التحالفات

شرعت أحزاب الكتلة الديمقراطية وأيضا بعض القوى اليسارية في عقد اجتماعات تشاورية فيما بينها، وموازاة مع ذلك أعلن مؤخرا عن «التحالف الرباعي» لأحزاب اليمين الإداري، وهذه التطورات وغيرها تطرح اليوم مسألة التحالفات الحزبية في فضائنا السياسي الوطني. بالنسبة لحزب التقدم والاشتراكية شكلت التحالفات دائما محورا بارزا في تنظيره السياسي والفكري، واعتبرها باستمرار اختيارا استراتيجيا، قناعة منه أن منظومتنا الانتخابية والسياسية لا تسمح لحزب واحد بنيل الأغلبية لمفرده، واعتبارا أيضا لكون تقدم المسار الديمقراطي في حاجة إلى تكتل القوى الوطنية ذات المصداقية والتاريخ من أجل حماية المكاسب والعمل على تقوية بنائنا الديمقراطي والتنموي، ومن ثم يحدد الحزب دائرة تحالفاته في «الكتلة الديمقراطية» وأحزاب اليسار، وكل القوى الديمقراطية والحداثية بحسب تحديات المرحلة التاريخية.
واليوم، عندما تؤسس البلاد لانطلاقة سياسية جديدة، ويرفع شعار الحرص كي تستعيد السياسة نبلها، فإن التكتل الأكثر جدية ومصداقية لقيادة التغيير، يبقى هو الكتلة الديمقراطية، بدعم وإسناد من القوى اليسارية الديمقراطية العقلانية، وفي انفتاح على كل الديمقراطيين والحداثيين.
وفي مقابل هذا الاصطفاف، فإن تجميع قوى اليمين الإداري يعتبر اصطفافا ضد منطق التاريخ، فهي الأطراف نفسها التي دبرت أمور البلاد في الزمن الماضي، وكادت توصلها إلى السكتة القلبية، وهي ذاتها التي جاء التغيير من أجل القطع مع سياساتها وبرامجها، وهي كذلك التي كانت صور عدد من رموزها ترفع في لافتات الاحتجاجات الشعبية والشبابية، ويطلب منها الرحيل.. وإن الإصرار اليوم على إعادتها إلى الواجهة، وإعدادها للاستفراد بشؤون البلد، يعتبر ضحكا على كل هذه الأصوات المحتجة، ورفضا لمطالبها، وبالتالي دفعا للبلاد نحو المجهول.
ومن جهة أخرى، فإن هذا التنطع الذي يمارسه اللوبي الرجعي الجامد، يؤكد كم أن الديمقراطية في حاجة مستمرة إلى الحماية والتحصين واليقظة، وهنا مسؤولية الأحزاب الوطنية الديمقراطية بالذات.
الكتلة الديمقراطية مطالبة اليوم باستحضار هذه المهمة الوطنية، وتجاوز أعطاب الذات ومنغلقات الحسابات الضيقة، لمعانقة البعد الاستراتيجي والوطني في عملها، ولن يتم ذلك إلا بوحدتها وبقوة تكتلها، وأيضا بتيسير تجددها وانفتاحها على قوى اليسار وكل قوى الديمقراطية والحداثة.
والمسؤولية ذاتها تتحملها أحزاب اليسار اليوم، من حيث حاجتها إلى تواضع الذات، والاجتهاد في قراءة شروط المرحلة، وإلى عدم توجيه العداء إلى الجهة الخطأ، وبالتالي  بلورة خطوات نحو تجميع أوسع عدد من المدافعين عن الإصلاح والديمقراطية، في إطار جبهة وطنية تقدمية تقف ضد الفساد، وتسعى إلى تنزيل ديمقراطي لمقتضيات الدستور الجديد، وتجعل نتائج الانتخابات المقبلة في صالح قوى الإصلاح والنزاهة.
[email protected]

Top