الحراكات العربية

يسجل كثير من المراقبين أن الوضع العام في البلدان العربية، سواء التي شهدت تغييرات سياسية مثل: مصر، ليبيا وتونس، أو التي تشهد اليوم حراكات داخلية بأشكال مختلفة مثل: اليمن، العراق، البحرين والكويت…، يطغى عليه التوتر وتواصل الاحتجاج، وبالتالي غياب الاستقرار العام في المجتمع. ويصل هذا اللاستقرار في بعض البلدان إلى حالة الفوضى وسقوط الضحايا، وإصابة البلد كله بالشلل التام، وينتج عن كل ذلك أن شعوب هذه البلدان هي التي تؤدي الثمن من خلال احتداد معاناتها الاجتماعية والمعيشية، وانسداد الآفاق أمامها. إن هذه الأوضاع غير المستقرة تعتبر الدليل على فشل كل أطراف العملية السياسية داخل البلد بدون استثناء، ومن ثم افتقار كل الفاعلين إلى رؤية واضحة للمستقبل، وإلى برنامج عمل، وأيضا إلى آليات تحقيقه في احترام كامل للقواعد الديمقراطية المتعارف عليها كونيا.
لعل الخطأ الأساس هنا يكمن في الاعتقاد أن مدخل التغيير هو واحد بالنسبة لكل البلدان العربية، وبالتالي فإن ما جرى في مصر أو في تونس يمكن تكراره «بالنقطة والفاصلة» في البحرين والكويت واليمن وغيرها، ويمكن استنساخ المسيرات والاعتصامات، وحتى حرق الذات، ونقل ذلك من هذا البلد العربي إلى آخر، وانتظار رؤية النتائج نفسها، وبذات الآليات والأشكال.
مرة أخرى لم نستطع هنا القفز على استحضار المبدأ الماركسي الشهير القائم على «التحليل الملموس للواقع الملموس»، حيث أن الفاعل السياسي العربي  اليوم، في حاجة إلى استيعاب مدلولات هذه القناعة المنهجية التي تحيل، منطقيا، على ضرورة استحضار موازين القوى داخل كل مجتمع، والانطلاق منها لبلورة المطالب وسقف الشعار وأشكال العمل، وذلك بحسب الديناميات السياسية والاجتماعية والثقافية المتفاعلة بداخل كل مجتمع..
الأمر الثاني الذي يكاد يكون حاضرا في جل الديناميات المجتمعية العربية الحالية، هو غياب التوافق الداخلي بين أطراف العملية السياسية  في كل بلد، ذلك أن استمرار التنافر والقناعات الحدية، ورفض التنازلات المتبادلة، وعدم السعي المشترك نحو… التوافق، يترك سقوف الكلام معلقة في الهواء وبلا أعمدة، وتبقى الساحة فارغة… للفوضى. يحتاج السياسيون في بلدان الحراك العربي اليوم إلى اتفاقات وطنية واسعة بشأن الثوابت والمبادئ الجامعة وقواعد اللعب الديمقراطي، وبالتالي الانكباب معا على القضايا الأساس، أي الأمن والاستقرار، التنمية الاقتصادية والاجتماعية، احترام التعددية وحقوق الإنسان كما هو معمول بها في كل البلدان الديمقراطية الحديثة.
ويرتبط الأمر الثالث، بالأنظمة، التي إما أنها تواصل قتل شعوبها وتدمير بلدانها كما هو الحال في سوريا، أو أنها لا تريد أن تستوعب مطالب شعوبها كما في عديد بلدان عربية أخرى، فهي مطالبة بالوعي بالدينامية الكونية القائمة على الحرية وحقوق الإنسان والديمقراطية والتعددية والانفتاح والمساواة ومحاربة الريع والفساد وبناء دولة المواطنة والقانون، وبالتالي العمل من أجل تفعيل التغيير بإرادتها الذاتية، والتفاعل الإيجابي مع مطالب شعوبها حتى تتفادى المآلات التي بلغتها بعض الأنظمة الاستبدادية العربية.
العرب في حاجة إذن إلى… العقل.

Top