الحصيلة المناخية لعام 2020

لأول مرة وبسبب جائحة كورونا تتعطل آلية المفاوضات حول المناخ ويضطر المنظمون الى تأجيل مؤتمر قمة الأطراف في نسخته السادسة والعشرين إلى العام الموالي، مفاوضات دامت لعقدين ونصف من الزمن والنتيجة مفاوضات متعثرة، ومخرجات دول تبني طموحاتها لما بعد 2050، كما قالت الشابة كومال كاريشما كومار مؤسسة حركة الشباب من أجل المناخ بجزر فيجي: “محادثات المناخ بدأت في عام 1992 أي حتى قبل ولادة جيلي ولمدة 25 عاما زادت الانبعاثات فقط”.
بسبب جائحة كوفيد-19 لم تف العديد من الحكومات بالمواعيد النهائية التي حددتها اتفاقية الأمم المتحدة لتغير المناخ لوضع التزاماتها الوطنية المحددة الجديدة والمتعلقة باتفاقية باريس للمناخ. ودعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في رسالته بمناسبة العام الجديد إلى المزيد من الطموح المناخي، وقال: “بناء تحالف من أجل حيادية الكربون بحلول عام 2050 سيكون في صميم طموح الأمم المتحدة في عام 2021”.
ولاحظ خبراء المناخ أن الصين، أكبر مصدر في العالم التي لم تقدم مساهمات وطنية جديدة، ستلتزم بتعهد الرئيس شي شين بينغ الأخير بزيادة الطموحات الصينية لعام 2030 لتحقيق الحياد الكربوني في عام 2060. كما أنه من الواضح أن الولايات المتحدة، التي انسحبت عن اتفاقية باريس من قبل دونالد ترامب لم تقدم أيضا مساهمة جديدة لكن الرئيس المنتخب الجديد “جو بايدن” الملتزم بحياد الكربون في عام 2050 كان قد وعد بالعودة إلى اتفاق باريس للمناخ وإلى قمة المناخ المقبلة، ومع ذلك فإن الالتزام المنقح لا يعني بالضرورة زيادة الالتزام، وفي هذه المرحلة يشير الخبراء إلى نقص الطموح بينما وفقا لهيئة الأمم المتحدة يجب خفض الانبعاثات بنسبة 7.6٪ سنويا بين عام 2020 و2030، للحد من الاحترار إلى + 1.5 درجة مئوية. ووفقا لاتفاقية تغير المناخ فإن المساهمات الجديدة المقدمة من البرازيل واليابان وروسيا ونيوزيلندا وسويسرا وفيتنام لم تعد طموحة، وحتى الالتزامات المعدلة والمنقحة لا ترتقي بالضرورة، فقد رفع الاتحاد الأوروبي هدفه المتمثل في خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بحلول عام 2030 من 40٪ إلى “55٪ على الأقل”، ولكن “هذا لا يزال غير كاف لكي يكون الاتحاد الأوروبي متوافقا مع اتفاقية باريس”.
فانبعاثات الغازات الدفيئة تتزايد يوما بعد يوم بالرغم من فترة الإغلاق التي عرفها العالم بسبب ظروف الحجر الصحي الذي فرضته جائحة كورونا، وترتفع معها درجة حرارة الكوكب يوما بعد يوم، مما زاد من حدة تغير المناخ، ويبقى عام 2020 عاما استثنائيا بكل المقاييس من حيث التأثير المناخي على دول العالم بصفة عامة وعلى دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، نظرا للفيضانات القوية التي عرفتها السودان، السعودية وسوريا، والحرائق وقلة تساقطات الأمطار وندرة المياه وما واكبها من كوارث طبيعية أثرت على المنظومات البيئية من تلوث الأنهار الكبرى وتلوث الغلاف الجوي كما أكدت ذلك منظمة غرينبيس في تقريرها الأخير: “الهواء السام: الثمن الحقيقي للوقود الأحفوري”، والذي صنف المغرب ضمن الخمسة وعشرين دولة الأكثر تلويثا لكوكب الأرض نظرا لاستمرارها في استعمال الوقود الأحفوري في إنتاج الطاقة الكهربائية.

2020 عام الكوارث المناخية بامتياز

غادرتنا سنة 2020 بطموحاتها ومشاريعها وأهدافها، ما تحقق منها وما لم يتحقق، وبكوارثها المناخية التي أتت على الأخضر واليابس، والتي تعتبر الأكثر تكلفة في التاريخ البشري، حيث وصلت التكلفة المناخية لعام 2020 إلى ما يقرب من 150 مليار دولار من الأضرار المؤمن عليها، وهو رقم أعلى من عام 2019، ويبرز بكثير مضاعفات التأثير المتزايد للاحتباس الحراري، كوارث أودت في ظرف 365 يوم بحياة 3500 شخص وشردت أكثر من 13.5 مليون شخص عبر العالم. من أبرز هذه الكوارث تأتي حرائق أستراليا الضخمة وأعاصير بحر الكاريبي التي ساوت سطح اليابسة لجزر نيكاراجوا والهندوراس وهايتي بسطح البحر، لكن تبقى التكلفة الحقيقية لظواهر الطقس المتطرفة لعام 2020 هي في الواقع أعلى بكثير مع معظم الأضرار غير المؤمنة، وتبقى دوما الدول الفقيرة في المواجهة المباشرة لتغير المناخ، حيث هي من تدفع بينما لم يتم التأمين سوى على نسبة ضئيلة جدا فقط من الخسائر الاقتصادية الناجمة عن الظواهر الجوية الشديدة مقارنة بـالدول الغنية.
وقال شاه جهان موندال، عالم المناخ في جامعة بنجلاديش للهندسة والتكنولوجيا: “كانت فيضانات عام 2020 من بين الأسوأ في تاريخ بنغلاديش، حيث غمر أكثر من ربع مساحة البلاد بالمياه”. وتبقى أهم الكوارث المناخية التي كان لها الوقع الكبير على الاقتصاد العالمي، إعصار أمفان في خليج البنغال في ماي 2020، والحرائق التي اجتاحت أستراليا يناير 2020 وغرب الولايات المتحدة الأمريكية صيف 2020، في حين تسببت الأعاصير التي حطمت الرقم القياسي في 30 عاصفة قوية ضربت الولايات المتحدة الامريكية وجزر الكاريبي وشرق آسيا، فرنسا، إيطاليا، والمملكة المتحدة مؤخرا، مع إعصار بيلا الذي ضرب بلجيكا وفرنسا كذلك.

التزامات مناخية جديدة ومنقحة

بموجب اتفاقية باريس لعام 2015 التي تهدف إلى الحفاظ على الاحترار العالمي أقل من +2 درجة مئوية مقارنة بعصر ما قبل الصناعة، كان على كل دولة موقعة أن تقدم قبل نهاية العام نسخة منقحة من التزاماتها في مكافحة تغير المناخ، تسمى “المساهمة المحددة وطنيا”، حيث قامت حوالي 70 دولة من أصل 200 دولة بذلك بالفعل، وليس بالضرورة أكثر الدول التي تنبعث منها غازات الاحتباس الحراري، وبالتالي قدمت حوالي عشرين دولة إضافية وثائقها خلال الأسبوعين الماضيين حيث يمثل معظمها نسبة ضئيلة من الانبعاثات العالمية مثل إمارة موناكو وجزر المالديف وجزر مارشال، ولكنها تشمل أيضا بعض الاقتصادات الكبرى مثل كوريا الجنوبية والولايات المتحدة الأمريكية والأرجنتين، في حين أن السلسلة الأولى من المساهمات المحددة وطنيا وضعت الكوكب على مسار بين +3 درجة مئوية و +4 درجات مئوية، ومن المنتظر أن تقدم اتفاقية الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ يوم 21 فبراير المقبل تقييمها للالتزامات الجديدة والمنقحة التي تم التعهد بها.

2020 عام بدون فصل شتاء

أطلق الخبراء على عام 2020 صفة “عام بدون فصل شتاء” في نصف الكرة الشمالي، و”عام حرائق الغابات الرئيسية”، حيث كانت الحالات الشاذة لدرجات الحرارة المسجلة في سيبيريا علامة بارزة للاحترار العالمي. فمنذ فصل الصيف الماضي اكتسبت ظاهرة النينيا المحيطية زخما في المحيط الهادئ، نظرا لتأثير خفض درجات حرارة الكوكب، وبالرغم من كل هذا لن تمنع ظاهرة النينيا عام 2020 من أن يكون الأكثر سخونة منذ عام 1900.
تميز عام 2020 بدرجات حرارة قياسية ملحوظة في نصف الكرة الشمالي خاصة خلال شتاء 2019-2020 باستثناء ألاسكا، في حين شهد النصف الجنوبي من الكرة الأرضية تطورا مختلفا قليلا، مع انخفاض درجات الحرارة العالمية، أو حتى العجز في بعض الأحيان. هناك حالات شاذة ملحوظة ومستمرة في الحرارة في المنطقة القطبية الشمالية، حيث لم ينتج عن صعود النينيا في المحيط الهادئ خلال الخريف والشتاء تأثير شامل حتى منتصف دجنبر 2020، منذ تلك اللحظة فصاعدا انخفض الفائض الحراري للكوكب بشكل حاد متأثرا بعودة البرودة الشديدة في مجموعة من الدول الأوروآسيوية، لذلك تميز شهر دجنبر بعودة الانحرافات السلبية القوية التي تحدث في سيبيريا إلى الصين واليابان مع سجلات البرد والثلج، خلال هذا الوقت لا يمثل الصيف الجنوبي شذوذا حارا قويا، ربما تكون هذه بداية تأثيرات النينيا. وتبقى أهم الأحداث المناخية لعام 2020 حرائق أستراليا والولايات المتحدة الأمريكية وغابات الأمازون التي دامت طويلا.
وتميز الصيف الأسترالي بموجات حر شديدة في أستراليا، حيث سجلت 44 درجة مئوية في كامبيرا في 4 يناير 2020 وتسببت حرائق الغابات في حرق أكثر من ستة ملايين هكتار من الغطاء النباتي. وتميز عام 2020 بشتاء معتدل بشكل ملحوظ في نصف الكرة الشمالي: شذوذ معتدل مستمر في الشتاء الماضي في القارة الأوراسية: من يناير إلى ماي حيث وصلت هذه الحالات الشاذة بانتظام إلى +5 درجة مئوية في سيبيريا، وكان هذا الشتاء ثاني أكثر الشتاء اعتدالا في روسيا. في المقابل شهدت ألاسكا فقط شتاء قارسا بشكل خاص، وهو الأبرد منذ عام 2012، مع تفشي الأعاصير في الولايات المتحدة الأمريكية، فقد شهد أبريل 2020 تصاعدا في الأعاصير المدمرة، خاصة من أوكلاهوما إلى ماريلاند. وإذا كان شهر أبريل هو ذروة موسم الأعاصير برسم سنة 2020 فهو الأكثر عنفا منذ عام 2014.
وشهد عام 2020 موجة حر تاريخية مبكرة في أوروبا: موجات حرارة مبكرة بشكل ملحوظ في جنوب شرق أوروبا حيث سجلت اليونان وتركيا أكثر من 40 درجة مئوية، وعرفت غابات الساحل الغربي الأمريكي عدة حرائق من ماي حتى غشت 2020، وكان موسم الحرائق من أعنف المواسم التي لوحظت على الإطلاق، خاصة في ولايتي كاليفورنيا وأريزونا، بلغت ذروتها في يونيو ثم في غشت، عندما بدا أن الساحل الغربي بأكمله، من الحدود الكندية إلى كاليفورنيا، يحترق، مما أدى إلى توليد سحب ضخمة من الدخان مرئية للغاية على صور الأقمار الصناعية. في المقابل كانت بداية الصيف حارا بشكل خاص في سيبيريا، مما تسبب في حرائق الغابات. وفي يونيو تجاوزت درجات الحرارة بانتظام 30 درجة مئوية فوق الدائرة القطبية الشمالية، وهو أمر غير طبيعي، وهذا المناخ شديد القسوة بين برد الشتاء وذروة الحرارة في الصيف.
حرائق، فيضانات، حرارة شديدة، أعاصير كلها مؤشرات تحيلنا إلى أن العقد القادم سيكون الأكثر سخونة وقد يكون عام 2020 أحد أعلى نقاطه، محطما الأرقام القياسية في درجات الحرارة. وفي هذا الإطار حثت هيئة الأمم المتحدة الحكومات على الالتزام بحياد الكربون، وتحذر الأمم المتحدة من وجود خطر يتمثل في أن ارتفاع درجات الحرارة سيتجاوز 1.5 درجة مئوية وهو الحد الأدنى المنصوص عليه في اتفاقية باريس.

وأصبح التوازن البيئي للكوكب مضطربا، لهذا ندد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، بأن البشرية تشن حربا على الطبيعة، إنها انتحارية، حيث طالب الأمين العام أنطونيو على هامش قمة 12 دجنبر 2020 للاحتفال بالذكرى الخامسة لاتفاق باريس بشأن المناخ، أن تكون القمة نقطة انطلاق حركة حقيقية لتبني الحياد الكربوني، فلم تنتظر نيوزيلندا كثيرا حيث أعلنت حالة “الطوارئ المناخية”، وتبعتها بريطانيا وإيرلندا، ثم بعدها الصين واليابان والاتحاد الاوروبي وكندا، وقال الأمين العام لهيئة الأمم المتحدة: “إن صنع السلام مع الطبيعة يجب أن يكون أولوية قصوى للجميع، في كل مكان”، ورحب بالالتزامات الأولى بحياد الكربون التي أصدرتها الصين والاتحاد الأوروبي واليابان وكوريا الجنوبية.
صنع السلام مع الطبيعة يجب أن يكون أولوية قصوى للجميع في كل مكان، فوفقا للتقرير السنوي المؤقت للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية عن حالة المناخ في العالم، سيكون العقد الماضي هو الأكثر سخونة على الإطلاق، وكذلك السنوات الست منذ عام 2015، واستنادا إلى بيانات مؤقتة، فإن 2020 هو ثاني أكثر الأعوام دفئا، بعد 2016 وقبل 2019، بمتوسط درجة حرارة عالمية بين يناير وأكتوبر أعلى بنحو 1.2 درجة مئوية من الفترة المرجعية 1850-1900. مع ذلك فإن الفارق بين هذه السنوات الثلاث صغير ويمكن أن يتغير التصنيف الدقيق بمجرد توفر البيانات للعام بأكمله، كما تحدد منظمة الصحة العالمية: ” تزامنت سنوات الحرارة القياسية بشكل عام مع موجة النينيو القوية، كما كان الحال في عام 2016، تميل ظاهرة النينيا إلى خفض درجات الحرارة العالمية، ولكن الشذوذ الذي ظهر هذا العام لم يكن كافيا للحد من ارتفاع درجات الحرارة”، كما قال الأمين العام للمنظمة بيتيري تالا.
ظاهرة الطقس الطبيعي النينيا هي عكس ظاهرة النينيو وتتوافق مع تبريد المياه السطحية في وسط وشرق المحيط الهادئ الاستوائي، ووفقا للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية هناك فرصة واحدة على الأقل من بين كل خمسة أن يتجاوز متوسط درجة الحرارة العالمية بشكل مؤقت 1.5 درجة مئوية بحلول عام 2024. في اتفاقية باريس، الموقعة في دجنبر 2015، التزمت 195 دولة بـالحد من الارتفاع في درجة الحرارة “أقل بكثير من 2 درجة مئوية” مقارنة بعصر ما قبل الصناعة، و”مواصلة الجهود للحد من ارتفاع درجة الحرارة إلى 1.5 درجة مئوية”، من أجل تجنب عواقب وخيمة لا رجعة فيها.

تغير المناخ يستمر في مضاعفاته التي لا ترحم

الحرارة الشديدة، الحرائق، الفيضانات، زيادة حموضة المحيطات، موسم الأعاصير القياسي في المحيط الأطلسي: هذه كلها علامات على أن تغير المناخ استمر في تقدمه الذي لا يرحم هذا العام، ولوحظت الحرارة الأكثر بروزا هذا العام في شمال آسيا، وخاصة في القطب الشمالي السيبيري، حيث كانت درجات الحرارة أعلى من المتوسط بـ 5 درجات مئوية، في نهاية يونيو تم تسجيل 38 درجة مئوية في فيرخويانسك في سيبيريا، وهي أعلى درجة حرارة لوحظت بشكل مؤقت شمال الدائرة القطبية الشمالية.
كان موسم حرائق الغابات، الذي دمر مناطق واسعة من أستراليا وسيبيريا والساحل الغربي للولايات المتحدة وأمريكا الجنوبية، هو الأكثر نشاطا خلال الـ 18 عاما الماضية، وأشار تالاس إلى أن: “الفيضانات في أجزاء من إفريقيا وجنوب شرق آسيا تسببت في نزوح جماعي وهددت الأمن الغذائي لملايين الأشخاص”، وفيما يتعلق بالأخبار السيئة، وصل الجليد البحري في القطب الشمالي إلى الحد الأدنى السنوي له في شتنبر 2020، حيث احتل المرتبة الثانية بين الأقل كثافة، ووفقا لتقرير برنامج الأمم المتحدة الأخير يجب على العالم خفض إنتاج الوقود الأحفوري بنسبة 6٪ سنويا بحلول عام 2030 على أمل الحد من الاحترار إلى +1.5 درجة مئوية، لكن التوقعات تشير إلى زيادة من خلال 42 عاما من عمليات المراقبة عبر الأقمار الصناعية، في المقابل كان حجم الجليد البحري في أنتاركتيكا في عام 2020 مماثلا لمتوسط الـ 42 عاما الماضية أو أكبر قليلاً منه، بينما استمرت جرينلاند في فقدان كتلتها، وإن كان ذلك بمعدل أبطأ، مقارنة بعام 2019.
منذ بداية العام، ظلت سجلات درجات الحرارة تنخفض باستمرار، في أنتاركتيكا، تم تسجيل درجة حرارة تزيد عن 20 درجة مئوية لأول مرة، بلغت درجات الحرارة في أوروبا الشرقية وآسيا 3 درجات مئوية فوق المتوسط، وهكذا كان الربع الأول من عام 2020 في المرتبة الثانية من الربع الأول الأكثر سخونة منذ بداية السجلات، منذ أكثر من 140 عاما خلف ذلك بقليل في عام 2016 بمتوسط درجة حرارة 1.15 درجة مئوية فوق متوسط القرن العشرين.
واستنادا إلى الحالات الشاذة التي لوحظت منذ بداية العام والقراءات السنوية التاريخية لدرجة الحرارة العالمية، يقدر خبراء من وكالة مراقبة المحيطات والغلاف الجوي الأمريكية الآن أن هناك أكثر من 99٪ فرصة أن يكون عام 2020 من بين أكثر السنوات الخمس حرارة على الإطلاق، ويوجد احتمال بنسبة 75٪ تقريبا أن يصبح العام الأكثر سخونة منذ أكثر من 140 عاما.
الاتجاهات الحالية تتبع عن كثب اتجاهات عام 2016، والتي تحمل الرقم القياسي حاليا، لكن من المدهش أن عام 2020 ليس ما يسميه العلماء بظاهرة النينيو، ومع ذلك، فإن هذه الظاهرة تصاحب عموما كل السنوات الأكثر دفئا. وأصبح علماء الأرصاد الجوية أكثر حذرا بشأن توقعاتهم، حيث يقدر مدير معهد ناسا جودارد لدراسات الفضاء بالولايات المتحدة احتمالات أن يسجل عام 2020 رقما قياسيا جديدا عند 60٪، أما بالنسبة لمكتب الأرصاد الجوية، وهو خدمة الأرصاد الجوية الوطنية في المملكة المتحدة، فإنه يقدر احتمال أن يصبح عام 2020 هو العام الأكثر سخونة بنسبة 50٪.

السنوات الخمس المقبلة الأكثر سخونة على الإطلاق

قد تكون السنوات الخمس المقبلة الأكثر سخونة على الإطلاق في العالم، وفقا لخدمة الطقس البريطانية، التي تشير إلى خطر وصول ارتفاع درجة حرارة الأرض إلى +1.5 درجة مئوية بحلول عام 2024، ففي التنبؤات التي تدرس اتجاهات المناخ على مدى السنوات العشر القادمة، يقدر مكتب الأرصاد الجوية أنه في كل عام 2020 و 2024، من المتوقع أن تكون درجة الحرارة 1.06 إلى 1.62 درجة مئوية أكثر دفئا من المعتاد. وعام 2016، وهو العام الأكثر سخونة على الإطلاق، و”من المحتمل” أن يتعرض للهزيمة خلال هذا الوقت.
وقال خبير التنبؤات المناخية دوج سميث: “تشير أحدث التوقعات لمدة خمس سنوات القادمة إلى استمرار الاحترار، بما يتفق مع مستويات غازات الاحتباس الحراري المرتفعة”، وأضاف أن هناك شكوكا في هذه التوقعات، ولكن من المتوقع أن تكون معظم المناطق أكثر دفئا، خاصة شمال أوروبا وآسيا وأمريكا الشمالية، باستثناء ثوران بركاني كبير من شأنه أن يبطئ الاحترار عن طريق منع أشعة الشمس، فمن المتوقع أن يتراوح متوسط درجة الحرارة على مدى السنوات الخمس المقبلة بين 1.15 و1.46 درجة مئوية أكثر من عصر ما قبل الصناعة. وكان متوسط الفترة 2015-2019، وهي الفترة الأكثر سخونة على الإطلاق، 1.09 درجة مئوية.
وتهدف اتفاقية باريس للمناخ إلى الحد من درجة الحرارة إلى +2 درجة مئوية، ومن الناحية المثالية +1.5 درجة مئوية بحلول عام 2100، مقارنة بعصر ما قبل الصناعة، الأمر الذي يتطلب خفضا جذريا وفوريا انبعاثات غازات الدفيئة الناتجة عن الأنشطة البشرية، لكن هذه تستمر في الزيادة.
ووفقا لهيئة الأرصاد الجوية فإن واحدة من السنوات بين 2020 و2024 سوف تتجاوز علامة +1.5 درجة مئوية، لكن ستيفن بيلشر كبير العلماء في خدمة الأرصاد الجوية البريطانية أكد أن “التجاوز المؤقت لـ 1.5 درجة مئوية لا يعني انتهاكا لاتفاقية باريس”. وتستند سيناريوهات هيئة خبراء المناخ التابعين للأمم المتحدة بالفعل إلى اتجاهات طويلة الأجل لزيادة متوسط درجات الحرارة وليس سنة واحدة، وأصر على أنه “على الرغم من كل شيء، تظهر توقعاتنا اتجاها لمزيد من الاحترار، نافذة الفرصة تضيق”.
ومع ارتفاع درجة الحرارة بدرجة واحدة فقط، يعاني الكوكب بالفعل من الآثار المدمرة لتغير المناخ، مع تكاثر وتكثيف الظواهر الجوية المتطرفة، من العواصف إلى موجات الحر، بما في ذلك الفيضانات. فبسبب الاحتباس الحراري خلال الفترة 2018-2022، ستكون هذه الفترة أكثر دفئا مما كان متوقعا، وهذه مجرد البداية، حيث تتنبأ النمذجة المناخية الجديدة بأن السنوات من 2018 إلى 2022 ستكون حارة بشكل خاص على نطاق عالمي، حتى أكثر من المتوقع بسبب الاحترار الناجم عن النشاط البشري.
فالمناخ آخذ في الاحترار، ولكن إلى أي مدى؟ لمعرفة ذلك، يقوم العلماء ببناء نماذج تهدف إلى التنبؤ بالمناخ في السنوات القادمة، ومع ذلك فإن الاحتباس الحراري لا يحدث بطريقة خطية، وهكذا فإن بداية القرن الحادي والعشرين كانت ستشهد وقفة، تسمى “فجوة المناخ”، وهو تباطؤ واضح لا يحظى بأي إجماع، ويبقى أحد العوامل التي تؤثر على درجات الحرارة على الأرض هو كمية غازات الدفيئة المنبعثة من الأنشطة البشرية.
من هنا يقترح علماء من المعهد الوطني للبحث العلمي وجامعة ساوثهامبتون والمعهد الملكي الهولندي للأرصاد الجوية طريقة جديدة لنمذجة المناخ، عبر استخدام طريقة للتنبؤ الإحصائي التي تبحث عن مواقف قريبة من المناخ الحالي في نماذج المحاكاة في القرنين العشرين والحادي والعشرين، حيث باستخدام هذه الطريقة للتنبؤ بدرجات الحرارة يتوقع العلماء أن السنوات 2018 إلى 2022 ستكون ساخنة بشكل خاص، “بما يتجاوز القيم التي يسببها الاحترار العالمي الناجم عن النشاط البشري وحده”، كما يحدد بيان صحفي للمعهد الوطني للبحث العلمي، ويضيف أن: “هذا بسبب انخفاض احتمال نوبات البرد الشديد”، ويعتقد أن هذه الظاهرة مهمة على سطح المحيطات، ويرجع ذلك جزئيا إلى العواصف الاستوائية التي تسببها الحرارة.

موجات حرارة أكثر تواترا في فرنسا

تحت تأثير الغازات الدفيئة المنبعثة في جميع أنحاء العالم، اكتسبت فرنسا بالفعل 1.4 درجة مئوية منذ عام 1900، وهو اتجاه تم التأكيد عليه لمدة 30 عاما، حتى أكثر في الصيف منه في الشتاء، ووفقا لوكالة الأرصاد الجوية الفرنسية يجب أن تشهد موجات الحرارة تضاعف ترددها بحلول عام 2050 في فرنسا، وما يلي ذلك كل شيء سيعتمد على الجهود المبذولة للحد من انبعاثات غازات الدفيئة في الغلاف الجوي، وإذا لم يتم فعل أي شيء لعكس الاتجاه الحالي، فستكون موجات الحرارة في فرنسا أكثر من خمس إلى سبع مرات في نهاية القرن مقارنة باليوم، كما تؤكد الهيئة الوطنية للأرصاد الجوية.
واتفقت دول العالم في باريس في عام 2015 على إبقاء الاحترار أقل من درجتين مئويتين مقارنة بالثورة الصناعية، وإذا حافظت الانبعاثات والتركيزات على مسارها الحالي، فقد يصل الاحترار إلى 4 درجات مئوية في فرنسا بحلول 2071-2100، أو حتى 5 درجات مئوية في الصيف، وفقا للأرصاد الجوية الفرنسية وهو ما يعني موجة حر على الأقل شديدة مثل عام 2003 أكثر من كل عام، حيث لا تزال الموجة الحارة الكبيرة من 4 إلى 18 غشت 2003 “خارجة عن المألوف ولا مثيل لها” مع زيادة في الوفيات تقدر بنحو 15000 شخص، وبذلك تكون فرنسا قد شهدت ثماني موجات حرارية بين عامي 1947 و 1982 وثلاثين موجة حرارية بعد 1983.

< بقلم: محمد بنعبو*

(*) خبير في المناخ والتنمية المستدامة
رئيس المكتب الوطني لجمعية مغرب أصدقاء البيئة

Related posts

Top