الشاعر على منصة الإلقاء

العديد من المبدعين لا يعيرون اهتماما  لأسلوب تلاوة نصوصهم، سواء كانت هذه النصوص قصائد أو قصصا أو سوى ذلك من أشكال التعبير.
 نلمس هذا بالخصوص خلال اللقاءات التي تبرمج فيها القراءات الشعرية.
 يصعد الشاعر إلى منصة الإلقاء بخطوات مرتبكة مع أنه يفترض أن يكون متحليا بالشجاعة والثقة والنفس، بالنظر إلى ما يفترض أن يحيل عليه شعره بحد ذاته، ربما عليه أن يحرر نفسه من الخوف والجبن قبل أن يدعو إلى التحرر منه في شعره.
 وهو على منصة الإلقاء، يبحث في جيبه عن الأوراق التي من المفترض أن يكون قد كتب عليها أشعاره، وهي عادة ما تكون عبارة عن قصاصات مطوية بسبب خوف قديم ما زال يسكنه، رغم حدوث الانفراج، ولكن ما الذي يمنع شعراءنا، أغلب شعرائنا بالأحرى، من حفظ قصائدهم، ونحن نعلم أن الشعر منذ الأزل مرتبط بالحفظ، حتى أنه كان يطلق عليه المحفوظات. كيف نطلب من القارئ أن يحفظ قصائد شاعر ما بينما هو نفسه لا يحفظ قصائده؟
 لعل الشعر الحديث، خاصة ذلك الشعر المتحرر من كل شيء، يبدو عصيا على الحفظ في الذاكرة. ولكن ما الذي سيحفظه القارئ من نصوص خالية من الصور الشعرية، وربما خالية حتى من الإيقاع، لا قيمة للكلمة فيها، مع أن القصيدة تكتب بالكلمات، وحيث لا مجال لإسقاط أي كلمة، لا بل أي حرف منها.
 الكثير من الشعراء وهم على منصة إلقاء قصائدهم، يبدون كأنهم يقومون بمهمة مكرهين عليها، ليس هناك انسجام بين ما يتلونه ويتفوهون به وبين حركاتهم وتعابيرهم الجسدية، لا علاقة بين مضمون القصيدة، إذا جاز الحديث عن مضمون أصلا، وبين صورها الشعرية والطبقات الصوتية لقارئها، أما ملامح وجهه فلا تكاد تعبر عن أي شيء، أو قد تعبر عن عكس ما يرغب في إيصاله لمتلقي، أشك في أنه يستوعب ما ترمي إليه القصيدة الملقاة.
 ما الغاية من تنظيم قراءات شعرية وغيرها من القراءات، إذا كانت ستمر على هذا النحو، إنها لا تعدو أن تكون احتفالية تتاح فيها الفرصة لالتقاء الشعراء بقرائهم، وهل هناك قراء للشعر قبل كل شيء؟
 فمن خلال اللقاءات التي تنظم لإلقاء القصائد، عادة ما يكون الحاضرون متألفين من المشاركين في تلك اللقاءات، بمعنى أن الشعراء ينصتون لبعضهم البعض، منهم من يقوم بذلك مكرها، اعتبارا لأن هدفه هو الحصول على التعويض الذي من المفترض أن تكون إدارة الملتقى قد وعدته به، ولعل أبلغ صورة على ندرة قراء الشعر هو نسبة مبيعات الدواوين الشعرية بحد ذاتها.
 لكن مهما يكن؛ فإن الشعراء الحقيقيين لا يصابون بإحباط، بل يواصلون نشر إنتاجهم، ولا ينتظرون شيئا، نظرا لأن علاقتهم بالشعر، هي علاقة وجودية قبل كل شيء.    

عبد العالي بركات

[email protected]

Related posts

Top