غدا السبت سيتم الاحتفال باليوم العالمي للكذب، ويبدو أن هذا اليوم غير معترف به ببلادنا؛ فلحد اليوم ما زلنا لا نعرف كيف نحتفل به، لا بل هناك من يتحاشى تنظيم نشاط ما أو الإعلان عن حدث ما في هذا اليوم بالذات، خشية أن يتم ربطه بكذبة أبريل.
هناك من يعتقد أن الاحتفال بهذا اليوم يقتصر فقط على نشر بلاغ كاذب وانتظار ما سيخلفه من وقع على المتلقي، والإعلان في ما بعد على أن ذلك لا يعدو أن يكون احتفالا بكذبة أبريل.
ارتبط الأدب، الشعر على وجه الخصوص بالكذب، إلى حد أن العرب القدامى كانوا يقولون إن أعذب الشعر أكذبه، بمعنى أنك إذا أردت أن تثير إعجاب القارئ وتسليه كذلك، عليك أن توصل إليه أفكارا ووقائع وتشبيهات كاذبة ومبالغ فيها، ربما إذا سلمنا باستمرار جواز هذه الحقيقة، أمكن لنا القول إن اليوم العالمي للشعر كان ينبغي أن يتحدد موعده في فاتح أبريل وليس في الحادي والعشرين من شهر مارس، ويكون الاحتفال في صيغة تنظيم قراءات شعرية وإصدار دواوين شعرية كذلك ومناقشة كل ما يمت بصلة إلى الشعر، عوض نشر بلاغات كاذبة قد تثير البلبلة والتشويش في وسطنا الاجتماعي أكثر مما قد تبعث على التسلية أو أي شيء من هذا القبيل.
ما يتم ملاحظته في ما يخص علاقة الشعر بالكذب، أن بعض الأدباء الذين يبدعون في أجناس تعبيرية مختلفة، يفترض أن تكون صادقة، اعتبارا لطبيعة تجنيسها، من قبيل السيرة الذاتية أو أدب الرحلة أو المذكرات أو غيرها من الفنون الأدبية، نجدهم لا يترددون في اجتراح الكذب، ويمكن ملامسة ذلك بسهولة، من خلال الربط بين فقرات مؤلفاتهم، والتساؤل حول كيفية حدوث مصادفات مسترسلة، يراد بها جعل السارد حتى لا أقول المؤلف، بطلا لم يجُد الزمان بمثله.
وأنا أقرأ مذكرات كاتب مغربي سبق له أن زار مدينة إيطالية، اكتشفت أن الفصل التالي لمؤلفه ينقض بعض وقائع الفصل السابق، والظاهر أنه نسي أن ما كان يرويه لا يعدو أن يكون من نسج الخيال، وأنه كان عليه أن يكون حذرا، إنه ينطبق عليه المثل الدارج: الكذاب دعه إلى أن ينسي ثم اسأله، أو ذلك المثل الآخر القائل: اتبع الكذاب حتى باب الدار. هذه مذكرات كما هو معلن عنها في غلاف كتابه، إذن كان ينبغي أن تكون فعلا مذكرات وليست رواية.
هناك كذلك العديد من كتب أدب الرحلة، خاصة الكتب الصادرة حديثا، التي لم يعد مؤلفوها يخجلون من محاولة توهيم القارئ بأن ما يسردونه لا صلة له بأدب الرحلة، وأنه كان عليهم أن يضعوه في خانة الرواية أو القصة أو ما شابه ذلك، ويحظون تبعا لذلك بالاحترام والتقدير، عوض النفور من كل ما ينتجونه تحت مسمى أدب الرحلة؛ فابن بطوطة على سبيل المثال عندما وثق رحلته الطويلة، كان صادقا، وقد تأكد ذلك لدى الباحثين والمحققين الذين اقتفوا أثر خارطة طريق رحلته.
اليوم العالمي للكذب في وسطنا الثقافي، ما يزال في حاجة إلى صيغة معينة للاحتفال به، وليس العمل ما أمكن على تحاشيه كما هو حاصل حتى وقتنا الراهن.
عبد العالي بركات