التشكيلي يوسف فنينو في مهرجان العرائش للفنون

شارك الفنان التشكيلي الشاب يوسف فنينو ضمن فعاليات الدورة السابعة لمهرجان العرائش للثقافة والفنون والتراث المقام مؤخرا تحت شعار:  “جهات المملكة جذور تراثية و جسور ثقافية للوحدة الافريقية “، كما ساهم في الأنشطة الثقافية والفنية المنظمة تحت إشراف جمعية القناص القطرية .
من قلب المدينة العتيقة بالدار البيضاء، يطالعنا اسم هذا الفنان التشكيلي ومصمم الأزياء الإبداعية، منصتا بعمق وروية لدواخله ومخلصا لأسئلته القلقة حول المجتمع والوجود. منذ طفولته الحالمة وهذا الفنان الصموت مولع بالتقاط ما ينطبع في مخيلته البصرية المبكرة بحس تلقائي.
ارتاد مؤخرا مغامرة نحت لغة تشكيلية خاصة به تزاوج بشكل سلس وبليغ بين التجريدية الإيحائية والغرائبية الرمزية خارج دوائر التعبير المباشر ودروب الاستشراق الفني المسدودة. في إطار مشاركاته المذكورة، قدم الفنان يوسف فنينو لوحات فنية مستوحاة من ذخائر ومعالم فن الملابس الأصيلة والعريقة بتنسيق مع الفنانة المصممة لبنى العش، عضوة جمعية الإبرة الذهبية. حول هذا الاسهام النوعي، يقول: ” سعيد بالمشاركة في ضيافة المهرجان السابع للعرائش إلى جانب القائمين على أنشطة جمعية القناص القطرية و عدد من الفنانين المبدعين والفاعلين الجمعويين بمناسبة عيد العرش المجيد. يطيب لي في هذا الإطار ان أشكر الفنانة لبنى العش التي اتاحت لي فرصة المساهمة النوعية في انجاح فعاليات هذه التظاهرة الفنية المنفردة. فأنا حريص على مواصلة مساري الفني منذ عرضي الأول عام2004 بالمركب الثقافي سيدي بليوط، حيث قدمت لوحات فنية حافلة بالإيحاءات التجريدية ذات البعد التعبيري البليغ. فأنا أميل الى الفن الرمزي بعد تجريب عدة اساليب ابداعية من تكعيبية، وواقعية وانطباعية “.
لقد تمكن يوسف فنينو من تأثيث فضاء تشكيلي وحكائي مقدما إياه كحساسية ذاتية منفتحة باستمرار على غرائبية الشكل وانزياح الصورة عن المعطيات البصرية المألوفة (الخط، الزخرفة، الالتقاط الفوتوغرافي، التسجيل السردي).
فهذا المبدع الوجودي المعروف بلوحاته التجريدية الغنائية، يؤسس تجربته التشكيلية البوحية على التأويل في أبعاده المألوفة والغريبة في الآن ذاته، مجسدا على طريقة التعبيريين مفارقاته الذاتية والعلائقية. يقول عن تصوره العام للفعل الإبداعي: “مارست الكتابة والتشكيل معا ، وتعلمت عدة مدارس منها التكعيبية والتجريدية. أبجديات الممارسة التشكيلية تعلمتها على يد أبي الفنان القدير فنينو عبدالله وكذا على يد الفنان والأستاذ عز الدين الخوري من مدينة الصويرة. بفضل أبي تعلمت عدة تقنيات وظفتها في لوحاتي ذات الألوان المتفتحة (أزرق وأصفر وأخضر)، أما الفنان الخوري فكان يرافقني أثناء عملي في الورشة كأنها عالم آخر،إذ تلقيت عدة مهارات ابداعية في احضان الطبيعة والسكون بعيد عن ضجيج المدينة. فالفنان كالشاعر يهرب إلى الطبيعة من أجل إفراغ ما بدواخله. شاركت في عدة معارض دولية معترف بها من طرف وزارة الثقافة والاتصال تكريما لمجموعة من الفنانين الرواد، وحصلت على عدة شواهد تقديرية وجوائزتحفيزية. إن الفن بالنسبة لي جزء لا يتجزأ من حياتي اليومية، فكلما أتيح لي فراغ أتمرن في ورشة أبي لمدة ثلاث ساعات متتالية. ينكب حاليا الكاتب محاسين يوسف على تأليف مسيرتي الفنية في شكل مونوغرافيا شاملة بالنص والصورة”.
إلى جانب هذا المدى الوجودي القلق، حرص يوسف فنينو على تشكيل هوية بصرية تحمل انطباعاته العامة حول الواقع المحيط به، مكتشفا إمبراطورية الحركة التجريدية .
عندما نرصد أعماله التعبيرية نستشف الولع الكيميائي بالمادة وتفاعلات اللون، حيث افتتان التجربة التصويرية بمشهدة التركيبات الانزياحية ذات القوة الإبلاغية الصادمة. ألسنا، هاهنا، بصدد تحليق بدون أجنحة في تخوم الذات الباحثة عن جمالية افتراضية للتلاقح والتصادي مع الآخر؟ ألا يحاول الفنان في فصوص مراقيه التشكيلية بلورة علاقة استبطانية مع الكائنات والأشياء بروح مفعمة بقلق السريرة وهواجس الطوية؟
تراهن تجربة فنينو على ملكة الاكتشاف ضد نزعة الفهم بكل إكراهاتها الاستهلاكية السائدة. فالفنان يحلل مواضيعه ويخضعها لتفكيكات بنيوية داخلية باحثا عن الجذور لأنه يؤمن جيدا بأن هناك دوما شيئا جينيالوجيا داخل الشجرة، وهذا ما يفسر اشتغاله الوظيفي والجمالي على لغة التشكيل كواقعة سحرية لا نمطية فجة. ألم يكتب إيلفاس ليفي: «ليس ثمة غير معتقد وحيد في السحر هو أن المرئي تمظهر للامرئي».
على عتبة لوحاته التعبيرية الرمزية، نقف حائرين أمام وحدة الشكل في إطار تعدديته بناء على تذويت الاختيارات المسلكية التي تصالح بين ذوق الحواس وذوق التفكير وتعمق انخراط الاستهلاك الجمالي داخل عالم الاستهلاك العادي. أليس الأمر دعوة لإعادة التفكير في الجمالية العالمة التي تخلص ذوقنا من الأحكام المسبقة؟
تتجاوز هذه النظرة الخالصة كل رؤية أخلاقية وتستدعي «العين» كنتاج تاريخي يعاد إنتاجه بفعل التربية على حد تعبير بيير بورديو. لوحاته مرايا لتأمل معاني الوجود خارج لعبة الأشكال والألوان، فهو يؤسس لواقعية عجائبية انطلاقا من رؤية حلمية تستدعي الاستيهامات والتهجينات على أثر التعبيريين التجريديين .
 بقلم: عبد الحق منصف

Related posts

Top