من المتوقع أن ترتفع أسعار النفط في عام 2017، وذلك بفضل الأحداث الجيوسياسية مثل حالة عدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، وعودة روسيا إلى الساحة العالمية، إلى جانب التحولات السياسية التي تشهدها كل من الولايات المتحدة وأوروبا. لكن إنتاج النفط في أميركا الشمالية بإمكانه التخفيف من هذه “المسامير” التي تحركها العوامل الجيوسياسية.
في عامي 2015 و2016، فاقت إمدادات النفط الطلب بنسبة 1 إلى 2 مليون برميل يوميا. ورغم تنامي الصراع في منطقة الشرق الأوسط والهجمات الإرهابية التي ضربت عدة مناطق من باريس إلى سان برناردينو، انخفضت أسعار النفط. وأدت المخزونات الضخمة إلى التخفيف من المخاوف من تعطيل الإمدادات جراء حالة عدم الاستقرار وتنامي الصراعات.
خلال هذا العام، تشهد سوق النفط حالة من التوازن تقريبا، إلا أن الحرب والإرهاب وعدم الاستقرار السياسي يمكن أن تدفع باتجاه إمكانية ارتفاع الأسعار من جديد.
يمكن أن يؤدي نهوض أوبك (منظمة البلدان المصدرة للبترول) من السبات إلى إعادة تشكيل توقعات السوق اليوم.
في نوفمبر عام 2014، لم تحاول أوبك تحقيق التوازن بين العرض والطلب في تجارة النفط، واعتبرت أن تخفيض الإنتاج سوف يؤدي إلى تسليم حصتها من السوق إلى منافسيها.
بدلا من ذلك، رفعت دول أوبك في الإنتاج. وأدى تراجع الأسعار إلى تقليص الاستثمارات النفطية في كل من أميركا الشمالية وحول العالم، ودفع نحو حصول تحول هيكلي في الطاقة الإنتاجية العالمية.
بعد مرور سنتين، وتخفيض الإنتاج العالمي بنحو 1.5 مليون برميل يوميا في وقت لاحق، في نوفمبر عام 2016، غيرت أوبك استراتيجيتها، بالتعاون مع العديد من المنتجين من خارج أوبك (ولا سيما روسيا) من أجل تقييد العرض لمدة ستة أشهر في عام 2017. قفز برنت النفط من 40-50 دولارا للبرميل الواحد إلى 50-60 دولارا.
يرتبط التنبؤ باستمرار مثل هذه الصفقات من عدمه بالحماقة، حيث أن أضعف المنتجين اقتصاديا مثل نيجيريا وليبيا، استبعدوا التخفيض من الإنتاج.
في فنزويلا العاجزة (تشكو شللا اقتصاديا)، تراجع الإنتاج قد يكون نتيجة محسومة. وتم السماح لإيران بزيادة إنتاجها وهو ما تحقق بالفعل، وسوف لن تقل حصة العراق عن غيره من الدول. من خلال نسبة التخفيض المتواضعة لإنتاجها والمقدرة بحوالي 4 في المئة، ارتفع صافي إيرادات دول أوبيك بقدر كبير.
وفي مقابل هذه الوضعية لإنتاج النفط، تمر منطقة الشرق الأوسط بحالة من عدم الاستقرار حيث تمكن الرئيس الأسد، بمساعدة روسيا، من توسيع نطاق سيطرته على سوريا. تم تدمير حلب، ومن المرجح ألا تثق المعارضة السورية بأي وعود سياسية يمكنها أن تحقق السلام.
وفي الوقت نفسه، فقد تنظيم الدولة الإسلامية خلافته، لكنه لجأ إلى حرب من خلال شن هجمات إرهابية، والتي انتشرت منذ فترة طويلة خارج حدود المنطقة.
كما يهدد الاقتتال الداخلي في العراق الوحدة الوطنية التي تشكلت في السابق من أجل طرد تنظيم الدولة الإسلامية من الموصل، وهو ما تم إنجازه بالفعل. ويبدو أن حرب اليمن لا يمكن أن يتحقق فيها النصر، ولكن لن يقبل أي من الأطراف بالهزيمة فيها.
أصبحت إيران أكثر جرأة. مع التحالف الروسي الجديد في سوريا، احتفظت البلاد بقناتها السورية لامداد حزب الله، ومطط الاتفاق النووي الإيراني الزمن المخصص لصنع سلاح نووي من شهرين إلى عام.
ومع ذلك، فقد عادت إيران إلى مستويات تاريخية من إنتاج النفط، وتم رفع التجميد عن بعض حساباتها المصرفية. وزاد كل ذلك المخاوف الأمنية لدى الدول السنية المجاورة.
تحدت روسيا التوقعات بتعثرها في سوريا، وهي الآن سمسار للسلطة هناك. لا سوريا ولا أمن الخليج، ولا أسواق النفط يمكن تكييفها من دون تعاون روسيا.
الرئيس بوتين يثق في أن النتائج الانتخابية سوف تكون واضحة، وأن روسيا لن يتم رفضها كقوة إقليمية، بل أكثر من ذلك سوف يتم النظر إليها كواحد من كبار الحكام عالميا.
تحتل إدراة ترامب موقعا في خضم هذه الاختلالات. زرع الرئيس المنتخب ترامب شكوكا حول اتجاه سياسته الخارجية والأمنية، ولكن في ما يتعلق بالنفط كان واضحا: ترامب لن يفرض لوائح جديدة من شأنها أن تقلص عمل شركات التنقيب عن النفط بل سيعتم استرجاع بعض اللوائح القائمة (رغم أن الكثير من لوائح النفط والغاز في الولايات المتحدة تعتبر حكومية).
سوف تكون للطلب العالمي والقدرة التنافسية للإنتاج الأميركي الكلمة الأخيرة حول ما إذا كان رفع الولايات المتحدة للقيود من شأنه أن يزيد بشكل كبير من تدفق النفط إلى الأسواق الأميركية.
ولكن من حيث مخاطر انقلاب الأسعار رأسا على عقب، يمكن أن يزيد المنتجون الأميركيون من استقرار السوق.
في الواقع، خفضت ريادة الأعمال والتكنولوجيا وضغوط السوق من أسعار التعادل المرجحة لإنتاج الزيت الصخري الأميركي من 79 دولارا إلى 48 دولارا للبرميل منذ عام 2014. وفي النطاق الجديد للأسعار والذي يتراوح بين 50 و60 دولارا للبرميل، من المتوقع أن يرتفع الإنتاج الأميركي.
بين 2012 و2017، يمكننا أن نشهد “دورة مصغرة” لإنتاج الزيت الصخري الكامل، حيث ساعد إنتاج الزيت الصخري الأميركي في قبر مفهوم ذروة إنتاج النفط، ثم تم التعاقد لتحقيق التوازن بين العرض والطلب، والآن في عام 2017 سوف يرتفع الإنتاج من جديد، إذ أصبح الآلاف من المنتجين الأميركيين لاعبين أساسيين جددا في التخفيف من خطر جيوبوليتيكا الطاقة.
ربما، سوف يقول البعض إن القليل من المشاركين في هذه المناقشة سوف يتساءلون ما إذا كانت شواغل تغير المناخ من شأنها أن تؤدي إلى بلوغ الطلب على النفط ذروته. تختلف تقديرات ذروة الطلب بصورة عشوائية، من منتصف 2020 إلى حوالي 2040.
تعترف معظم السيناريوهات بأنه حتى بعد بلوغ الإنتاج ذروته، بحلول عام 2040، سوف يبقى النفط يشكل حوالي 25 في المئة من إنتاج مختلف أصناف الوقود ( يفوق اليوم نسبة 30 في المئة).
أولئك الذين يتجاهلون الأهمية الاقتصادية للنفط وتأثيره على النمو، والعلاقات المتبادلة بين النفط والجيوبوليتيكا، سوف يفعلون ذلك على حساب مصالحهم التجارية وأمنهم.
أين تقف الولايات المتحدة في التصورات الجيوسياسية الجديدة للنفط ؟
الوسوم