أعتقد أن وصول ممثل كوميدي إلى سدة الحكم في بلاده يبقى واحدا من أجمل الأحداث التي تبعث البهجة في النفوس، خصوصا من حيث أن الممثل كوميدي فعلا، وليس مدعيا للفكاهة وخفة الظل، ومن حيث أن مشكلة بقية الممثلين ممن يصلون إلى الحكم أنهم تراجيديون، وفي أفضل الحالات يحترفون الكوميديا السوداء، وهم يكرهون الضحك لأنه بسبب أو بدون سبب يشير إلى قلّة أدب، كما لا يحبّون التنازل عن وقارهم المصطنع الذي لا يكتمل إلا بالعبوس المقمطرّ، ولا يحبذون التواضع مع العوامّ حتى لا يقال إنهم أطاحوا بهيبة الدولة، أو أساؤوا لفخامة المنصب أو سيادة الموقع.
ولكن ولأن من أميركا اللاتينية، ومن غواتيمالا بالذات، يأتي الجديد، فقد فاز الممثل الكوميدي جيمي موراليس بالرئاسة، وأعني رئاسة الدولة لا رئاسة نقابة التمثيل، واعترفت منافسته ساندرا توريس، وهي بالمناسبة زوجة الرئيس الأسبق، بأنها خسرت المنافسة، وعادت إلى بيتها لتعيد مشاهدة بعض الأعمال الكوميدية للرئيس الجديد كانت تحتفظ بها في مكتبتها المرئية.
موراليس، قدم وعودا لناخبيه منها توزيع هواتف ذكيّة على الأطفال وربط المدرسين بالـ”جي بي اس” للتأكد من حضورهم الفصول الدراسية، غير أن بعض الناخبين، وخصوصا من الفقراء والمساكين، دعوه إلى أن يطل عليهم أسبوعيا عبر التليفزيون الحكومي ليقدّم لهم فقرات ضاحكة، فهم يريدون أن يتكرّم عليهم الرئيس بالنكات والضحكات. والنكتة في هذه الحالة لأفضل بكثير من خطب لا تصدق ووعود لا تتحقّق.
ولا أحسب موراليس إلا مدركا لطبيعة التحديات التي تواجهه، فاختياره وهو القادم من عالم التمثيل الكوميدي ليكون رئيسا لبلاده، يعتبر قرارا نهائيا من شعب غواتيمالا بالقطيعة مع النخب السياسية الكلاسيكية الفاسدة والتي كان الرئيس السابق بيريز مولينا أفضل نموذج لها قبل أن يطاح به في سبتمبر الماضي.
كما أن فوزه بالرئاسة يعني أن عليه أن يكون رئيسا بشوشا، وحاضر البديهة، ومبتسما دائما، بخاصّة في وجوه الفقراء والمساكين ممن انتخبوه لأنه كوميدي ساخر وليس لأنه سياسي ماهر، حتى أن أحد الباعة الجائلين في سانتا روزا قال “انتخبت موراليس لأنني عندما سأراه ضاحكا لن يذهب في ظني أنه يضحك منّي كما يفعل بقية الساسة، وإنما يضحك لي أو يضحك معي، وانتخبته لأنه فنان وطيّب، وملامحه لا تدلّ على أنه لص”.
مواطن آخر قال إن الشعب اختار للرئاسة ممثلا كوميديا، وهو يعني بذلك أنه إن لم ينجح في السياسة فلينجح على الأقل في الفكاهة، وعوض أن يسخر منه الشعب، فليسخر من نفسه، وليساعد الناس على أن يبتسموا قليلا لأن هناك شعوبا عدّة، ومنها الشعب الغواتيمالي، ملّت السياسة، وكلّت من الديمقراطية، وتعبت من الانتخابات، وأزاحت النقاب عن وجوه نخبها فعرفت حقيقتها، وباتت تبحث عن مجالات للخروج من الروتين القاتل إلى التجديد وتغيير الأجواء، مرة بانتخاب مغن شعبي مثلما حدث مع ميشال مارتيلي في هايتي، ومرة بانتخاب شاعر كما حدث مع رئيس أيرلندا مايكل هيغينز، ومرة بانتخاب ممثل كوميدي كما حدث مع موراليس في غواتيمالا.