التفاهة السياسية والتهافت السياسي

قبل البدء، لن أبخل بهذه المقالة التفاعلية، التي قد توضح عمق الشرود السياسي الذي وصلتم إليه… إنها التفاهة السياسية أو عندما يكون التهافت السياسي منطقكم في مواجهة العلم والمعرفة السياسية.
أثيرت بعض ردود الفعل المعزولة والتي أعقبت الرسالة المفتوحة التي وجهها المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية عقب اجتماعه الاستثنائي ليوم الخميس 30 مارس 2023 للسيد رئيس الحكومة، وذلك في إطار ممارسة دوره الدستوري من خلال ترافعه من موقع المعارضة البناءة والمسؤولة والوطنية، دفاعا وترسيخا لقيم العدالة الاجتماعية والمجالية، وضمان العيش الكريم للفئات العريضة من شعبنا، وإن كانت مثل هذه المبادرات التي يسعى حزب التقدم والاشتراكية عبرها تعزيز الفضاء الديمقراطي وإعطاء قيمة للنقاش العمومي تزعج هؤلاء، فإنه لا يسعني القول لهم ولهن، أن ردود فعلكم هاته قد جانبت الصواب خاصة وأنها صادرة عن مسؤولين سياسيين شباب، والذي سمحوا لنفسهم وهم البرلمانيون الذي من المفروض فيهم أن يتحلوا بنوع من المسؤولية السياسة، والأخلاقية، وأن يدفعوا في إطار المساهمة الفعالة في ترسيخ البناء الديمقراطي، والنقاش الرصين بين الهيئات السياسية، والرفع من مستوى الخطاب السياسي المقدم، وهو الأمر المحبذ بعيدا عن شخصنة موقفهم، وتضمينهم لأساليب قدحية تنأى عن ما نأمله كشباب سياسي في إطار قناعاتنا السياسية والأخلاقية المبدئية الديمقراطية والحقوقية التي تربينا عليها في مدرسة حزب التقدم والاشتراكية لما يقارب ثمانية عقود.
إن بعض تلك التدوينات الهشة والتي دفعتني للتفاعل معها بمرجعية فكرية غير التي استعملتها تلك الأصوات والتي مع الأسف كنت أنتظر منها مقارعة الأمر بفكر وبعلم لا الهروب وراء تفاهة القلم، وليس رغبة مني في محاكمة شخص ما أو أن ألعب دور الأستاذية التي لن يحس بها إلا من يعاني من عقدة النقص أمام مناضلي مدرسة علي يعتة التي أنجبت ولا تزال أطرا سياسية تتحلى بالأخلاق السياسية أولا، والمواقف الجريئة، والنضال إلى جانب الشغيلة والفئات المستضعفة وعموم المواطنات والمواطنين ضد السياسات اللاشعبية للحكومة.
لقد كان حريا بأصحاب تدوينات «التفاهة» وبحكم مواقعهم السياسية، وصفتهم التمثيلية، أن يكونوا مثالا وقدوة لشباب اليوم، أن يجعلوا من خطابهم السياسي مدخلًا أساسيًا لإرجاع الثقة لدى الشباب الذي، مع الأسف، استمر في عزوفه عن المشاركة السياسية وأصبح يراكم اليأس بسبب سياسات الحكومة وقراراتها، لقد كان من الأجدر بهم المشاكسة بعلم وبمعرفة سياسية نبيلة في الوقت الذي اختاروا فيه التسويق لخطاب يعمق جراح المغاربة ولا يمكن إلا نعته أنه خطاب فرض عليهم الرد البئيس حوله لكنه مع كل أسف، بلغة ركيكة غاب فيها التركيز على المضمون السياسي للرسالة المفتوحة التي وجهها المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية للسيد رئيس الحكومة، والتي تعتبر رسالة مؤسساتية مسؤولة خاطبت مؤسسة الحكومة من خلال رئيسها في ظل غياب تواصل الحكومة وحضورها السياسي، وضعف مبادراتها السياسية أمام موجة الغلاء الفاحش الذي ألهب جيوب المغاربة وضرب في العمق قدرتهم الشرائية، كما كان جديرا بهم أن يحترموا من خلال ذلك عمل المؤسسات عموما والحزبية بشكل خاص، دفاعا عن الوطن ومستقبله السياسي، إذ أن مثل هذه التدوينات وللأسف الشديد تزيغ عن هذا المقصد النبيل، كونها تلخص الأمر بل وتشخصنه في شخص رئيس الحكومة وهو ما لا يفيد بشكل أو بآخر المصداقية الديمقراطية ومسارها الذي يجب أن يتخذ أشكاله الطبيعية دون السعي إلى اختزال أو جر النقاش إلى مآلات قد لا تفيد العمق الذي نبتغيه وهو مستقبل الوطن، والذي لا نراه إلا في عدالة اجتماعية ومجالية حقيقيتين، واقتصاد وطني قوي، وبناء ديمقراطي وحقوقي واسع يشمل فضاء الحرية والمساواة، وضمان أفضل للعيش الكريم لفئات عريضة من شعبنا وهي الأمور التي نأمل أن تلقى الآذان الصاغية لدى الحكومة الحالية ورئاستها.
وقبل أن أغلق هذا القوس لا بد أن نذكركم أن حزب التجمع الوطني للأحرار قد شارك في جل الحكومات المتعاقبة منذ تأسيسه أي ما يقارب 45 سنة ونيف وبقطاعات وازنة، كما يجب التوضيح أن الأسباب الحقيقية لموجة الغلاء في قطاع الفلاحة ليس هو مشكل الماء الذي استنزفه المخطط الأخضر الذي يجب أن يخضع لتقييم موضوعي، بل السياسة التصديرية التي تنتهجها الحكومة الحالية والتي يجب أن تعيد فيها النظر، وأن تراعي من خلالها الأمن الغذائي والمائي الداخلي، كما أذكركم أن عموم المواطنات والمواطنين لا تزال كما عديد الأوساط السياسية تنتظر خروجكم للإجابة عن عديد أسئلة واستفسارات تهم أسباب الغلاء، وملف الغاز الروسي، والارتفاع الصاروخي للمحروقات رغم انخفاض سعر البرميل في السوق الدولي، وعن أسباب تأخر خروج القانون الجنائي وغيرها كثير.
وكما أعلم ويعلم الجميع أن الحكومة التي وجه لها حزب التقدم والاشتراكية رسالته المفتوحة في شخص رئيسها، لديها ناطق رسمي باسمها، فلا داع لأن يتقمص آخرون نفس الدور احتراما لعمل المؤسسات ووضعها الاعتباري.
وليس آخرا، لأن للحديث بقية، فإنني أدعوكم للرفع من مستوى النقاش السياسي، لا تمييعه أكثر مما وصل له اليوم بسبب دخلاء الفعل السياسي وهواة السياسة الذين لا يجتهدون قط في خطاب التنمر السياسي لعدم إيجادهم خطاب المراجع والبدائل القيم.

< يونس سراج

Top