يختار الأطفال عالم الألعاب الإلكترونية من أجل التسلية والترفيه، ويتيهون بين أنواعها وأشكالها، ويجنون استمتاعا ونشوة لها درجاتها قد تصل حد الهوس والإدمان المرضي بها.
لا تحتاج لجهاز قارئ مثل البلايستيشن أو الاكس بوكس من أجل تشغيل لعبة معينة، كما لا تحتاج أيضا لدفع ثمنها بل هي متوفرة بالمجان، فقط تكفيك نقرة زر واحدة بمتجر الألعاب والتطبيقات وهاهي على الهاتف، حتى الانخراط فيها ليس بالأمر الصعب. ثواني قليلة وسوف تبدأ أول معركة افتراضية لك ضد مجهولين من مختلف بقاع العالم.
«الجلاد» «المحارب» «السفاح»، هي أسماء ذات طابع عنيف يسمي بها اللاعب شخصيته داخل اللعبة، التي تلعب اونلاين رفقة متسابقين آخرين متواجدين لنفس الهدف.
كلما قتلت أكثر كسبت نقاطا أكثر، هذا هو شعار لعبتي «بابجي» و»فري فاير» الاليكترونيتين، قتل وعنف، حرب وهمية لكنها بالنسبة للأطفال لها صبغة واقعية.
ألعاب افتراضية تستدرج الأطفال الى نفق مظلم
في أحد أزقة حي الحسني بالدار البيضاء وبعيون جاحظة ورؤوس مطأطأة على الهواتف، يجلس أطفال على عتبة منزل مجتمعين ومترقبين بتمعن أحداث معركة يخوضها صديقهم بلهفة.
من بعيد يسمع أنين الرصاص وكأنك فوق أطلال مدينة حربية، تظهر على محياهم علامات السعادة وتتعالى أصوات صيحاتهم أثناء فوز صديقهم في اللعبة، ثم يتبادلون الأدوار أو يلعبون جنبا إلى جنب كفريق داخل هذه اللعبة.
وفي تصريح لجريدة بيان اليوم أكد الطفل أسامة (10 سنوات) وهو أحد أولئك الأطفال أنه يشعر بالسعادة والمرح عندما يلعب لعبة «بابجي»، قائلا «مكاين مايدار»، موضحا أن هذه الجائحة والحجر الصحي الإلزامي داخل المنازل جعلهم يشعرون بالملل والبحث عن المتعة والتسلية وهو ما توفره لهم هذه الألعاب.
الأبناء خارج قبضة أولياء الأمور
يحاول أولياء الأمور تلبية طلبات أطفالهم، وذلك بهدف إسعادهم ولكن أحيانا قد تنقلب الطاولة عليهم وينتهي بهم المطاف إلى إيذائهم عوض إرضائهم. يشترون لهم هواتف ذكية لغرض التسلية والتباهي بها بين أقرانهم، لكن هذه الهواتف هي سيف ذو حدين تستدعي المراقبة والمواكبة طيلة الوقت لتفادي عواقب قد تكون تداعياتها وخيمة.
سعيد (50 سنة) وهو أب لطفلين، يوضح لجريدة بيان اليوم أسباب فقدان سيطرته على أطفاله، وقال إن هذه الألعاب غيرت من سلوكياتهم وتربيتهم حيث فقدوا التركيز على دراستهم وأصبحوا ذوي ميولات عنيفة تحاكي هذه الألعاب.
كما يشير حسن إلى أن التحكم والسيطرة على الأطفال في مرحلة متأخرة تجعله أمرا مستعصيا عليهم بسبب ظهور بوادر الإدمان على أطفالهم وقال إن سلبهم الهواتف ليس حلا ناجعا لأنهم يلعبونها مع أطفال آخرين خارج المنزل وسلبهم الهواتف يزيد الطين بلة وقد يتسبب في أزمات نفسية صعبة.
إدمان حاد وفقدان للوظيفة
من قال إن الألعاب يمارسها الأطفال فقط، فالراشدون والبالغون ذوو العقول الناضجة لم يسلموا من جاذبية وإغراءات هذه الألعاب، التي تدس لهم سما قاتلا لا يرى بالعين المجردة، تتحكم فيهم مثل الكراكيز منكبين ومنهمكين فقط في اللعب والانغماس داخل عالم وأجواء افتراضية ووهمية، لا يهم أين يلعبها صاحبها، في المنزل أم في المقهى أم خلال عبوره شارعا أو زقاق، المهم أن يبقى متصلا بالأنترنيت.
هذه الألعاب لديها طرق وأساليب لتقييد لاعبها بالسلاسل إن صح القول، تقدم له تحفيزات وهدايا لجعله يرغب مرارا وتكرارا في اللعب.
الدقائق والساعات هي مجرد ثواني داخلها، لن تشعر بمرورها ولا حتى بما يحدث في محيطك وقد يخسر مستعملها أشياء ثمينة في عالمه الواقعي مقابل مجوهرات لن تستطيع حتى لمسها، فقط النظر إليها بشراهة، فهي مجرد صور داخل جهاز إلكتروني قابل للتلف.
حمزة شاب يبلغ من العمر 26 سنة، يعمل في متجر لبيع الأثواب ومعدات الخياطة وفي تصريح لجريدة بيان اليوم، يتحدث حمزة وبنبرة حزينة :»خرجت على راسي»… خسرت وظيفتي بسبب هذه اللعبة التي كانت تأخذ حيزا كبيرا من وقتي، ألعبها بعد خروجي من العمل وأستمر في اللعب حتى أسمع آذان الفجر، شعرت بأنني قد سقطت في فخ ادمانها وبدأت المتاعب والمصائب تسقط على رأسي تباعا، أولها علاقتي مع أبي وأمي التي تدهورت شيئا فشيئا حيث بدأت أتواصل معهم بعصبية ونرفزة وردود فعل غير مبررة بعدها لم أعد أشعر بالنوم، وبسبب كثرة الاضطرابات المشاكل الصحية والنفسية التي كنت أعاني منها، خسرت الوظيفة الوحيدة التي كنت أعيل بها عائلتي، لم أكسب شيئا من هذه اللعبة سوى الكآبة والحزن، كيف لا… و قد دمرت حياتي و حياة من معي.
إهمال للأسرة وضياع للمال
أما بالنسبة لمحمد والبالغ من العمر 45 سنة، اعتبر تجربته رفقة لعبة «فري فاير» تجربة فريدة من نوعها مرت بثلاثة مراحل.
أول ملامسة له لهذه اللعبة كانت بسبب أحد الأصدقاء، الذي كان بدوره يلعبها فقبل سنتين وكانت هي المرحلة الأولى، يقول محمد إنه أضحى يلعب هذه اللعبة، بشكل مفرط وهستيري وبطريقة لا إرادية جعلت منه شخصا مدمنا يجلس أمام شاشة الهاتف من 6 ساعات إلى 12 ساعة يوميا.
كما أثرت خيوط هذه اللعبة على شبكته الاجتماعية حيث أصبح يجتمع فقط مع من يلعبها ولا حديث إلا حول الأسلحة ونقاط الفوز والهزيمة.
إفراطه وروتينه اليومي المتقلب وغير المنظم هذا، جعله يهمل أسرته، حسب تصريحه، كما تصادفه مشاكل في العمل يوميا بسبب هذه اللعبة، ما دفعه إلى تعطيل المكالمات ورسائل «الوتساب» على الهاتف، حتى يتمكن من الظفر بوقت كافي للعبته ويلعب بأريحية تامة، هذه الأريحية ترتبت عنها عدة إنذارات من طرف رؤسائه في العمل، لكنه خارج نطاق الوعي تماما لم يعطي للأمر أهمية، ولم يكتفي فقط بهذا بل قام أيضا بشراء ما يزيد عن 5000 درهم من مقتنيات اللعبة في ظرف سنة.
ممارسته اليومية للعبة «فري فاير» وبدون توقف ساعة تلو الأخرى تسببت له بنقص في النظر وعزلة اجتماعية خاصة تجاه أفراد عائلته، وبعصبية شديدة أضحت تتغلغل في جسده، اكتشف أنه مدمن ولم يبقى له خيارا أو حلا ناجعا للحد من الأضرار التي تزحف به إلى خط الهلاك، حتى قرر في أحد الأيام حذف اللعبة.. وبعد شهرين تقريبا من إزالته لها بدأ يشعر بتحسن كبير صحيا واجتماعيا وعادت علاقته مع عائلته واهتماماته الشخصية إلى سكتها الصحيحة.
محمد لم تمنعه هذه المشاكل والتجارب المؤلمة والقاسية التي مر منها من خوض غمار اللعبة مرة أخرى ولكن هذه المرة بعقلانية أكثر حيث لم يعد يلعبها كما في الماضي أصبح يفارقها لمدة يومين وأحيانا أخرى تصبح آخر اهتماماته.
ويخلص قائلا: «صراحة لعبة خطيرة ومدمرة ويصعب التحكم في الإدمان بها وأعرف أصدقاء كثر وصلوا في حياتهم الزوجية إلى عتبة الطلاق بسبب هذه اللعبة».
> إنجاز عبد الصمد ادنيدن / رضا إد القاضي / إناس الدوا