إن بناء رأس مال بشري أقوى من شأنه أن يسرع وتيرة النمو الاقتصادي ومسار خلق الوظائف وتحسن القدرة التنافسية بالمغرب. وفي عام 2018، ذهبت التقديرات إلى أن رأس المال البشري قد ساهم في نصيب الفرد من الثروة في المغرب بنحو 41%، وهي نسبة أقل بكثير من بلدان ذات مستوى مماثل من التنمية.
يتيح مؤشر البنك الدولي لرأس المال البشري المُحدث فرصة للبلدان لتقييم مدى التقدم الذي أحرزته في تكوين رأس المال البشري. ورغم أن المؤشر لا يرصد التأثيرات الفورية لفيروس كورونا (كوفيد-19) على رأس المال البشري، ما من شك في أن تأثير هذه الجائحة سيكون محسوسا في القطاعات الأساسية، مثل التعليم.
وباستخدام مؤشر أداء قطاع التعليم كمرجع للتقييم، ستتمكن بلدان مثل المغرب من تتبع آثار الجائحة على تنمية رأس المال البشري، وتوظيف هذه المعلومات في تصميم أنسب التدابير لمواكبة التلاميذ والاستثمار فيهم أثناء الجائحة وبعد انحسارها.
وتكشف نتائج مؤشر البنك الدولي لرأس المال البشري لعام 2020 أن البلدان على مستوى العالم قد زادت من درجات أدائها على صعيد رأس المال البشري بنسبة 5% في المتوسط خلال العقد الماضي. وتظهر بيانات عام 2010 أن أداء المغرب كان أعلى بنسبة 6%، وأن السبب في الغالب يكمن في التحسينات التي أدخلها على التعليم (انظر الرسم البياني). وباعتباره مساهما أساسيا في رأس المال البشري، تمثل نواتج التعلُّم أحد أفضل عوامل التنبؤ بالنمو المستدام والحد من الفقر. وفي حين أن هذا الأمر مشجع، فإن ثمة تحديات مهمة تظل قائمة فيما يتعلق بجودة التعليم والإنصاف وأداء القطاع بشكل عام.
حتى قبل اندلاع هذه الأزمة، كان المغرب يواجه مصاعب للبقاء على المسار الصحيح للوفاء بأهداف 2030 من أجل توفير التعليم الجيد المنصف والشامل للجميع وتعزيز فرص التعلّم مدى الحياة للجميع (الهدف الرابع من أهداف التنمية المستدامة.) في عام 2019، كان 66% من الأطفال الذين بلغوا العاشرة من العمر لا يستطيعون قراءة أو استيعاب نص بسيط، وهو تقدير أقل بنسبة 2.5 نقطة مئوية عن المتوسط الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وأقل بنسبة 10.7 نقاط مئوية عن متوسطه في بلدان الشريحة الدنيا من البلدان متوسطة الدخل.
وفي 2018، قُدرت سنوات تمدرس التلاميذ المغاربة المصححة بمستوى التعلم الفعلي بـ 6.2 سنة.. بمعنى آخر، عندما كان يتم تعديل عدد سنوات التعليم الحقيقية وفقا لمقدار التعلُّم الذي تم تحصيله بالفعل في المغرب، كان متوسط سنوات التعليم الناتجة أقل بنحو 4.4 أعوام عن عدد السنوات الحقيقية. ويعكس هذا أزمة التعلُّم التي يواجهها المغربكما هو الحال في العديد من بلدان العالم ، والحاجة الملحة إلى تحسين أداء نظام التعليم بما يضمن حصول الجميع على المهارات الأساسية الضرورية للإسهام كمواطنين في المجتمع واقتصاده.
وقد أخذت حكومة المغرب على عاتقها المضي قدما في إصلاح التعليم لتحسين أداء القطاع في خطة رؤيتها للتعليم للفترة من 2015 إلى 2030. وللشروع في الإصلاحات المعقدة التي يتعين القيام بها أطلق المغرب القانون الإطار 51.17 عام 2019، والذي وضع التعلُّم في الصميم بالتصدي للأسباب الآنية والأعمق لأزمة التعلّم في البلاد. وقدم البنك الدولي للمغرب قرضا بقيمة 500 مليون دولار (في إطار برنامج دعم التعليم بناء على النتائج) لمساندة جهود الحكومة من خلال التركيز على تحسين نواتج التعلُّم والحكامة الرشيدة للقطاع.
إلا أن أزمة كورونا تهدد بزيادة تقويض نواتج التعليم في البلاد. إذ أدت تدابير الإغلاق، بما في ذلك إغلاق المدارس، إلى فقدان ثلاثة أشهر على الأقل من التعلُّم لنحو 900 ألف طفل في مرحلة الروضة، و8 ملايين تلميذ بالمرحلة الابتدائية والثانوية، وحوالي مليون طالب في التعليم العالي.
وتظهر تقديرات نماذج المحاكاة التي وضعها البنك الدولي أن الأضرار الناجمة عن أزمة التعلُّم قد تكون أوسع نطاقا حيث ستؤدي إلى تآكل النمو والحد من الفقر في المغرب. ويقول تقرير للبنك الدولي بعنوان “محاكاة تأثيرات فيروس كورونا على نواتج التعلُّم والتعليم”، إنه بدون اتخاذ إجراءات مناسبة للتعويض عن الخسارة في التعلُّم، فإن إغلاق المؤسسات التعليمية لمدة ثلاثة أشهر والصدمة الاقتصادية التي مازالت تتكشف أبعادها يمكن أن يقلص فعالية التعلّم الذي يكتسبه الطالب- من 6.2 أعوام إلى 5.9 أعوام- كما يمكن أن يخفض متوسط التعلم السنوي بنسبة 2% لكل تلميذ.
ويؤثر إغلاق المدارس بدرجة أكبر على أغلب التلاميذ الأكثر احتياجا، خاصة من يعدمون الخدمات الرقمية والإنترنت الضروري للتعلُّم عن بُعد. وقد كانت وزارة التربية الوطنية سباقة في تقليص خسائر التعلّم خلال الأزمة إلى أقل حد ممكن، بيد أن صعوبة حصول بعض التلاميذ على وسائل التعلّم عن بُعد قد يوسع فجوة المساواة في التعليم.
النظر إلى ما بعد منحنى جائحة كورونا
رغم ضيق ذات اليد، سيحتاج المغرب إلى تأمين الإنفاق على التعليم للحد من انتقال الفقر من جيل إلى آخر. ويمكن أن تستمر الاستجابة في التركيز على أهداف 2015-2030 من خلال الاستفادة من دروس أزمة كورونا من أجل تسريع وتيرة إصلاح التعليم. وفي الوقت نفسه، يمكن النظر في الاستراتيجيات التالية:
• التعلم بصفة حضورية إن أمكن: من المهم إبقاء المدارس مفتوحة، حيثما أمكن، وفي ظل تدابير صحية صارمة، من أجل إعطاء الطلاب أفضل فرصة للتعلم وسد الفجوات.
• مكافحة التسرب: للحد من مخاطر التسرب الدراسي، من المهم تنظيم حملات للتوعية والنظر في إمكانية تقديم حوافز مالية وغير مالية، عبر تقديم تحويلات نقدية و دروس التقوية.
• التطوير المهني للمعلمين: الارتقاء بقدرات المعلم هو عنصر أساسي لا يقل أهمية عن النأي بعيدا عن أسلوب الحفظ، إذ إن التلاميذ في حاجة حاليا إلى تنمية مهاراتهم الرقمية والتكيف مع تقنيات التدريس عن بُعد.
• بناء الشراكات بين القطاعين العام والخاص لتحسين فرص حصول الجميع على التعليم الجيد: رغم محدودية استخدام الشراكة بين القطاعين العام والخاص في المغرب، إلا أن الجائحة أسرعت من وتيرة اللجوء إلى هذا النوع من الشراكة : فأثناء فترة إغلاق المدارس ، دخلت وزارة التربية الوطنية في شراكة مع موفري الشبكات وغيرهم من المهنيين لتعزيز البنية التحتية الرقمية مع تحديث منصات التدريس والتوصيل عبر الإنترنت. ومن شأن ذلك أن يخط مسارا لمستقبل التعليم في المغرب، وأن يشكل عامل تغيير على درب الوفاء بأهداف التنمية المستدامة.
• تبني أساليب جديدة لتسريع وتيرة الإصلاحات: في الوقت الذي تهدد فيه الأزمة تعليم الملايين، فإنها تتيح أيضا فرصة للقطاع لكي يصلح نفسه. من خلال التدخلات الموجهة بشكل جيد ، والتي تركز على الأطفال المعرضين للخطر، يمكن للمغرب تسريع تحقيق العديد من أهدافه مثل تعميم التعليم قبل الابتدائي بحلول عام 2028 للأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 4 و 5 سنوات، وتحسين جودة التعليم وتعزيز المساءلة على طول سلسلة تقديم خدمات التعليم ، بالاعتماد على الأساليب المبتكرة القائمة على المعطيات.
• من خلال التحالفات الدولية الاستراتيجية لاستغلال إمكانيات التعاون في مجال الابتكار وتبادل الممارسات الجيدة، يمكن للمغرب أن يستفيد من الخبرة والميزة النسبية التي تتمتع بها المنظمات الدولية الثنائية ومتعددة الأطراف في مجال المعرفة العالمية.
إن هذه الإجراءات التدخلية مهمة لدعم قدرات تلاميذ المستقبل في المغرب أثناء الجائحة وبعدها. ستؤدي الأزمة بلا شك إلى استنزاف الموارد ؛ ولذلك ، من الضروري للمغرب أن يحافظ على الزخم من خلال الاستمرار في الاستثمار في رأس المال البشري وبناء نظام تعليمي قادر على الصمود.