الأحزاب فيها وفيها

تمطرنا الأجواء الانتخابية هذه الأيام بكثير من الأخبار والوقائع، وأيضا الحكايات والطرائف، وأيضا المنغصات، وهي كلها أشياء تستدعي اليوم الانتباه والتأمل واستخراج الخلاصات، والأساسي الانتباه إلى أهمية تحصين العملية الانتخابية من العودة إلى الممارسات السابقة.

ففي حين هناك أحزاب جادة منكبة على إعداد برامج انتخابية لعرضها على الناخبين كتعاقد وكالتزامات مقابل ثقتهم وتصويتهم، هناك كيانات تزعم أنها هيئات حزبية، وتجول هذه الأيام في منازل الناس، وتساومهم وتبتز أصواتهم، وتعبئ ميليشيات و»شناقة» لتأمين المقاعد.
وفي الوقت الذي نقرأ عن أحزاب قليلة تتحدث عن مساطر ومعايير لاختيار مرشحيها، ونقرأ حتى عن اختلافاتها الداخلية الطبيعية بشأن ذلك، ونتابع أخبار اجتماعاتها الداخلية وانعقاد هيئاتها التنظيمية الإقليمية والوطنية لإقرار قوائم المرشحات والمرشحين، فإننا في نفس الوقت نصدم لعودة عدد من أباطرة الفساد الانتخابي في مناطق معروفة في البلاد لمعانقة تزكيات بعض الدكاكين الحزبية، ومغادرة الجحور جريا وراء «الحصانة».
هي مؤشرات تؤكد اليوم أن الدستور الجديد، الذي ستوضع أحكامه وأفقه العام أمام أول اختبار حقيقي يوم 25 نونبر، يوجد بيننا من يرفضه، ومن يقاومه ومن يعمل على إجهاضه، وبالتالي دفع البلاد كلها دفعا نحو المجهول ونحو… الخلف.
إن من لا يتردد اليوم في توزيع التزكيات وحشد الفاسدين لفرضهم على شعبنا، لا يبالي لا  بدستور جديد ولا بسياق وطني أو إقليمي ولا بدقة المرحلة أو بخطورتها.
إن ما تشهده عديد مناطق هذه الأيام استعدادا لاستحقاق 25 نونبر يؤكد أن هناك أحزابا حقيقية وأخرى أخرجت للناس لتصنع في البلاد وفي أهلها العبث والتيه وكل الفساد.
مرة أخرى، إن دقة الظرفية وسياقاتها الوطنية والإقليمية لا زالت قائمة، وحتمية التغيير لا زالت بدورها حاجة قائمة، ولوبيات الفساد أيضا لا زالت موجودة وهي تقاوم التغيير، وتمنع المغرب أن يصنع ربيعه المتميز، ومن هنا الحاجة القصوى اليوم لتعبئة الكل، دولة وأحزابا جادة وإعلاما ومنظمات مجتمع مدني، لجعل الناس يكتسبون الثقة في المستقبل الديمقراطي لبلدهم، ويقبلون على الانخراط في الفعل الانتخابي والحزبي والسياسي، ولن يتم كل هذا إلا بإجراءات وإشارات ملموسة لتعزيز الثقة، ولتحصين الانتخابات المقبلة من المفسدين والسماسرة .
إن أخطر ما يهدد البلاد أن تجد نفسها بعد 25 نونبر رهينة جماعات الفاسدين وسماسرة الانتخابات، وأن تجد نفسها مكبلة بأحزاب هي عبارة عن تجمعات للفاسدين، أي أن تجد نفسها بلا … سياسة، وبلا أحزاب حقيقية وجادة وذات أفكار وقرار مستقل.

 

[email protected]

Top