تميز النشاط الملكي أمس الجمعة وأول أمس الخميس، بترؤس جلالته، بطنجة، حفل تقديم مشروع إعادة توظيف وتأهيل ميناء طنجة المدينة، الذي سيجري إنجازه باستثمارات إجمالية تفوق ستة ملايير درهم، ثم إشراف جلالته، بالمدينة ذاتها، على تدشين انطلاق أشغال إنجاز «القطار فائق السرعة»، وذلك بغلاف مالي يزيد عن مليارين ونصف دولار، بالنسبة لإنجاز الشطر الأول الذي سيربط طنجة بالدار البيضاء، والذي سيشرع في العمل سنة 2015.
الأمر يتعلق هنا بمشاريع كبرى، من شأنها تمكين الاقتصاد المغربي من مقومات التأهيل والإقلاع، وذلك عبر توفير التجهيزات والبنيات الهيكلية، التي لا تخفى أهميتها في سياق مسلسلات تحديث الاقتصاد وتطوير إنتاجيته وتنافسيته، وبالتالي تقوية عوامل القوة لدى الاقتصاد الوطني، بما يرسخ موقع بلادنا كوجهة محفزة للاستثمارات المنتجة، وكمحور أساسي للمبادلات التجارية الجهوية والدولية.
المشروعان الأساسيان المذكوران يضافان لمشاريع أخرى مماثلة في شمال وشرق المملكة، مثل ميناء طنجة المتوسط، وأيضا مشروع مارتشيكا ميد، وأقطاب التنمية الجهوية المندمجة، وهي بنيات ومشاريع وبرامج من شأنها تغيير وجه المملكة الاقتصادي والتنموي في السنوات القليلة القادمة، وبالتالي تقوية تنافسية البلاد في محيطها المتوسطي بالخصوص.
من جهة ثانية، إن إنجاح مثل هذه المشاريع الضخمة، والتي لا يختلف إثنان على أهميتها الجوهرية بالنسبة للمستقبل الاقتصادي التنموي للبلاد، يقتضي الحرص على حسن الإنجاز والمتابعة، أي على بلورة آليات عصرية وعملية لحكامة المشاريع، وأيضا تقوية انخراط الحكومة في مسلسلات الإعداد والتفكير والإنجاز والمتابعة، فضلا عن تعزيز انخراط المؤسسة التشريعية في مثل هذه المسلسلات التنموية المصيرية بالنسبة للبلاد ولمستقبلها، وكل هذا يجعل من تفعيل جيل جديد من الإصلاحات السياسية ضرورة مجتمعية، ما سيمكن طبقتنا السياسية من الفعل في مختلف الرهانات التنموية للبلاد.
وفي سياق ذي صلة، فإن إنجاح هذه الدينامية الاقتصادية والتجهيزية، يتطلب تكاملها مع دينامية أخرى تنشغل بمواجهة مختلف تجليات الهشاشة الاجتماعية وسط شعبنا، خصوصا ما يتعلق بالسكن والتعليم والتشغيل والبنيات الأساسية في المدن والأرياف…، ومن المؤكد أن التكامل بين الديناميتين المذكورتين، سيقوي مسيرة بلادنا ضمن مشروعها التنموي التحديثي.
إن المشاريع الضخمة التي أطلقها جلالة الملك من طنجة خلال اليومين الماضيين، كشفت أيضا عن انخراط استثمارات خليجية، بالإضافة إلى الدور الفرنسي الواضح، في مواكبة المجهود التنموي المغربي، وهذا يؤكد استمرار ثقة العديد من الأطراف الإقليمية والدولية في المملكة، ويبرز، في نفس الوقت، الحاجة إلى مضاعفة الجهد الدبلوماسي والتواصلي في الأوساط الاقتصادية الخليجية بالخصوص، بما يساهم في إنجاح شراكات منتجة وإستراتيجية لفائدة تنمية المملكة، وتعزيز تنافسيتها الإقليمية والدولية.