إن قراءة ما جرى في العيون، وما أعقب ذلك من تفاعلات لحد الآن، يفرض اليوم الانكباب على إعمال كل ما تضمنه خطاب جلالة الملك بمناسبة ذكرى المسيرة الخضراء. لقد ركز الخطاب الملكي، من خلال الإعلان عن إعادة هيكلة وكالة الجنوب، على الشروط الاقتصادية والاجتماعية لساكنة الأقاليم الجنوبية، وخصوصا ما يتعلق بتوفير فرص الشغل، واليوم لا بد من الاستمرار في المبادرات التي شرعت فيها الحكومة مؤخرا بشأن قطاعي السكن والتشغيل، والانطلاق من ذلك لتسريع مختلف برامج التنمية المحلية، ولتفعيل إستراتيجية تنموية حقيقية في المنطقة، وذلك بما يجعلها تنخرط في ديناميات منتجة بعيدة عن اقتصاد الريع الذي يبقى من ضمن أسباب الهشاشة التي تعاني منها فئات واسعة من السكان.
أما المهمة الثانية فتتعلق بإدراج نخب جديدة وكفاءات من المنطقة في منظومة التمثيلية، وفي آليات صنع القرار المحلي والجهوي، ويعتبراصلاح (الكوركاس) مناسبة لتجسيد هذا الاختيار على أرض الواقع، وبالتالي جعل هذه المؤسسة الاستشارية أكثر تمثيلية وأكثر ديمقراطية، وأكثر فعلا في صيرورة التعاطي الجديد مع القضية.
إن الواجهة الأولى لنضالنا الوطني اليوم إذن هي في الأقاليم الجنوبية ووسط أبنائها وبمشاركتهم، وذلك بمقاربة جديدة، وباستراتيجيات متكاملة ترفض الريع وتحارب الفساد والزبونية، وترفض أيضا الابتزاز، وتجعل من الوطن ووحدته واستقراره خطا أحمر أمام الجميع.
ومن جهة ثانية، فان الجبهة الوطنية الداخلية تعتبر واجهة أساسية أخرى، ولذلك فإن التشبث بالمشروع المجتمعي الديمقراطي، وتعزيز دينامية الإصلاح والتنمية على كافة المستويات، سيزيد من تعزيز هذه الجبهة، ومن قوة التفاف المغاربة حول عدالة قضيتهم الوطنية الأولى.
وعلى مستوى آخر، فإن الأحداث الأخيرة، وإن عرت على فشل الانفصاليين في الميدان، فإنها أكدت ضرورة تكثيف الحضور المغربي على الصعيد الديبلوماسي والإعلامي في العالم، وهذا الورش المهم بقدر ما يقويه تعزيز الجبهة الداخلية، فإنه يتطلب أيضا الكفاءة والحرفية والإمكانيات، ويفرض إشراك كافة فعاليات المجتمع، خصوصا الأحزاب الجادة، والبرلمان وهيئات المجتمع المدني والنقابات والشخصيات المغربية ذات الحضور الإقليمي والدولي، وكل ذلك ضمن رؤية منفتحة وذكية للتواصل مع العالم.
وتجد الرؤية المذكورة مرجعيتها في مضمون الخطاب الملكي الأخير، وأيضا في الدعوة التي وجهها الوفد المغربي، في ختام اجتماعات مانهاست، بشأن ضرورة إعطاء دينامية جديدة ودفعة نوعية للمفاوضات…
الآن، حان وقت استخراج الخلاصات والانتقال إلى العمل على ضوء مقاربة جديدة حدد جلالة الملك محاورها الكبرى في خطاب المسيرة الأخير.