جملة واحدة وردت على لسان رئيس حكومتنا اعتبرت كافية لتلخيص رؤيته للسياسة ولدولة المؤسسات ولضرورة التواصل مع الرأي العام الوطني ومدى احترام حكومته للشعب المغربي وممثليه، وهي الجملة ذاتها التي تلخص كذلك مستوى التدني الذي بلغته السياسة عندنا.
رئيس الحكومة يتكلم أمام المؤسسة التشريعية ولا يتردد في مخاطبة البرلمانيين بتأكيده على أنه لا يهمه رأيهم فيه وفي سياسات حكومته، ولا يهمه ما يقولون، مضيفا أنه يهتم فقط لأمر المواطنين الذين أوصلوه إلى هذا الموقع (كذا) !!!
لقد ورد هذا الكلام في معرض جواب رئيس الحكومة على سؤال محوري بمجلس النواب في إطار جلسة المساءلة الشهرية حول موضوع: (تحفيز الاستثمار ودينامية التشغيل)، يوم الاثنين الماضي، ونقلت ذلك معظم الصحف ومنصات التواصل الاجتماعي، دون أن تدرك الحكومة ورئيسها وأغلبيتها وماكينتها الدعائية أن هذا الكلام خطير، ويفضح إصرار التحالف الأغلبي الحالي على قتل السياسة، وعلى تتفيه البرلمان وتبخيس أدواره، وعلى تحويل التواصل الحكومي بكامله إلى مجرد دعاية انتخابوية سابقة لأوانها أو إلى مجرد كبسولات جرى إعدادها بضعف مهني كبير، وبافتقار فاضح لأي إبداعية في الصنعة وفي الأثر.
الجملة الفاضحة أعلاه بقيت دائما أسلوب عمل لصيق بهذه الحكومة، ذلك أن من بين نقاط ضعفها العديدة يوجد عدم تواصلها مع المغاربة ومع أحزاب المعارضة ومع البرلمان، كما أنها لا تنصت لكل من يخالفها الرأي والتقدير، ولو كان رأيه موضوعيا وجديا ومبررا.
جملة رئيس الحكومة أمام البرلمان تكشف سبب رفض مناقشة الحصيلة في لجان المؤسسة التشريعية على المستوى القطاعي، وتكشف سبب تلك الردود المتشنجة على انتقادات المعارضة، سواء داخل البرلمان أو في الفضاء السياسي والإعلامي، وهي تكشف أيضا حملة الشتم والسباب ضد بلاغات ورسائل قوى المعارضة، وخصوصا كيفية تعامل حزب رئيس الحكومة مع الرسالة الثانية التي وجهها حزب التقدم والاشتراكية إلى رئيس الحكومة وليس إلى زعيم حزبها الأغلبي.
حكومتنا، ذات الكفاءات، ترفض كل من ينتقدها أو يكشف عيوب سياساتها وبرامجها التدبيرية، ومن يفعل ذلك لا تتردد في مهاجمته والتشنيع به وشتمه، ودون حتى مناقشته أو الرد عليه بشكل موضوعي.
حكومتنا تريد أن تتكلم أمام البرلمان دون أن تسمع أحدا يختلف مع مقارباتها، وهي لا تريد أن تتكلم مع الصحافة الوطنية إلا عبر «لقاء خاص» يجري الإعداد له مسبقا، ويكون طافحا بالبرودة، ومفتقدا للتفاعل والنقد والاختلاف والجاذبية المهنية.
هذه هي حكومتنا، وهذه علاقتها بالنقاش السياسي العمومي، وهذه صلتها بتقوية النفس الديموقراطي في المجتمع، وبسبب طبيعتها هذه، فهي لم تتكلم يوما عن رؤيتها لأي إصلاح ديموقراطي أو سياسي، وكأن هذا الجانب لا يدخل ضمن اهتماماتها وصلاحياتها، ولا يعنيها المستقبل الديموقراطي لبلادنا، أو تمتين أجواء الانفتاح والتعددية والتحديث في حياتنا السياسية والإعلامية والعامة.
العقلية التي تلخصها الجملة أعلاه، تعتبر من المخاطر على بلادنا، وعلى مسارها الديموقراطي والمؤسساتي العام، ويجب التنبيه إليها، والتحذير، تبعا لذلك، من مخاطر إضعاف حياتنا السياسية الوطنية وممارستنا الإعلامية وحيويتنا المجتمعية وحوارنا المجتمعي المنفتح والتعددي، ومن عدم احترام المؤسسة البرلمانية والإصرار على ضحالتها وتتفيهها.
إن ما يجري اليوم في عدد من البلدان الأوروبية يدق أمامنا نواقيس التنبيه، ويضع أمامنا خطر جعل السياسة والحوار العمومي بعيدين عن المؤسسات، وبعيدين عن التفاعل الوطني العام، وعن الجدية والاحترام اللازمين.
حكومتنا الحالية مطالبة بالخروج من منغلقات عجرفتها واستعلائها، خصوصا إذا كان معظم ما تدعيه من «إنجازات» بلا أي أثر فعلي وسط الناس وفي حياتهم اليومية، وإذا كان عدد من وزرائها يكشفون يوميا عن ضعفهم التدبيري وبلاهة التقدير لديهم، وتحيط بهم أسئلة عديدة تتعلق بالمواقف والممارسات والقرارات والمصالح.
المغرب يستحق أحسن من هذا…
<محتات الرقاص