أكتبوا يومياتكم

بمقدور كل واحد منا أن يكتب، أن يحكي، أن يروي حكايات وقصص، واقعية كانت أم خيالية، لكن قلة من تستطيع أن  

تخلق من هذه النصوص إبداعا تتوفر فيه كافة العناصر الأساسية التي تدفع إلى التفاعل معه بشكل إيجابي باعتباره بالفعل منتوجا يدخل في خانة الإبداع الحقيقي.

***

 يمكن أن نتفق على الأقل بخصوص أن القدرة على الكتابة وعلى التعبير الكتابي هي متاحة لعموم الناس، وهذه القدرة لا شك أنها شيء هام، ينبغي علينا الاهتمام به. 

 ولعل الحد الأدنى من الأشياء التي يحق لنا أن نكتب عنها هو ما يجري في حياتنا اليومية، على امتداد النهار والليل، بمعنى آخر تسجيل يوميات ومذكرات. لا يهم بأي أسلوب أو بأي لغة، المهم أن تكون صادقة ولا مجال فيها للخيال والأوهام.

 لا يبدو أن هناك الكثير من الناس، بما فيهم الأدباء، يولون اهتماما إلى هذا الجانب المهم المتعلق بالتأريخ لحياتنا اليومية ولتفاعلنا اليومي مع الناس والأشياء ومع كل ما يحيط بنا؛

 بالرغم من أن الأمر لا يتطلب إمكانيات مادية ولا جهدا كبيرا ولا حتى الوقت الكثير.

 ربما قد تكفي صفحة واحدة من الحجم المتوسط كل يوم، نسجل فيها أهم الأحداث التي عايشناها في نهاية ذلك اليوم نفسه؛ فقبل أن نخلد للنوم في آخر يومنا، نأخذ مفكرة ونسترجع كل ما جرى لنا في تلك الفترة، ليس من الضروري أن نوثق كل شيء بتفصيل؛ لأن هذا قد يتطلب منا ساعات وساعات ومساحة لا حدود لها للكتابة، بل أبرز الأحداث الجديرة بالتذكر التي ميزت يومنا من خلال معايشتنا لها وليس أي أحداث كيفما كانت، وإلا سنسقط في إعداد نشرات إخبارية تشتمل على السياسة الوطنية والمحلية والدولية وغير ذلك وليس مذكراتنا الخاصة والشخصية؛ فعلى سبيل المثال، حين قام المفكر المغربي عبد الله العروي بنشر يومياته التي حملت عنوان: خواطر الصباح. كان جزء كبير منها مرتبطا بالسياسة العامة للبلاد، بل حتى السياسة الخارجية، مما قد يمنح الانطباع بأننا أمام قصاصات جرائد يعود تاريخها إلى تلك الحقبة التي كان يؤرخ لها، في حين أن ما نقصده بالضبط هو المذكرات الشخصية.

 وهناك في المكتبات، خصوصا في هذه الفترة من السنة، ما يسمى بالأجندات، يمكن الاعتماد عليها لتسجيل مذكراتنا، وإن كانت تبدو لي أنها تحد من حرية الكاتب، على اعتبار أنها تحصر اليومية في صفحة واحدة من دفتر من الحجم المتوسط، وتفرض علينا أن نحصر كل ساعة من ساعاتنا اليومية في سطر واحد على الأكثر، وهذا قد يتطلب مهارة خاصة ليست في متناول الجميع.

***

 يبقى إذن من المهم أن نكتسب عادة تسجيل مذكراتنا بشكل يومي في وقت محدد من اليوم، ونجعل ذلك شبيها بصلاة النوافل إذا جاز التعبير.

 فمن خلال تجربتي الخاصة في كتابة المذكرات على مدى سنوات عديدة، تبين لي أن المذكرات ليست فقط مجرد توثيق لقطعة من حياتنا، بل تساعد على فهم أشياء ووقائع بشكل أعمق، حين الرجوع إليها أو حين مقارنتها بسابقاتها أو بما تلاها. 

لنكتب يومياتنا إذن؟ 

عبد العالي بيركات

[email protected]

Top