البديل الديموقراطي التقدمي

الدورة العاشرة للجنة المركزية لحزب التقدم والاشتراكية، والتي خصصت للمصادقة على الوثائق المرجعية الموجهة للمؤتمر الوطني الحادي عشر المرتقب في نونبر المقبل، لم يكن الأساسي فيها هو المقررات الإجرائية والمسطرية والتنظيمية ذات الصلة بالإعداد للمؤتمر فقط، ولكن، قبل ذلك، الأهم هو أن التقدم والاشتراكية، مرة أخرى، يبرز كحزب جاد وقوة اقتراحية مجتهدة، ونجحت لجنته المركزية، خلال الدورة التي أقيمت يوم السبت بالرباط، في تقديم أطروحة سياسية وبرنامجية محكمة ومتكاملة، وضعتها تحت عنوان كبير هو: (البديل الديموقراطي التقدمي)، وتعرضها اليوم للحوار العمومي من لدن كل المعنيين بواقع بلادنا وشعبنا ومستقبلهما.
هذه الوثيقة السياسية والفكرية، لم يتكلف بإعدادها مكتب دراسات، وليست كاتالوغ فرضته لحظة المؤتمر وموجباته الشكلية، ولكنه نتاج جهد المناضلات والمناضلين وتفكيرهم عبر عديد اجتماعات ومناقشات، أي أن الحزب أصلا أسس حوارا داخليا واسعا، وسجالا مع ذاته الفكرية والسياسية، ونجم عن كل ذلك أطروحة يعرضها أمام كل المنشغلين بالعمل النضالي والسياسي، والمهتمين بمستقبل البلاد.
لقد دأب حزب التقدم والاشتراكية مذ كان على الإصرار على التفاؤل، ويؤمن أن دوره هو إشعاع الأمل أمام شعبنا، ويرفض دائما التيئيس والعدمية والاستسلام، وهذا هو سر استمراره كحزب وطني يساري تقدمي منذ حوالي ثمانين سنة، كما أن تحاليله وأطروحاته ورؤاه لم تكن تبنى على الاستسهال، ولكنها كانت تصدر عن جهد فكري وتحليلي خلاق، وتتسم بالكثير من الجدية في المنهجية والاتساق والمضمون والأفق.
وحتى البلاغات التي كانت تصدر عن الاجتماعات الأسبوعية للمكتب السياسي للحزب بقيت دائما تصاغ بالكثير من الدقة والجد.
وتبعا لذلك، يتميز الحزب دائما بالحرص الشديد على إحكام الصياغات ومنهجية التحليل في مختلف أدبياته وبلاغاته، وضمن ذلك، ما أقرته الدورة الأخيرة للجنته المركزية.
التقدم والاشتراكية، وهو يستعد لعقد مؤتمره الوطني الحادي عشر، يتوقف، في البديل الذي يعرضه، عند هويته الفكرية اليسارية التقدمية، ويطرح رؤاه المختلفة انطلاقا من ذلك.
وفي هذا هو يصر على رفض الالتباس، ويعتبر أن ما تواجهه بلادنا والعالم من تحديات وتحولات عميقة تفرض إعادة التفكير في المنطلقات والمرجعيات، أي في سؤال السياسة.
ليس في هذا الانتصار للوضوح الفكري أي انغلاق في النكوصية أو إمساك بالجمود، ولكنه، بدا ذلك، هو  إمساك بالقيم التي برزت اليوم في قلب الانشغال الإنساني الكوني، والتي تعني التقدم والعدالة الإجتماعية ومحورية الإنسان والمساواة ودور الدولة وغير ذلك، وهي كلها تطلعات للإنسانية، وضمن ذلك هي أيضا تطلعات شعبنا المغربي، ولا بد أن لها مرجعية وعنوانا في المنطلق الفكري، ويجب إبرازه اليوم، والاجتهاد لصياغة معالمه الراهنة.
أمام ما يجري في العالم اليوم، وأمام تدني ثقة فئات واسعة من شعبنا في العمل السياسي، وفي ظل صعوبة الظروف الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية، وانتشار القلق تجاه المستقبل، فإن اليسار مدعو  لصياغة جواب متكامل، وإبداع المداخل المناسبة للتأثير في موازين القوى وخدمة شعبنا وبلادنا، وهذا ما يسعى حزب التقدم والاشتراكية اليوم إلى الاجتهاد بشأنه، ويعرض رؤيته لذلك من خلال وثيقة مؤتمره الحادي عشر، ويتطلع إلى حوار سياسي عمومي واسع بخصوصها من أجل الإغناء والتفاعل، وبغاية إنقاذ ممارستنا السياسية من التدني، والارتقاء بها إلى الحوار حول الأفكار والمخارج والحلول والتصورات.
أما حزب التقدم والاشتراكية، فهو، وفضلا عن هذا الطرح السياسي والفكري الذي يعرضه أمام مناضلاته ومناضليه، وأمام الطبقة السياسية والرأي العام الوطني، يواصل كذلك محاورة ذاته التنظيمية، ويدرك أنه، كما القوى السياسية الأخرى، يواجه تحديات ومشكلات ذاتية وموضوعية، وهو مطالب بصياغة الأجوبة المناسبة لتجاوزها أو التخفيف من حدتها، وذلك حتى يستطيع الاستمرار والتقدم لإنجاز مهماته التأطيرية والسياسية والمجتمعية.
الدينامية العامة المواكبة لمسلسل التحضير للمؤتمر الوطني على الصعيد التنظيمي الداخلي تندرج بالذات ضمن هذا الوعي الحزبي بالحاجة إلى حل تجليات الضعف والنقص وتجاوزها، والانطلاق من ذلك لبناء تنظيم حزبي محكم ومتقدم.
لا شك أن مصادقة اللجنة المركزية بإجماع أعضائها ومكوناتها على مختلف وثائق المؤتمر التي عرضت أمامها تكشف عن وعي جماعي بأهمية تحقيق التحول الإيجابي، وتبرز رسالة قوية على أن الوقت هو وقت العمل والتصدي للتحديات الجوهرية، ولم يعد مسموحا الانشغال بالحسابات البسيطة والعقيمة.

<محتات‭ ‬الرقاص

[email protected]

Related posts

Top