التغير المناخي بات يمثل “أكبر تهديد أمني” على العالم

أظهر استطلاع حديث لمركز “بيو ريسيرش للأبحاث” أن التغير المناخي يحتل صدارة المخاوف الأمنية يليه إرهاب تنظيم داعش والهجمات الإلكترونية، في حين أبدى مشاركون في عدد متزايد من الدول قلقهم، من قوة ونفوذ الولايات المتحدة.
وقال المركز الذي مقره واشنطن إن الناس في 13 دولة من بين 26 دولة اعتبروا التغير المناخي أكبر تهديد عالمي، مع تصدر تنظيم داعش القائمة في ثماني دول، والهجمات الإلكترونية في أربع دول.
وأوضح الاستطلاع الذي شمل أكثر من 27 ألف شخص، وأجري فيما بين شهري ماي وغشت 2018، أن المخاوف من التغير المناخي زادت بشكل كبير منذ عام 2013، مع زيادة كبيرة في دول من بينها الولايات المتحدة والمكسيك وفرنسا وبريطانيا وكينيا.
ومثل البرنامج النووي الكوري الشمالي والاقتصاد العالمي مصدر قلق كبير أيضا، في حين أشار المستجوبون الذين شملهم الاستطلاع في بولندا إلى القوة والنفوذ الروسيين بوصفهما أكبر تهديد.
وتركز أكبر تحول في التوجهات على الولايات المتحدة، مع إشارة 45% في المتوسط إلى قوة ونفوذ الولايات المتحدة بوصفهما تهديدا في 2018، بزيادة عن 25% في 2013، عندما كان باراك أوباما رئيسا للولايات المتحدة.
وأوضح الاستطلاع أن نصف من شملهم الاستطلاع أو أكثر في عشر دول، من بينها ألمانيا واليابان وكوريا الجنوبية، اعتبروا القوة والنفوذ الأمريكي تهديدا رئيسيا لبلادهم، بزيادة عن ثماني في 2017 وثلاث في 2013.
وتراجع عدد الدول التي كانت تعتبر تنظيم داعش تهديدا، بنسب مئوية مؤلفة من رقمين في إسرائيل وإسبانيا، والولايات المتحدة واليابان.

الاتحاد الأوروبي: تغير المناخ “تهديد وجودي” لن يستنثي أحدا

ونفس التخوفات من تهديدات التغير المناخي للأمن العالمي باتت تسيطر على مسؤولي الاتحاد الأوربي، حيث لم يتردد وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي في التحذير، ضمن بيان حول الموضوع أصدروه مؤخرا، من أن تغير المناخ يشكل “تهديدا وجوديا لن يستثنى منه أي بلد”، ولفتوا إلى أن العالم يعاني من كوارث طبيعية مدمرة ناجمة عن تغير المناخ، كالأعاصير والتغيرات في الخارطة المناخية والفيضانات والحرائق الناجمة عن ارتفاع درجات الحرارة. إضافة إلى المخاطر التي ينطوي عليها ذوبان الجليد في القطبين الشمالي والجنوبي.
وجدد وزراء خارجية دول التكتل تأكيدهم على التزام الاتحاد الأوروبي باتفاق باريس كإطار عمل جامع للأطراف المعنية في التصدي للعوامل المؤدية للتغيير المناخي وما ينجم عنه من مخاطر.
البيان الذي صدر في ختام اللقاء الشهري لوزراء خارجية دول التكتل في العاصمة البلجيكية بروكسل خلال الأسبوع الماضي، تبنى توصيات لاستراتيجية عمل من شأنها تعزيز آليات مكافحة العوامل المؤدية إلى تغيير المناخ، مشيرا إلى أن التحركات والمبادرات لمواجهة ظاهرة التغير المناخي لم ترق بعد إلى المستوى المطلوب.
وأكد البيان على أن الطموحات المتعلقة بشأن المناخ لا تقتصر فقط على الحد من انبعاثات الغاز المؤدية إلى الاحتباس الحراري، بل وأيضا على العمل على معالجة آثار تغير المناخ على الأمن والسلم الدوليين، مشددا على أن العام الجاري يعد حاسما في تسريع العمل لحماية المناخ.
يذكر أن اتفاقية باريس للمناخ كانت وقعته 190 دولة في العاصمة الفرنسية عام 2015، وكانت الصين والولايات المتحدة من أبرز صانعيه، ويهدف إلى وقف ارتفاع حرارة الأرض، عبر خفض انبعاثات غازات الدفيئة.
وكان الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، قرر في أوائل شهر يونيو 2017، الانسحاب من اتفاق باريس، من أجل “حماية أمريكا وشعبها”، على حد قوله.

مزيد من الحروب والنزوح في الشرق الأوسط

من جانبهم، حذر أكاديميون ومسؤولون أُمميون من أن منطقة الشرق الأوسط مقبلة على مزيد من الفوضى بسبب التغير المناخي، مؤكدين أن أزمة الغذاء والماء ستزيد سيل النازحين متسببة في اندلاع حروب وتوفير فرص تستثمرها الجماعات الارهابية.
وتوقع مسؤول في الأمم المتحدة ان تجبر هذه التطورات 7 إلى 10 ملايين شخص في الشرق الأوسط وشمال افريقيا على النزوح خلال العقد المقبل، كما أفادت صحيفة “الأندبندنت”، ضمن مقال نشرته منذ أيام تحت عنوان “تغير المناخ سيغذي حروبا أكثر ويهجر المزيد في الشرق الأوسط”، مشيرة إلى أن هذه الصورة القاتمة لآفاق المنطقة رسمت خلال المؤتمر السنوي لمبادرة الأمن الكوكبي المنعقد في لاهاي.
وأشار متحدثون آخرون في المؤتمر إلى نزاعات صغيرة وكبيرة شهدتها المنطقة خلال السنوات الماضية بما فيها تظاهرات الخبز في الأردن عام 2008، وبؤر توتر أخرى مرشحة للانفجار لاحقا في المشرق العربي وشمال افريقيا.
وقال البروفيسور جمال صغير من جامعة ماكغيل الكندية في مونتريال خلال المؤتمر إن انعدام الأمن الغذائي والطاقي يمكن ان يؤدي بسرعة إلى تململ، مرجحا حدوث مثل هذه الصدمات مرة أخرى.
وأعلن البروفيسور صغير في المؤتمر “أن مثل هذه الأزمات يمكن أن تفجر أزمة عنيفة وتزيد التأييد لجماعات متطرفة تقدم بدائل قابلة للتنفيذ” لافتا إلى أن جماعات ارهابية مثل تنظيم الدولة الاسلامية “داعش” تستغل التغير المناخي لتجنيد أعضاء جدد بمن فيهم فلاحون دمرت حقولهم واصابهم الفقر فيأتي إرهابيون لمدهم بالغذاء والدعم المالي مع منافع أخرى. 
وكانت مبادرة الأمن الكوكبي أُطلقت أول مرة في عام 2015 برعاية الحكومة الهولندية والعديد من المنظمات الدولية لمعالجة قضايا التغير المناخي وما يرتبط به من أزمات.
وأشار البروفيسور نديم فرج الله المتخصص بقضايا التغير المناخي في الجامعة الأميركية في بيروت إلى انخفاض هطول الأمطار والثلوج التي ترفد أنهار العراق قائلا إن كل المشاكل الناجمة عن التغير المناخي موجودة في الشرق الأوسط “وكل ما تحتاجه هو شرارة”. 
وما يزيد الوضع تعقيدا أن منطقة الشرق الأوسط تستورد 65 في المائة من حاجتها إلى الحبوب وأن هذه النسبة تتزايد كاشفة الحكومات والسكان إلى تقلبات السوق أو التغيرات المناخية حتى أكثر من ذي قبل. وقال يوهان شار من معهد ستوكهولم لأبحاث السلام “إن المنطقة تعتمد في أمنها الغذائي اعتمادا كاملا على الإدارة المستدامة للزراعة في مناطق أخرى من العالم”.
وتحدث المشاركون في المؤتمر عن الحاجة الملحة إلى توعية الحكومات والرأي العام بالضرورة الملحة لإدارة الماء وغيره من الموارد الطبيعية. وأطلقت منظمات دولية مبادرات في الاردن وقطاع غزة لايجاد مصادر ماء مستدامة للزراعة. 
وقالت تيسا تربسترا مبعوثة هولندا لشؤون الماء في الشرق الأوسط إن هناك ازمة ماء متزايدة في المنطقة بسبب التغير المناخي وأن نزوح السكان من أراضيهم المتضررة أصبح هو الوضع الطبيعي الجديد.
وبدأت بلدان بينها الأردن والمغرب وتونس التصدي لمشاكل التغير المناخي ولكن حكومات أخرى تتجاهل هذه المشاكل. وقال البروفيسور صغير إن السبب هو عدم توفر الإرادة السياسية. 

Related posts

Top