المغرب وأمريكا

الاتصال الهاتفي الذي أعلن بلاغ صدر عن الديوان الملكي أن جلالة الملك تلقاه من الرئيس الأمريكي باراك أوباما، بقدر ما يبعث إشارة واضحة تؤكد على العلاقات الإستراتيجية بين الرباط وواشنطن، فإنه أيضا لا يجب التعاطي معه كما لو أنه انحياز أمريكي مطلق إلى جانب المغرب ضد جاره الشرقي الجزائر، ذلك أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تتردد كل مرة في التأكيد على أن حرصها الأول يكون على مصالحها قبل مراعاة مصالح أي كان، ومن ثم، على الرباط أيضا جعل سياستها الخارجية تجاه واشنطن وغيرها تنتظم ضمن إطار الدفاع عن مصالح المغرب أولا وقبل كل شيء.
لقد توقفت المكالمة الهاتفية بين جلالة الملك والرئيس الأمريكي عند الأهمية التي تكتسيها قضية الصحراء المغربية لدى المملكة والشعب المغربيين، وأيضا المخاطر التي قد تنجم عن أي تغيير في طبيعة مهمة بعثة المينورسو. كما أورد بلاغ الديوان الملكي أن الرئيس أوباما أشاد بالتقدم الملموس والإصلاحات التي أطلقها جلالة الملك في كافة المجالات، والتي تجعل من المغرب نموذجا بالنسبة للمنطقة برمتها، ويبين هذا تشبث المغرب بالثابت الوطني المتمثل في وحدته الترابية، ثم إصراره، في نفس الوقت، على الاستمرار في الإصلاحات، وفي ترسيخ البناء الديمقراطي الحداثي في البلاد.
ومن جهة ثانية، فإن العلاقات المغربية الأمريكية اليوم، وبالإضافة إلى ما سبق، يؤطرها الحوار الاستراتيجي القائم بين البلدين منذ العام الماضي، وخصوصا التعاون العسكري والأمني بينهما، وأيضا التعاون والتنسيق على مستوى محاربة الإرهاب، وفي مختلف ملفات الأوضاع الدولية الساخنة (سوريا، مالي، فلسطين وغيرها)، وهنا لابد للديبلوماسية المغربية أن تستثمر كل أوراق القوة المميزة للموقف المغربي ولموقعه الجغرافي والاستراتيجي.
لقد أكدت الأحداث الأخيرة، المرتبطة بملف وحدتنا الترابية، أن العلاقات الدولية تحكمها المصالح أولا، كما تشترك في صنعها كثير أطراف حكومية وغير حكومية، بالإضافة طبعا إلى التأثير القوي لوسائل الإعلام ولعمل المنظمات المدنية وغيرهما، ومن ثم، لابد لبلادنا أن تستحضر كل هذه المتغيرات، وتبادر إلى تطوير سياستها الخارجية، وجعلها أكثر تنوعا، وأكثر هجومية، وأكثر نجاعة.
ولإنجاح هذه الدينامية على الصعيد الدولي، لابد أيضا من الانكباب على البعد الداخلي، وذلك من خلال تطوير مقاربة تشاركية ديمقراطية لملف وحدتنا الترابية، ولكل ملفات السياسة الخارجية الأخرى، علاوة على أهمية مواصلة إعمال الإنجازات التنموية في الأقاليم الجنوبية، وترسيخ أسس الديمقراطية ودولة القانون داخل هذه المناطق، وبمجموع التراب الوطني، وبالتالي تقوية الجبهة الوطنية الداخلية دفاعا عن الوحدة الترابية وعن تمتين الخيار الديمقراطي والإصلاحي في البلاد.
[email protected]

Top