المغرب لا يستحق هذا

غرابة مشهدنا السياسي أنه أصبح في الفترة الأخيرة ينتج الكثير من العبثيات التي تأبى أن تأتي منفردة، إنما تهجم على البلاد واحدة تلو الأخرى، حتى بات الكثيرون اليوم يتساءلون عما إذا كانت هناك جهات ما ترفض أن ينجح المغرب في مساره الإصلاحي والديمقراطي.
التحالف الثماني الغريب، الذي أعلن عنه أمس في الرباط، زاد التباس الأوضاع والأفق التباسا أكثر، وفرض على الكل أن يعيد البدايات إلى بداياتها.
الأوساط الرجعية جدا لم تكتف بخرجة غريبة كان بطلاها حزبان مشاركان في الأغلبية الحالية ينسقان سياسيا وداخل قبة البرلمان مع حزبين يتواجدان في المعارضة، ويجتهدون كلهم في تعلم رقص التائهين، بل جرى تجميع ثمانية عناوين حزبية تمثل خليطا عجيبا من الشعارات والمواقف والخطابات، وأعلن عن تحالف لا يعدو كونه تعبيرا تنظيميا عن أهداف وأوساط رفعت أسماؤها وصفاتها وصورها عاليا خلال احتجاجات الشارع، وهي اليوم، وبدل استيعاب الدرس والإشارة تختار العمى في البصر وفي البصيرة، وترمي في وجه المغاربة كلهم بعجين سمي تحالفا يروم وقف مسار التغيير، وفرملة ديناميات الإصلاح، ولا قدر الله جر البلاد بعيدا إلى الخلف.
من حق كل أحد أن يتحالف مع من شاء، ومتى شاء، والعلاقات الديمقراطية والتعددية تستوعب كل الأشياء، حتى العبثية منها، لكن من حق شعبنا أيضا أن تكون له طبقة سياسية جدية ومسؤولة وذات مواقف وقيم واضحة..
ما معنى اليوم أن تباشر تنظيمات يقال،والله أعلم إنها يسارية، مسلسلا تنسيقيا وإعدادا لتظاهرات مشتركة، وفي نفس الآن لا تتردد في رفع  يد الزعيم عالية إلى جانب كل وجوه الماضي اليميني الذي أوصل البلاد والعباد إلى ما تناضل اليوم قصد الانعتاق منه؟
الجواب، هو أن السياسة هنا بلا أخلاق، وبلا قيم…
من يريد إذن  أن يقول للمغاربة اليوم: موتوا بشعاراتكم وبصراخكم في الشارع وبكل مطالبكم، أما نحن فلن نقدم لكم إلا الوجوه نفسها، والسياسات ذاتها، وما يجري هنا وفي بقية الأمكنة القريبة منا لا يهمنا، ولن ننتبه إليه، ولن يخيفنا أن تتطرفوا جميعا، أوأن تقاطعوا كلكم، أو حتى أن تختاروا جميعكم الشارع سكنا ومأوى لكم …؟
من يريد أن يجعل الدستور المتقدم بلا معنى وبلا أثر وبلا امتداد؟
من يريد أن يقنعنا قسرا أن رصاص العقود الماضية كان هو الأحسن وهو الأنسب لنا ولأفقنا؟ من يريد أن يعيد لنا كل الصور وكامل الحكاية؟
الأسئلة كلها وغيرها مطروحة وسط شعبنا، وهي تترجم حالة التباس، وصعوبة موجودة لدينا في الاطمئنان إلى المستقبل.
إن البلاد لا يمكنها إلا أن تسير إلى الأمام في مسارها الديمقراطي والحداثي، ولا يمكنها أن تنجح في ذلك بسياسات الماضي وبوجوه الماضي، حتى وان تبدلت اللبوس والأقنعة والكلمات..
المغرب يستحق أفضل من هذه الطبخة البائتة والحامضة..

Top