اغتيالات في تونس

اغتيال شكري بلعيد الأمين العام لحركة الوطنيين الديمقراطيين في تونس(حزب يساري معارض تأسس بعد الثورة)، صباح أمس بعد أن أطلق عليه مجهولون رصاصتين، يعتبر جريمة مروعة وبشعة، وهي تثير خوفا حقيقيا على مستقبل تونس ما بعد الثورة. فقط يوما واحدا قبل اغتياله، كان المحامي والناشط السياسي اليساري يعلن، خلال مؤتمر صحفي عقده بالعاصمة تونس، أن العنف قد استشرى في البلاد بعد الثورة، ويدعو إلى عقد مؤتمر وطني لمناهضة العنف في تونس، ويحذر قيادات حركة النهضة ووزير الداخلية مما أسماه(محاولات تفكيك الدولة وزرع قوى وميليشيات ترهب التونسيين وتستدرج البلاد إلى حالة العنف الشامل عبر رابطات حماية الثورة)…
وفي الجهة المقابلة، كانت خفافيش الظلام واقفة تتربص بالقول وبصاحب القول، ولم تتأخر في الانقضاض عليه صبيحة اليوم الموالي، وهو يغادر منزله، حيث أردته قتيلا، وفتحت بذلك باب الأسئلة والرعب مشرعا…
إلى أين تسير بلدان الربيع إذن؟ وكيف صار هذا الربيع خريفا بكل هذه السرعة؟
يعرف الجميع أن التجاذبات السياسية والمجتمعية حادة في تونس، والتوتر جلي في أكثر من مجال، ولكن أن تتحول ردود الأفعال اليوم إلى القتل وممارسة الاغتيال، فهذا منحى يلخص كل المخاطر التي تهدد البلاد وتجربتها الديمقراطية الهشة..
في أكتوبر من العام الماضي قتل سياسي آخر، هو قيادي في حركة (نداء تونس)، واليوم  يسقط شكري بلعيد مضرجا في دمائه…
لقد شهدت مناطق مختلفة في البلاد في الشهور الأخيرة توترات واحتجاجات ومواجهات بين المحتجين وقوات الأمن، وحتى التعديل الوزاري الذي جرى الحديث عنه مرات تم تأجيله لتعذر الاتفاق على تفاصيله، و لم يعد خفيا أن الخلاف والتباين يسود حتى داخل الأحزاب الثلاثة المشكلة للائتلاف الحاكم، وكل هذا يحدث ضمن تنامي مؤشرات غياب الاستقرار الأمني في البلاد، وبروز التيارات السلفية المتشددة، والتحركات الميدانية غير المفهومة لجماعات تسمى(رابطات حماية الثورة) من غير المستبعد أن يكون عناصرها وراء عمليات اغتيال السياسيين المعارضين وتهديد فاعلين آخرين.
إن الذي يحصل في تونس هذه الأيام، يتكرر أيضا في ليبيا، وبشكل أقل في مصر، وكل ذلك يكشف على أن البلدان الثلاثة لم تنجح، خلال المرحلة السياسية التي أعقبت إسقاط الأنظمة الديكتاتورية السابقة، في رسم معالم توافق وطني حقيقي بين مكوناتها السياسية والاجتماعية، وبالتالي ولوج المرحلة السياسية الجديدة على قواعد واضحة وضمن استقرار أمني ومجتمعي يساعد على البناء.
وفضلا عن هذا المعطى السياسي الجوهري، فان شعوب هذه البلدان بدأت تشعر باليأس من الوضع الجديد، ولم تلمس تغييرا حقيقيا في واقعها اليومي، كما أن الفاعلين الاقتصاديين ينعدم لديهم الاطمئنان ووضوح الرؤية بالنسبة للمستقبل، وهذه الحالة النفسية العامة تتكرس كذلك جراء استمرار الاحتقان السياسي، الذي يتخذ أحيانا طابعا دمويا كما حصل في حادثتي الاغتيال بتونس، وكل هذا يسائل واقع ومستقبل البلدان الثلاثة التي عاشت ما سمي ثورات الربيع الديمقراطي في المنطقة العربية.
[email protected]

Top