جوبه الاتفاق الذي أعلن عنه الخميس الماضي بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة لإقامة علاقات رسمية بينهما تحت رعاية أمريكية برفض واسع من لدن الشعوب العربية وكل أحرار العالم، فضلا عن تنديد القيادة الفلسطينية، وسخر منه الكثيرون عبر العالم، وأكدوا أنه بلا قيمة فعلية.
النجاح التاريخي الذي وصف به الرئيس الأمريكي ترامب هذا الاتفاق هو، بحسب العديدين، مجرد نجاح لترامب نفسه في إيجاد ممول وداعم لحملته الانتخابية القادمة، كما أنه بالنسبة لنظام الاحتلال الإسرائيلي يؤسس لعلاقات علنية مع بلد خليجي، هي في الأصل كانت قائمة منذ سنوات بأشكال مختلفة، وجرى اليوم الاحتفال بها والتصريح الرسمي بها من دون أن يدفع نتنياهو أي مقابل، وإنما، عكس ذلك، جاء الاتفاق بغاية تطويق الشعب الفلسطيني، ومن ثم وضعه أمام الأمر الواقع، وفرض التطبيع عليه مع الاحتلال.
يعني أن ترامب ونتنياهو هما المستفيدان الوحيدان من الاتفاق المعلن عنه، خصوصا أنهما يواجهان معا التحدي الانتخابي والضغوط الداخلية.
أما الدفع بمسألة وقف ضم أراضي الضفة الغربية من طرف إسرائيل، فالكل أدرك منذ البداية أن الأمر عبارة عن إقحام فج وأبله من دون أي مضمون، ولا أحد صدق أن إسرائيل قدمت أي مقابل لحكام الإمارة الخليجية لتوقيع هذا الاتفاق.
وحتى لما صرح الإماراتيون أن إسرائيل تعهدت بوقف ضم الأراضي لم يتردد نتنياهو في الجواب على ذلك باستعلاء كبير مؤكدا أن الأمر يتعلق بتأجيل وليس وقف، ما عرى الغباوة الإماراتية وفضح الاستسلام البليد لحكامها.
الاحتلال الإسرائيلي في الواقع لم يؤجل ولم يوقف ضم الأراضي الفلسطينية، وإنما هو يواصل ذلك ويستمر في الضم غير آبه بأي التزامات أو سواها.
إن السؤال المركزي على خلفية ما أعلن عنه بين الإمارات وإسرائيل هو ما علاقة الإمارات بضم أراضي الفلسطينيين أو أخذ التزامات من إسرائيل بشأن ذلك؟
كان يمكن أن تعلن عن إقامة علاقات رسمية مع تل أبييب، وهذا شأنها، ولكن أن تعلن أنها تصالحت مع إسرائيل أو وقعت اتفاق مصالحة أو أن تقحم الأراضي الفلسطينية، فهذا لا علاقة لها به، وهي لم تخض أصلا حربا مع إسرائيل ولا هم يحزنون، ووحدها قيادة الشعب الفلسطيني من يحق لها التفاوض والقبول أو الرفض في مواجهة الاحتلال الجاثم على أرضها.
إن القضية الفلسطينية، في بداية الأمر ومنتهاه، ليست قضية قومية أو دينية، وإنما هي قضية احتلال واستعمار، والتضامن مع شعبها في نضاله الوطني من أجل الحرية والاستقلال والسيادة هو موقف إنساني ديمقراطي كوني، ولا علاقة له بالمرجعيات القومجية أو الاعتبارات الدينية، كما أن هذه الحسابات أصلا هي التي أنتجت ما نشهده اليوم من مآلات وتداعيات على القضية الفلسطينية.
يعني ما سبق، أن القرار الفلسطيني يبقى أساسيا وحاسما، ولا حق لأي أحد أن يفرض وصايته على الشعب الفلسطيني أو يجره لأي ملعب يشاؤه هو من دون إرادته.
من جهة ثانية، مسار البحث عن حل للقضية الفلسطينية عرف الكثير من المحطات طيلة عقود، وتحققت عديد قرارات ومكتسبات ونقاط ارتكاز، والخطوة الإماراتية حكمت اليوم بالتشطيب على كل هذه القرارات الأممية والعربية ذات الصلة، وتصرفت كما لو أنها تتحدث عن شيء يخصها، ولها حق التصرف فيه أو إهدائه لترامب أو نتنياهو، وألغت وجود شعب معني بشكل حصري، وهو الشعب الفلسطيني ومؤسساته وقيادته وممثلوه.
الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي، وفضلا عن الذيلية البلهاء لحكام الإمارة، فهو جاء ضمن سياقات واقع التردي على الصعيدين العربي والعالمي، ومن ثم هو يكرس اليوم محنة جديدة أمام الشعب الفلسطيني، ويضع أمامه تحديات كبيرة.
ومع ذلك، لن يستطيع هذا الاتفاق توفير أي حل للفلسطينيين، ولن ينجح سوى في خدمة نتنياهو وترامب، ولهذا لن يكون أمام الفلسطينيين اليوم سوى تمتين وحدتهم الوطنية الداخلية، وتقوية صمودهم ونضالهم التحرري ضد الاحتلال، كما أن كل القوى الديمقراطية عبر العالم مطالبة باحتضان ومساندة قضية الشعب الفلسطيني واستنكار الاستعمار، وتعزيز النضال المشترك من أجل السلم والأمن والاستقرار في الشرق الأوسط.
وإذا استحضرنا اليوم ما تعانيه لبنان وسوريا، وأيضا واقع العراق واليمن، وما تشهده بلدان مصر والسودان وليبيا وتونس والجزائر والأردن من صعوبات ومخاطر، فإن كامل هذه السخونة تعيد وضع قضية الشعب الفلسطيني في صدارة الاهتمام، وبأن إيجاد حل عادل ودائم لها هو مدخل بناء السلام والاستقرار في كل الشرق الأوسط.
وعدا كل هذا، تبقى سائر الخطوات المتهافتة، على غرار القفزة البهلوانية الإماراتية وما قد يليها، مجرد لعب صبياني في دائرة بلا أي أفق.
محتات الرقاص