب المغربي الكبير عبد الكريم برشيد.
وقد حاول خلال هذا الاشتغال أن يجد لنفسه نفسه الاحتفالي، وأن يؤمن بأن التجربة المسرحية واحدة من آفاق التجريب المسرحي، وأن المسرحي غير المنصت لزمنه هو الميت بامتياز.
في مسرحية “ليام أليام”، كما في تجربتيه السالفتين، حيث أخرج مسرحية “الساروت” للكاتب المسرحي الحسين الشعبي، ومسرحية “هي والقايد” للكاتب حميد الطالبي، ينكفئ حسن مراني نحو الذاكرة، مسائلا حد النزيف، الماضي الذي يرخي بظلاله على حاضر شخوصه. وهي شخوص مقاومة، تسعى لتحررها الفردي، وتعلي من شأن تميزها في وجودها. محاولة حتى النزع الأخير أن تتنصر على التلاشي والمحو.
ولأن سمو الفكر ونبل الخطاب النهائي للمسرحيات: كما في كل مسرح، لا يحدد قيمة هذا المسرح، ففي النهاية المسرح ليس هو قوله فحسب، بل كيفية القول أيضا. فقد اهتم مراني بشكل المسرح الذي يصنعه ويقترحه على جمهوره.
في مسرحية ليام آليام، ينحاز المخرج إلى عروض يشكل الممثل محور الجذب الأساسي فيها، فلا يهتم كثيرا بسينوغرافية قد تصير عبئا على الممثل وتضمره. من هنا أفترض اختيار العرض أن تحيى الشخوص في مكان، تكون كثلة التمثيل هي الأقوى حضورا وأكثر جذبا للاهتمام، وأن باقي العناصر لا يصير لها من دور في حياة العرض، لأنها تموت في استاتيكيتها، بفعل دينامية الجسد.
فالكتابة البيضاء في الخلفية تفقد قوة الجذب في اللحظات الأولى وتنسحب من تشكيل المعنى مكتفية بأن تكون جزء من مكان. بالطبع تثير أسئلة عند التأمل النقدي، وتحفز القارئ/المشاهد لمساءلة وظائفها الدرامية، لكن المؤكد أنه خلال التلقي لم تلعب أي دور . لا يشكل هذا عيبا في المسرحية، بل هو دال – من وجهة نظري الشخصية – على أن المخرج يهمه أكثر ما هو دينامي ومتحرك وحي..
هذه الثباتية للخلفية تنسحب أيضا على مؤثثات الفضاء المسرحي les dispositives scéniques، والتي هي عبارة عن 3 براتيكابلات/ قطع متفاوتة الارتفاع، بيضاء اللون، موضوعة في خط مستقيم في الخلفية، موضوعة للجلوس أو للوقوف عليها. هي أيضا لم يكن لها من معنى، أكثر من كونها كذلك. ومثلها مثل الدوائر البيضاء التي وضعت بعناية هندسية رائقة، فهي حيز الجغرافيا الممنوح للشخصية. والذي يقترح علينا أن نتقبله كذلك، حتى لا ننشغل بالزوائد والتي قد تصرفنا على جوهر العرض، وعناصره الدينامية.
وهما في تقديري عنصران/علامتان، علامة التمثيل، وعلامة الإضاءة. فهما عاملان أضفت حركتهما حيوية على العرض، وساهما في خلق عالم يصل وضوحه إلى حد الغموض، والظهور إلى حد التخفي. لقد ساهمت الإضاءة في عزل الشخصيات وضمها، جمعها وتشتيتها، مثل الزمن، تماما.
وقد كانت هذه الحركة دائرية، (إضاءة عازلة —-< عامة —-< عزلة) تساير تركيبة متواليات أحكية المسرحية التي تتداور من راهن / لماض / لراهن. سواء بالتالي أو بالتوازي.
بالنسبة للتمثيل، فقد كنا إزاء عالم كوميدي أسود humour noir أو ساخر satirique، شخصيات تقسو في ليونة على نفسها وعلى الآخر، ويصير العالم الخارجي موضوعا للتنذر، والعاهة أيضا موضوعا للسخرية. تمثيل متقارب في تقنياته، بين جميع الممثلين حركة وأصواتا، تحركات وانتقالات. وكما هي الشخصيات تتقارب في شكلها الخارجي، فإنها في أدائها تتقاطع وتتداخل. مما قد يؤشر على أسلبة خاصة اختارها المخرج للدلالة على ذوبان الفوارق بين شخصيات النص … ربما…
كل هذه المظاهر، أعطت عرض “ليام آليام” تميزه وفرادته، وخصوصية مفرداته، نحن في النهاية الواحد المتعدد رغم أننا الأكثر دينامية نحن الحلقة الأضعف في الوجود، وأن الأمكنة هي الأقوى والأبقى. وأن النهايات كل النهايات هي مسألة وقت فقط.
> قدمت هذه الورقة في جلسة مناقشة العرض المسرحي في إطار فعاليات الدورة 18 للمهرجان الوطني للمسرح (تطوان 3 دجنبر 2016)
بقلم: بوسرحان الزيتوني