إصلاح يؤسس لمغرب المستقبل

صادق مجلس الحكومة، في اجتماعه الثلاثاء الماضي، على مشروع قانون يتعلق بمبادئ تحديد الدوائر الترابية للجماعات الترابية، وأسند للحكومة صلاحيات تحديد عدد الجهات والعمالات والأقاليم والجماعات وتسميتها وتعيين النفوذ الترابي بمقتضى نص تنظيمي في إطار المبادئ التي جاء بها المشروع المصادق عليه، والذي سيحال على البرلمان من أجل تعميق النقاش بشأنه.
يتعلق الأمر هنا بنص قانوني يندرج ضمن تنزيل أحكام الدستور الجديد، خاصة ما يتعلق بالفصل 71 الذي أقر الطابع اللامركزي للتنظيم الترابي للمملكة القائم على جهوية متقدمة في إطار الدولة الموحدة، أي أنه يدخل ضمن الأفق الكبير المتعلق بإعادة تنظيم بنيات الدولة ومؤسساتها الترابية، وذلك على ضوء ما جاء به الدستور الجديد، وأيضا ما كان قد أفضى إليه الحوار الوطني حول الجهوية.
ولجعل النقاش اليوم جديا ومنتجا وناجعا حول الموضوع، لابد أن ينتظم في إطار القضايا الوطنية الكبرى والأساسية بعيدا عن الحسابات الانتخابوية الضيقة والسجالات التبسيطية العقيمة، ذلك أن الأمر ليس محصورا فقط في مجرد تقطيع انتخابي أو ترابي يحقق هذه الغاية الآنية أو تلك، وإنما هو لا يخلو من بعد سياسي واستراتيجي وتنموي، ومطروح عليه الانتقال ببلادنا إلى مرحلة جديدة على مستوى إدارة المجال.
اليوم سيكون بلا معنى طرح تقسيمات وتقطيعات مفصلة لجهات وجماعات وعمالات بلا أية اختصاصات أو إمكانات أو أفق، وبالتالي، فإن معيار الاختصاصات والموارد، بالإضافة إلى الانسجام المجالي والثقافي والبشري والاقتصادي، يعتبر معيارا جوهريا.
إن تجربة الجهات كما مورست لحد الآن تستدعي التقييم والمراجعة، ووجود مجالس مقاطعات بلا أي شيء يحتاج أيضا إلى الإصلاح، وخلق جماعات قروية لا يكون بمقدورها حتى إيجاد مقر لها أو مكتب لرئيسها لا يختلف عن العبث في شيء؛ ولهذا، فإن المنظومة برمتها اليوم تحتاج إلى التغيير، وهذا بالذات هو الأفق الذي يتيحه الدستور الجديد، ويجب إعمال التأويل الديمقراطي لأحكامه.
مراجعة وتطوير التنظيم الترابي للمملكة يجب أن تستحضر الإنسان أولا وقبل كل شيء، أي ما سيتيحه هذا التنظيم الجديد من قرب وتفاعل مع الحاجيات اليومية والأساسية للمواطنات والمواطنين، وأيضا مبدأ النجاعة والفعالية من خلال تمكين الجهات من القدرة على الفعل في التنمية وفي تلبية مطالب الساكنة والمناطق، وذلك بما سيجعل المغاربة يلمسون التغيير في حياتهم اليومية، ويتمثلون إيجابيات الإصلاح ويتملكونه ويدافعون عنه ضمن الانتماء الوطني العام للمملكة.
الكرة الآن في ملعب طبقتنا السياسية لترتقي بمناقشة هذه المواضيع الأساسية إلى مستوى أكثر جدية وعمقا وببعد استشرافي يؤسس لمغرب المستقبل.

[email protected]

Top