أثارت زيارة وزير الأمن القومي الإسرائيلي اليميني المتشدد إيتمار بن غفير الثلاثاء باحة المسجد الأقصى في القدس الشرقية المحتلة ردود فعل منددة عربية وإسلامية لما وصفه الفلسطينيون بأنه عمل “استفزازي”.
وفيما استدعت عمان السفير الإسرائيلي تعبيرا عن احتجاجها، حذرت واشنطن من اتخاذ خطوات تغير الوضع القائم في المدينة المقدسة.
وبعد زيارته، قال بن غفير الثلاثاء إن “جبل الهيكل هو الموقع الأهم بالنسبة لشعب إسرائيل ونحافظ على حرية الحركة بالنسبة للمسلمين والمسيحيين، لكن اليهود أيضا سيتوجهون إلى الجبل، وينبغي التعامل بيد من حديد مع أولئك الذين يوجهون تهديدات”.
وتعقيبا على الزيارة، قال الناطق باسم حركة حماس حازم قاسم إن “اقتحام الفاشي بن غفير جريمة”، مؤكدا أن الأقصى “سيبقى فلسطينيا وعربيا وإسلاميا”. وأضاف أن “شعبنا الفلسطيني سيواصل دفاعه عن مقدساته ومسجده الأقصى وقتاله من أجل تطهيره من دنس الاحتلال”.
والمسجد الأقصى هو بالنسبة للمسلمين أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين بعد مكة المكرمة والمسجد النبوي في المدينة المنورة. أما اليهود، فيعتبرون باحة المسجد التي يطلقون عليها اسم جبل الهيكل، أقدس موقع في ديانتهم.
وفي الوضع الراهن، يمكن لغير المسلمين زيارة المكان في أوقات محددة ولكن لا يمكنهم الصلاة فيه. ومع ذلك زادت في السنوات الأخيرة أعداد الزوار من اليهود القوميين في كثير من الأحيان الذين يصل ون خلسة في المكان في ظل إدانة فلسطينية.
ووصفت الخارجية الفلسطينية الزيارة بأنها “استفزاز غير مسبوق وتهديد خطير لساحة الصراع”. وحذر الناطق باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبو ردينة من أن “استمرار هذه الاستفزازات بحق مقدساتنا الإسلامية والمسيحية سيؤدي إلى المزيد من التوتر والعنف وتفجر الأوضاع”.
وحمل “الحكومة الإسرائيلية المتطرفة المسؤولية عن أية نتائج أو تداعيات حيال ما تتخذه من سياسات عنصرية بحق أبناء شعبنا ومقدساته”.
وأعلن الجيش الإسرائيلي مساء الثلاثاء أن نشطاء من قطاع غزة الذي تسيطر عليه حركة حماس، أطلقوا صاروخا نحو إسرائيل لكنه لم يصب هدفه إذ تحطم داخل القطاع.
من جهته اعتبر الأردن أن “اقتحام المسجد الأقصى المبارك وانتهاك حرمته هي خطوة استفزازية مدانة”.
كما استدعت الخارجية الأردنية السفير الإسرائيلي في عمان وسلمته مذكرة احتجاج “أكدت على وجوب امتثال دولة إسرائيل، بصفتها قوة قائمة بالاحتلال، لالتزاماتها وفقا للقانون الدولي ولا سيما القانون الدولي الإنساني، بشأن مدينة القدس المحتلة ومقدساتها وخاصة المسجد الأقصى المبارك والامتناع عن أية إجراءات من شأنها المساس بحرمة الأماكن المقدسة ووضع حد لمحاولات تغيير الوضع التاريخي والقانوني القائم”.
وتتولى دائرة الأوقاف الإسلامية التابعة للأردن إدارة المسجد الأقصى وباحاته في القدس الشرقية المحتلة التي ضمتها إسرائيل، بينما تسيطر القوات الإسرائيلية على مداخل الموقع.
ودانت الأمانة العامة لمنظمة التعاون الإسلامي “اقتحام بن غفير للمسجد الأقصى بحماية قوات الأمن الإسرائيلية”.
بدورها نددت السعودية بما وصفته بأنه “ممارسات استفزازية”، مؤكدة على موقف الرياض “الراسخ بالوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني”.
ودانت الإمارات بشدة الخطوة وجددت موقفها “بضرورة توفير الحماية الكاملة للمسجد الأقصى ووقف الانتهاكات الخطيرة والاستفزازية فيه”.
وقالت الكويت إن “هذا الاقتحام الذي يشكل استفزازا لمشاعر المسلمين وانتهاكا لقرارات الشرعية الدولية يأتي في إطار محاولات سلطات الاحتلال الإسرائيلية المستمرة لتغيير الوضع التاريخي والقانوني القائم في القدس ومقدساتها”.
وعبر مصدر في وزارة الخارجية المغربية عن إدانة المملكة ودعوتها “إلى الحفاظ على الوضع القانوني والتاريخي القائم في مدينة القدس والمسجد الأقصى، والحد من التصعيد وتفادي الأعمال الأحادية والاستفزازية”.
من ناحيتها شددت إيران على أن “القدس الموحدة هي العاصمة الدائمة والأبدية لفلسطين وأي انتهاك لحرمة الأماكن الفلسطينية المقدسة بما فيها المسجد الأقصى مثال على انتهاك الأنظمة الدولية وإهانة لقيم ومقدسات مسلمي العالم وسيقابل برد فعل الدول الإسلامية”.
في لبنان، اعتبر الأمين العام لحزب الله الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله في خطاب ألقاه في الذكرى السنوية الثالثة لاغتيال قائد الحرس الثوري الإيراني اللواء قاسم سليماني، أن “التعرض للمسجد الأقصى وللمقدسات الإسلامية والمسيحية في فلسطين وبيت المقدس خصوصا من قبل هؤلاء الصهاينة لن يفجر الوضع داخل فلسطين فقط بل قد يفجر المنطقة بكاملها”.
واعتبر البيت الأبيض أن “أي خطوة أحادية الجانب تعرض للخطر الوضع القائم هي غير مقبولة”.
وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية إن الولايات المتحدة “قلقة للغاية” بعد خطوة بن غفير التي اعتبر أنها “قد تؤدي إلى تفاقم التوترات وإثارة العنف”.
من جانبه، شدد المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة على “أهمية الحفاظ على الوضع القائم في المواقع المقدسة”، مشيرا إلى أن الأمين العام “يطلب من الجميع الامتناع عن اتخاذ إجراءات يحتمل أن تفاقم التوترات داخل المواقع المقدسة وحولها”.
ودعت برلين إلى “تجنب الخطوات التي قد تزيد التوترات”. وكتب السفير الألماني في إسرائيل على تويتر إن “الوضع القائم” في المسجد الأقصى “لطالما ساهم في الحفاظ على سلام وأمن هشين حول المواقع المقدسة”.
وقال كبير حاخامات السفارديم في إسرائيل يتسحاق يوسف في رسالة لبن غفير “باسم الحاخامية الكبرى أطلب منك أن تمتنع في المستقبل عن الذهاب إلى جبل الهيكل وكل منطقة فيه”.
وأضاف “من الواضح أنك كوزير لا يمكنك مخالفة تعليمات الحاخامية … ماذا سيقول الناس عندما يرون وزيرا يهوديا ملتزما يستهزئ بموقف الحاخامية”.
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو قال من جانبه في بيان إنه “مصمم بحزم على الحفاظ على الوضع الراهن”، مشيرا إلى أن وزراء آخرين زاروا باحة الأقصى في الماضي.
لكن زعيم المعارضة يائير لبيد قال في تغريدة “هذا ما يحدث عندما يضطر رئيس وزراء ضعيف لتسليم المسؤولية لأكثر شخص غير مسؤول في الشرق الأوسط وفي أكثر مكان متفجر في الشرق الأوسط”.
عام 2000، كانت زيارة زعيم المعارضة آنذاك أرييل شارون إلى باحة الأقصى من أبرز العوامل التي أشعلت الانتفاضة الفلسطينية الثانية التي استمرت حتى العام 2005.
بن غفير الذي يعيش في مستوطنة بالضفة الغربية المحتلة زار الموقع عدة مرات منذ دخل البرلمان في أبريل 2021. وهو يطالب بإدخال تغييرات على إدارة الموقع للسماح لليهود بالصلاة فيه.
وهو يدافع عن ضم إسرائيل للضفة الغربية حيث يعيش ما يقرب من 2,9 مليون فلسطيني و475 ألف إسرائيلي في مستوطنات يعتبرها القانون الدولي غير قانونية.
كما يدعو إلى طرد عرب إسرائيل الذين يقول إنهم لا يكنون الولاء للدولة وإلى ضم الضفة الغربية المحتلة.
الأسبوع الماضي، حذر أحد قادة حركة حماس باسم نعيم من أنه “في حال توجه بن غفير كوزير إلى الأقصى فسيكون ذلك تجاوزا لكل الخطوط الحمراء وسيقود إلى انفجار”.
بعد ذلك، قال بن غفير في بيان “لن تستسلم حكومتنا أمام تهديدات حماس”.
أ.ف.ب