السينما

حيث إن السينما والإقبال عليها هو إقبال على الحياة، فإنها طبيعيا توجد اليوم في عمق انشغالات الفنانين والمثقفين والمدافعين عن الحرية بصفة عامة، وذلك من خلال ما أثير حول بعض المهرجانات الفنية، أو عبر تصريحات شاردة تضع مقاسات غريبة للإبداع ولنظافته المتوهمة، أو كذلك من خلال ما رافق التركيبة الجديدة للجنة دعم السينما من تعليقات.
من جهتنا، نعرف النزاهة الفكرية والأخلاقية لرئيس لجنة الدعم، ونزاهة وكفاءة عدد من أعضائها وقدرتهم على فرض استقلالية قرارهم في التقييم وفي الحكم، ولكن مع ذلك لابد من التأكيد على أن لجنة هذا العام توجد أمام اختبار حقيقي، وعليها أن تبدد مخاوف وتوجسات الجميع، وأن تحافظ لفننا السينمائي عن أفق تطوره، وعن اقتران ذلك أولا وقبل كل شيء بالحرية وبالاختلاف.
من المهم أن تعتمد اللجنة أسلوب المرافعة، وتستدعي أصحاب المشاريع للدفاع عن أعمالهم أمامها، ومن المهم أيضا الارتكاز إلى دفاتر التحملات، ومن المهم ثالثا الحديث عن تكافؤ الفرص، وعن جودة الحكامة، ومن المهم رابعا الدفع بالمعايير الخمسة التي كانت وراء اختيار التشكيلة الحالية للجنة، ولكن من المهم أكثر اليوم التشديد على أن مضامين الأعمال الإبداعية يصنعها المبدعون والفنانون، وليس لجنة الدعم أو الفاعل السياسي والإداري.
إن الانتقال من الكم إلى الكيف، وتطوير جودة المنتوج السينمائي لا يتمان بقرار إداري، أو بفرض  ذوق فني واحد على الجمهور، وإنما الأمر يأتي تتويجا لصيرورة ثقافية وتربوية متكاملة يفرزها المجتمع، كما أن الساحة يجب أن تتضمن مختلف الإنتاجات، ويبقى الجمهور في النهاية هو الحكم.
قد لا يكون للخشية والتوجس مبرر وجود اليوم، ولكن انشغالات مهنيي القطاع وتساؤلاتهم ليست كلها بلا معنى أو أساس، ودور لجنة الدعم أن تجعل قراراتها النهائية مطمئنة للمعنيين بالأمر، ومقنعة للجميع.
من جهة ثانية، إن حقلنا السينمائي الوطني في حاجة فعلا إلى تغيير حقيقي في الحكامة والتدبير، وفي حاجة إلى جعل الشفافية والوضوح ينظمان مختلف العلاقات والآليات والبرامج، كما أنه في حاجة إلى انكباب مستعجل على التأهيل القانوني والتنظيمي للقطاع في مختلف تجلياته، وإلى خطوات ملموسة في مجال البنيات التحتية، خصوصا القاعات والمركبات السينمائية، وفيما يتعلق بالتوزيع والعلاقة مع التلفزيون، وبشركات الإنتاج، أو على الأصح تنفيذ الإنتاج، وبطبيعة العلاقات المهنية السائدة، وبمستويات التكوين، وغير ذلك من الإشكالات والاختلالات التي طالما قيل وكتب عنها الكثير.
السينما صارت اليوم في العالم صناعة قائمة الذات، ولها أساليبها وتقنياتها ومختصوها، وقطاعنا السينمائي الوطني راكم عددا من المكاسب، وفي نفس الوقت يعاني من عديد مشاكل، ويجب اليوم موضعة الورش الإصلاحي المتعلق به ضمن توجه يتطلع إلى تطوير الصناعة السينمائية الوطنية، وفي نفس الآن الحرص على حرية الإبداع، وعلى التعددية، وعلى الأفق المنفتح لمجتمعنا ولمنجزنا الإبداعي والثقافي.
[email protected]

Top