الشريك الأوروبي

خلف موقف البرلمان الأوروبي القاضي بعدم تمديد اتفاقية الصيد البحري مع المغرب بعض الاستغراب، ليس فقط جراء المبررات التي استند إليها، أو بسبب الإقحام الفج في كل مرة لموضوع الوحدة الترابية للمملكة، ولكن لتزامنه مع مرحلة جديدة في المسار الديمقراطي للمملكة، شهدت إقرار دستور جديد وتنظيم انتخابات مغايرة لسابقاتها، وهذه الدينامية المتميزة في المنطقة هي التي تجد نفسها اليوم في مواجهة هذا الجواب من الشريك الاستراتيجي الأول للمملكة.
من جهة ثانية، فإن تمديد الاتفاق يح+مل منافع وإيجابيات للطرف الأوروبي بالدرجة الأولى، وخصوصا على صعيد قطاع الصيد في إسبانيا، وهو ما يفسر الانتقادات الكثيرة لتصويت بعض البرلمانيين الاسبان، وأيضا مطالبة مدريد الاتحاد الأوروبي بتعويضها ماليا عما ستعاني منه جراء توقيف العمل بالاتفاق مع المغرب، فضلا على أن تمديد الاتفاق لم يكن يحمل كثير منافع للمغرب، خارج التعويض المالي الذي لا يزيد حجمه عن 36 مليون أورو.
يبدو واضحا إذن أن موقف البرلمان الأوروبي فرضه الإصرار على ممارسة صلاحياته كاملة في مواجهة المفوضية والهياكل الحكومية في الاتحاد، ولم يستحضر أبدا البعد الاستراتيجي والشمولي في الشراكة الأوروبية مع المغرب، ما يطرح على الرباط اليوم ضرورة الانكباب على مختلف ملفات هذه الشراكة، بما يحفظ الثروات الوطنية أولا، ويساهم في النهوض بالقطاع، وأيضا بما يفرض على الشريك الاستحضار الدائم لمصالح المغرب وأدواره المتعددة لصالح الاتحاد الأوروبي اقتصاديا واستراتيجيا وسياسيا.
من دون شك، أن القرار السياسي قد ينجح في إيجاد أجوبة ومخارج لموقف البرلمان الأوروبي في الفترة القريبة، خاصة بعد ردود الفعل الأوروبية الرافضة، ومن المؤكد أن ما حصل لن يؤثر سلبا على منظومة الشراكة بين الرباط وبروكسيل في شموليتها، ولكن مع ذلك، فمن المهم اليوم التفكير في سبل وآليات أكثر نجاعة لحماية ثرواتنا  السمكية، والنهوض بالقطاع، والاهتمام بأوضاع ومطالب العاملين والمرتبطين به، بالإضافة إلى تقوية التخليق والتحديث وجودة الحكامة داخله.
على صعيد آخر، فرغم الموقف الحازم الذي عبرت عنه وزارة الشؤون الخارجية، فان ذلك لا يمنع من التنبيه إلى ضعف المملكة في إيجاد قوى مساندة لمصالحها ومواقفها داخل البرلمان الأوروبي، وفي الأوساط النافذة والمؤثرة على القرار.
وليست المسؤولية هنا حكومية فقط أو ديبلوماسية، بقدر ما أنها تهم كذلك مؤسستنا التشريعية التي هي في حاجة إلى تطوير الديبلوماسية البرلمانية في اتجاهات أكثر حرفية ونجاعة وترتكز إلى مصداقية سياسية عالية، ومهارات معرفية تقتضيها طبيعة ومستويات الأوساط المستهدفة.
ونحن نستعد لافتتاح مجلس النواب الجديد، نأمل أن تتوفر له إستراتيجية واضحة ومدققة بهذا الخصوص، ويتولى تنفيذها برلمانيون يمتلكون الحنكة السياسية اللازمة، والمصداقية الضرورية، والمهارات السياسية واللغوية والتكوينية المطلوبة،على أن يتأسس تنسيق وتعاون دائمين ومتكاملين مع وزارة الخارجية ومع الممثليات الديبلوماسية ومراكز البحث والفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين والإعلاميين بغاية استثمار كل الإمكانات المتاحة لخدمة مصالح البلاد..
[email protected]

Top