الرواد المنسيون

كان هناك وعد دائم بتأليف موسوعة يكون الفن التشكيلي في العالم العربي موضوعها. هناك مؤسسة فنية واحدة وضعت ذلك الوعد قيد التنفيذ.
لقد سعدت شخصيا بتلك الخطوة بالرغم من أنني لاحظت أن معظم العاملين في ذلك المشروع لم يكونوا عربا أو أن معرفتهم بموضوعه كانت متواضعة. تلك مشكلة أعتقدت المؤسسة المعنية بالأمر أن في إمكانها أن تحلها عن طريق المال. غير أن الطريق كانت شائكة ومعقدة ومليئة بالدسائس.
ما صار جليا بالنسبة لي أن تلك الموسوعة لن تصدر إلاّ بعد ثلاثين سنة أو أكثر من ذلك. لقد كان العمل يتم ببطء شديد. وكما يبدو فإن غياب المُساءلة كان عاملا مساعدا في الاحتيال على المشروع من خلال سرقة الوقت. بحيث صارت الرواتب تُدفع من غير مقابل. لم يكن هناك مَن يعمل. تعطلت الموسوعة تلقائيا. تلك الموسوعة هي اليوم حاضرة وغائبة في الوقت نفسه.
كان خطأ تلك المؤسسة فادحا حين تعاملت مع المشروع بشيء من سوء الفهم المتراكم حين اعتقدت أن كتابا أجانب يمكنهم أن يكونوا محايدين أكثر من الكتاب العرب في النظر إلى التاريخ الفني العربي من غير أن تدرك أن جهل أولئك الكتاب بالموضوع سيكون عائقا جوهريا يحول دون إنجازه. وهو ما حدث فعلا. لقد ضاع الوقت وأهدر مال، كان في إمكانه أن يغطي تكاليف أكثر من موسوعة.
اليوم علينا أن نفكر بطريقة مختلفة. من وجهة نظري كانت التجربة الفنية العربية غنية بالأساليب والأفكار والرؤى والأحلام والوقائع ذات المغزى، لذلك فمن الضروري التعرّف على تفاصيلها. يجب أن نكتب عن تلك التفاصيل مهما كانت صغيرة.
هناك بشر وهبوا حياتهم من أجل أن يكون الجمال ممكنا، بعد أن فتحوا أعينهم على صحراء، وجدوا أن من واجبهم أن يؤثثوها بأشياء هي من صنع خيالهم. جزء كبير من حياتنا الجمالية هو من صنع الفنانين. التفكير في عمل موسوعي عن الفن في العالم العربي ضرورة.

> فاروق يوسف كاتب عراقي

Related posts

Top