الأحزاب القوية

أبرزت لنا الانتخابات التمهيدية التي جرت في فرنسا لاختيار مرشح الحزب الاشتراكي للرئاسيات القادمة، متانة الحزب، وقدرة كافة مناضلاته ومناضليه على الانصهار ضمن منظومته، وتجسيد التمايز وأيضا الوحدة عندما يتطلب الأمر ذلك.
وهكذا تابعنا، بمناسبة نقاشات الجولة الثانية، انتقادات مارتين أوبري لمنافسها،

لكن في الآن نفسه سمع الكل نداء أوبري عقب فوز فرانسوا هولاند ودعوتها الجميع إلى الالتفاف حول مرشح الحزب.
الأمر هنا يتعلق حقيقة بأخلاقيات السياسة والعمل الحزبي، حيث أن الالتزام داخل حزب هو التزام بقناعات وأفكار ومبادئ وأهداف، وليس بسبب مطامح شخصية مهما كانت نبيلة ومشروعة، وهذا الالتزام الحزبي هو الذي يصنع قوة الحزب ومتانة حياته الداخلية.
يتفق الكل على أنه لا يمكن أن نصنع ديمقراطية أو حداثة سياسية ما لم ننجح في التوفر على أحزاب قوية، وعلى منظومة للعمل الحزبي تقوم على الالتزام والوعي والأخلاق، أما تكريس خطاب تبسيطي حول الأحزاب وحول حياتها الداخلية، وتشجيع الترحال، وتفريخ الدكاكين الحزبية، وترويج خطابات عدمية وتيئيسية ونافرة من كل شيء، فكل هذا لن يوصلنا إلا لمزيد من ترهل مشهدنا الحزبي، وتخلف حياتنا السياسية.
إن الإصرار على تقوية الأحزاب الجادة وتعزيز إشعاعها، يبقى من أبرز مهام المرحلة السياسية الحالية في بلادنا، ما يحتم العمل على تفادي تحويل الانتخابات المقبلة وما يسبقها من جدل داخلي وإعلامي، إلى وسيلة لتضييع فرصة تحقيق هذه الأهداف.
ومعركة الانتخابات، وأيضا معركة بناء المؤسسات التي ستفرزها الانتخابات، ومعركة مواصلة أوراش التغيير، كلها تتطلب اليوم وجود أحزاب قوية في تنظيمها، ومبدعة في أفكارها وبرامجها، ومستقلة في قرارها، وهذه مسؤولية مناضلاتها ومناضليها أولا.
عندما تتعدد الضربات التي تستهدف الأحزاب الجدية، وتتنوع أساليب الإفساد الانتخابي، وتكثر الممارسات الانحرافية، فإن التشبث بضرورة تقوية الأحزاب الحقيقية، وتعزيز وحدتها، وتفعيل إشعاعها، يصبح واجبا على المناضلين لخدمة مصلحة البلاد ومستقبلها الديمقراطي.
ومن جهة ثانية، فإن تطور الأحزاب الحقيقية لا يتحقق طبعا إلا بمزيد من الديمقراطية الداخلية، وبمزيد من الانفتاح، وبمزيد من الإشعاع والارتباط بالمحيط المجتمعي، كما أن النجاح في المعارك الانتخابية يساهم في فتح آفاق التقدم أمام الأحزاب، فالحزب الاشتراكي الفرنسي مثلا الذي نجح في عبور امتحان داخلي الأحد الماضي، وصنع بذلك الحدث الإعلامي والسياسي، هو نفسه الذي كان قد حقق نتائج هامة قبل أسابيع في مجلس الشيوخ، وتولى لأول مرة رئاسته بعد عقود طويلة في المعارضة، ولهذا فالنجاحات الانتخابية تساعد أحيانا على تجاوز المعضلات التنظيمية الداخلية، وتقوي الالتفاف الداخلي.
الجميع اليوم مسؤول عن إنجاح المرحلة السياسية الحالية في بلادنا، وعنوانها البارز الانتخابات المقبلة، ومناضلات ومناضلو الأحزاب الجادة أنفسهم مسؤولون عن ذلك من خلال رفع وتيرة وعيهم الحزبي، وتعبئتهم الداخلية كي تخوض أحزابهم هذه المعركة الديمقراطية بقوة وبإبداعية.

[email protected]

Top