الكاتب التونسي حسونة المصباحي.. يستهويه الترحال والمغرب عشقه الكبير

حسونة المصباحي، كاتب تونسي صار اسمه دارجا لدى القراء وجمهور المثقفين المغاربة، بعدما اقترن بموسم أصيلة الثقافي، الذي ما فتئ يؤكد من خلاله عشقه الكبير للمغرب، خاصة في بعده الثقافي والفكري.
بعفوية كبيرة، يقول هذا الكاتب، في حديث كان قد خص به وكالة المغرب العربي للأنباء بمناسبة الزيارة التي يقوم بها للمملكة بغرض كتابة مؤلف عن أدب الرحلة، الذي يصفه بكونه “مشروعا قديما اشتغلت عليه ردحا من الزمن حتى استوى”، إنه منذ أول زيارة للمغرب في صيف 1981، في بداية مسيرته الصحفية والمهنية، اهتم بالمغرب “كأفق ثقافي يحررني من الأفق التونسي الضيق، لذلك واكبت تجارب الكتابة في الفن والأدب والتشكيل”.
ويضيف “تعرفت على رواد الفكر والفن والسينما بالمغرب، وعشت مع كتاب كبار، منهم محمد شكري ومحمد زفزاف ومحمد بنيس وعبد الكبير الخطيبي، كل هؤلاء تعرفت عليهم واستمعت إليهم وتعلمت منهم، فحتى بعد انتقالي إلى ألمانيا كنت أعود الى المغرب لكي أتغذى ثقافيا، وكي أعمق تجربتي في الكتابة والفكر، هناك مفكرون كبار أعتز بهم كمحمد العروي الذي قرأت كل كتبه وفي كل كتاب كنت أتعلم”.
ما بين مغادرته للمغرب منذ سنوات، وعودته إليه اليوم، متغيرات كثيرة شهدتها المنطقة المغاربية، جعلته يدخل في مقارنة بين تونس والمغرب، مستبعدا الحديث عن الجزائر، لأنه غير ملم تماما بواقعها الثقافي، فزياراته لهذا البلد كانت بعدد أصابع اليد.
بالنسبة إليه، المغرب يسير في الطريق الصحيح، وهو يقين راسخ لديه، لأنه يمنح الجانب الثقافي أهمية كبيرة، يحكي المصباحي كيف أنه عندما كان بالأقاليم الجنوبية للمملكة وقضى بها فترة من الزمن، لاحظ أن الثقافة تحتل حيزا هاما هناك، وكان لها دور كبير في توعية الناس، هناك جهد كبير في بناء المتاحف والمؤسسات الثقافية، وتجميع الأشعار والموروث الغنائي والموسيقي بالمنطقة، الجميع هناك يتحدثون لغة الحب، ولا مجال للغة الحرب والقوة بينهم.
وأضاف “عاينت بالأقاليم الجنوبية للمغرب بناء، وأقول بكل صدق إن المستقبل للبناء ولمن أنجزوا البناء، وليس للمخربين والذين يركبون شعارات تفتح أحيازا لصراعات لا هدف منها سوى التدمير والخراب”.
“فالثقافة تعلم الناس الحب، كما يعلق، ولا تعلمهم القتل، هذه هي الثقافة التي تجعل الإنسان هادئا على وجه الأرض، وهو ما أنعش نفسي، وأنا أزور الداخلة والعيون وطرفاية، وجدت أناسا يتحدثون عن الثقافة ويعطون للثقافة حقها في بناء مغرب جديد، وأنا لا ألاحظ ذلك في بلدي حيث طغى حديث الإيدولوجيا والسياسة، لا شيء سوى ثرثرة السياسيين واستعراض القوة في ما بينهم، جهل بالثقافة التونسية في قديمها وحديثها”.
برأي هذا الكاتب، فبالفكر والعمل الثقافي الجاد استطاع المغرب أن يحصن المكتسبات التي حققها على طريق بناء نموذج متميز إقليميا وقاريا، وهو ما افتقدته دول الجوار، وخاصة تونس التي يقول عنها، بغصة في الحلق، “أريد أن تسترجع تونس الثقافة وحبها للثقافة كما كانت، لأنها أنقذت الإنسان التونسي من الكثير من المصائب، وعلى السياسيين استخلاص الدرس، فهم غير واعين بأهمية الثقافة في بناء الإنسان، الثقافة هي ذلك الرصيد الأهم في بناء الشعوب وإعطاء الثقة في الذات”.
وعن عشقه الكبير لمدينة أصيلة، المدينة الصغيرة بمساحتها والممتدة بإشعاعها الثقافي، يؤكد أنه بالنسبة إليه فالمدينة “ارتبطت باسم محمد بنعيسى، الرجل الذي جعل منها مركزا ثقافيا مشعا على مستوى العالم، وأنا لا أستطيع أن أخفي حبى لها وسعادتي الغامرة كلما تواجدت بها، ولا أجد لذلك تفسيرا، لأني تعلمت في أصيلة، وفيها تعرفت على فنانين وكتاب من مختلف الآفاق في تجربة ثقافية عميقة جدا”.
ويضيف “كلما أتجول بها أشهد التغييرات التي حدثت بها، واهتماما غير محدود بالبيئة، وهو ما زاد من انجذابي إليها، فقد تعلمت من الألمان الاهتمام بالبيئة لأنها مستقبل الإنسانية، كانت مدينة صغيرة تكاد تكون مهملة، وأصبحت مدينة جميلة بحدائقها التي خلدت ذكرى كتاب كبار مروا بها ولم تتنكر لهم، وخصتهم بحدائق تحمل أسماءهم، ومن بينهم الطيب صالح وسيدار سنغور ومحمود درويش وبلند الحيدري.. أصيلة تجربة ثقافية مهمة في حياتي”.
فكاتب روايات “يتيم الدهر”، و”وداعا روزالين”، و”رحلة في زمن بورقيبة”، والحائز على جائزة محمد زفزاف للرواية العربية في دورتها السادسة، يؤمن أن “الصراعات مردها الإيديولوجيات التي تفضي إلى الحروب والنزاعات، وتدمر شعوبا ومجتمعات، ولا تعمر قط ولا تشيد البتة”.
ويؤمن أيضا أن مهمته ككاتب أن يكتب حكايات أولئك الأشخاص البسطاء الذين لم تتح لهم فرصة رواية حكاويهم الخاصة، ويكتب من أجل القراء الذين لا تستهويهم سوى متعة القراءة، موقنا أن التواضع والبساطة ينبغي أن تكون من سمات الكاتب، فالمهم برأيه “ما تكتب وليس من تكون”.
وفي هذا يشير إلى أن تعالي المثقف يكسر نبل الكتابة ورقيها، وهو هنا يستحضر انتماءه لمجتمع الرحل، لذا فهو دائم التنقل، جغرافيا وفي اختياراته الأدبية والفكرية، مستكينا إلى جذوره الممتدة في إحدى القرى التونسية الفقيرة، والتي يقر أن حبه للقراءة والكتاب هو من أنقذه من بؤسها، غير أن داخله ما يزال مسكونا بذلك الشعور العميق بالمعاناة والفقر داخل قرية تفتقد للشروط الضرورية للحياة.
ويستعيد أول رواية صدرت له بالمغرب عن دار توبقال، والتي كتب فيها “خان أجداده الرحل في كل شيء إلا في حبهم للترحال والتيه”، مؤكدا أن “الترحال في ذاكرتي وروحي”، فهو في حالة سفر دائم، وفي حالة كتابة دائمة، فالكتابة عنده تقترن بالترحال بمعنييه الحرفي والضمني، وهو محب كبير للكتاب الذين يؤلفون وهم مسافرون، لكنه يبقى دائم الارتباط بقريته الصغيرة التي ولد فيها، هي دائمة الحضور من خلاله.
فحسونة المصباحي، الذي يرى أنه بالنسبة للكاتب ليس هناك خط مستقيم، ودائما هناك انزياحات ومنعرجات، اختار العودة لقريته، التي يحكي أنه لم يكن يوجد بها ولو كتاب واحد، وهو ما خلق لديه ارتباطا خاصا بالكتاب الذي يقول عنه إنه “ساعدني على تحمل الألم والمعاناة، عشقت القراءة ومازلت، عدت إلى قريتي وأنشأت بها مكتبة وكانت المكتبة الأولى بقريتي”.

Related posts

Top