أزمات العالم الاقتصادية -الحلقة 16 –

تعتبر الأزمات المالية والإقتصادية إحدى أبرز الظواهر الإقتصادية التي يكون لها أثرا عميقا على حركة النشاط الاقتصادي وعلى العلاقات الاقتصادية الدولية.
وتحتاج الأزمات المالية، مدة زمنية قد تكون طويلة جدا، للتعافي من آثارها السلبية، كما أنها تهدد الاستقرار الاقتصادي والسياسي للعلم بشكل عام والدولة المعنية بشكل خاص.وأمست الأزمات المالية والاقتصادية من أبرز سمات العقود الأخيرة، مثيرة اهتمام اهتمام الكتّاب والباحثين والاقتصاديين وحتى السياسيين في مختلف دول العالم وتطور الفكر الاقتصادي الذي يتناول الأزمات ويبحث في مسبباتها وكيفية معالجتها.
ولا غرو أن الأزمات الإقتصادية والمالية لها آثار سلبية عديدة تتعدى الجانب الاقتصادي ممتدة إلى الجوانب الأخرى كالسياسية والاجتماعية والصحية والتعليمية وغيرها، لذا فإن دول العالم تحاول قدر الإمكان التخفيف من آثار هذه الأزمات.
وفي هذا الصدد، سنحاول خلال هذه الفقرة اليومية طيلة هذا الفضيل، تسليط الضوء على أبرز الأزمات الاقتصادية التي عرفها العالم، مسلطين الضوء على سياقها وأبرز أسبابها ونتائجها.

أزمة لبنان الإقتصادية 2/3

سنتطرق في فقرة اليوم، إلى الجزء الثاني، من أزمة لبنان الإقتصادية، حيث سنعرج على أسباب الانهيار ومدى سوء الوضع، وأما عن الشرارة التي أدت للانهيار، فعندما احتاجت البلاد إلى لجم الإنفاق، أسرف الساسة في زيادة أجور العاملين في الدولة قبل انتخابات عام 2018، وأدى فشل الحكومة في تنفيذ الإصلاحات إلى حجب المانحين الأجانب مساعدات بمليارات الدولارات كانوا قد تعهدوا بتقديمها وهي الخطوة التي كانت بمثابة شرارة أدت إلى الانهيار.

وكانت الشرارة الأخيرة في أكتوبر 2019، وتمثلت في خطة لتطبيق ضريبة على مكالمات تطبيق واتساب، وفي ضوء ضخامة عدد المغتربين وانخفاض النظام الضريبي في لبنان الذي يميل لصالح الأثرياء كان لفرض رسم على الطريقة التي يتواصل بها عدد كبير من اللبنانيين أثر كارثي.

وتفجرت مظاهرات شعبية كان وقودها الشباب المطالب بتغيير كلي احتجاجًا على النخبة السياسية بقياداتها الطاعنة في السن التي صارت أكثر ثراء في الوقت الذي استمرت فيه معاناة الآخرين.

ونضبت تدفقات النقد الأجنبي من الخارج وخرجت الدولارات من لبنان، ولم يعد لدى البنوك دولارات كافية لسداد أموال المودعين الذي اصطفوا في طوابير في الخارج مما دفع البنوك لإغلاق أبوابها، كما عجزت الحكومة عن سداد التزاماتها على الدين الخارجي.

وانهارت العملة من 1500 ليرة للدولار قبل الأزمة حتى بلغت مؤخرًا حوالي 23 ألف ليرة للدولار بعد أن هبطت -في وقت سابق من الشهر الجاري- إلى 34 ألفا.

وتفاقمت المشاكل بانفجار مرفأ بيروت، في غشت 2020، أسفر عن سقوط 215 قتيلًا وتسبب في أضرار بمليارات الدولارات.

وبعد انكماش اقتصادي سريع بلغ الدين الحكومي ما يعادل 495% من الناتج المحلي الإجمالي في 2021 وفق بعض التقديرات، وهو ما يفوق بكثير المستويات التي عرقلت بعض الدول الأوروبية قبل نحو عشر سنوات.

ومنذ ذلك الحين، تقود فرنسا مساعي دولية لدفع لبنان لمعالجة الفساد وتطبيق الإصلاحات التي يطالب بها المانحون، كما تشكلت حكومة جديدة في أواخر العام الماضي ووعدت بإحياء المحادثات مع صندوق النقد الدولي، لكنها لم تنفذ حتى الآن أي سياسات إصلاحية مهمة.

ومن الأمور البالغة الأهمية ضرورة اتفاق الساسة والمصرفيين على حجم الخسائر الهائلة، وعلى ما وقع من أخطاء حتى يمكن أن يغير لبنان مساره ويتوقف عن العيش بما يتجاوز إمكانياته.

ما مدى سوء الوضع الاقتصادي؟

تراجع الناتج الإجمالي المحلي إلى ما يقدر بنحو 20.5 مليار دولار في 2021 من نحو 55 مليار دولار في 2018، وهو نوع من الانكماش الذي عادة ما يصاحب الحروب على حد وصف البنك الدولي الذي صنف هذا الانهيار المالي بأنه من الأسوأ في العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر.

فقدت الليرة اللبنانية أكثر من 90% من قيمتها، مما رفع تكلفة كل شيء في الدولة المعتمدة اعتمادًا قويًا على الواردات وقوض القوة الشرائية للعملة، وراتب الجندي الشهري الذي كان يعادل في يوم من الأيام 900 دولار يساوي الآن 50 دولارًا.

تقول لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا) إن معدلات الفقر تزايدت بشكل كبير بين السكان البالغ عددهم 6.5 مليون نسمة إذ يصنف 80% منهم فقراء.

ويتفاقم الموقف إذ قالت اليونيسف إن أكثر من نصف الأسر لديها على الأقل طفل واحد لا يحصل على إحدى وجبات اليوم، في شتنبر الماضي، مقارنة مع ما يزيد عن الثلث فحسب في أبريل 2021 الفائت.

تكبد النظام المالي اللبناني خسائر فادحة، بما يشمل نحو 44 مليار دولار في المصرف المركزي تتعلق بإخفاق الجهود الرامية لدعم العملة وذلك وفقًا لبيانات حكومية في 2020، وهذا المعدل هو بالتقريب مثلي حجم الناتج الاقتصادي، والخسائر الإجمالية التي تشمل تقليص القيمة الاسمية المتوقع للدين السيادي تفوق ذلك أيضا.

هناك شلل في البنوك اللبنانية إذ منع المودعون من حساباتهم الدولارية، كما تطبّق عمليات السحب بالعملة المحلية أسعار صرف تمحو 80% من قيمتها.

وخلال زيارة في أكتوبر إلى بيروت، قالت المسؤولة الأمريكية فيكتوريا نولاند إن الشعب اللبناني يستحق أن يعرف أين ذهبت أمواله؟

يواجه لبنان المعتمد على استيراد الوقود أزمة أيضًا في الطاقة، وحتى قبل الأزمة كانت إمدادات الوقود التي تستخدم في محطات الكهرباء تشهد نقصًا حتى في العاصمة.

وحاليا تعد الأسر نفسها محظوظة إن حظيت بأكثر من ساعة أو نحو ذلك من التيار الكهربائي يوميا، كما ارتفعت أسعار الوقود ارتفاعا حادا، وركوب سيارة أجرة مشتركة -وهي وسيلة نقل منتشرة هناك- كان يتكلف ألفي ليرة قبل الأزمة أما الآن فيتكلف في الرحلة نحو 30 ألف ليرة.

يهاجر اللبنانيون في موجة خروج جماعي هي الأكبر منذ الحرب الأهلية التي دارت بين عامي 1975 و1990 ولقناعتهم أن مدخراتهم تبخرت، فلا يفكر كثير من اللبنانيين في العودة هذه المرة إذ بدأوا بناء حياتهم من الصفر.

الأطباء من بين من يغادرون، وقالت منظمة الصحة العالمية إن أغلب المستشفيات تعمل بنصف طاقتها مع هجرة نحو 40% من الأطباء، وأغلبهم متخصصون، أو عملهم بدوام جزئي في الخارج.

وحذر الرئيس ميشال عون، في دجنبر الماضي، من أن الدولة تتداعى.

> عبد الصمد ادنيدن

Related posts

Top