كتبت مقالة رأي منتصف سنة 2013 بعنوان “المقاطعة: سلاح نشهره في غير محله”. تناقلتها عدة منابر إعلامية رقمية. وكان الهدف منها وقف مهازل العزوف السياسي والانتخابي. ودعم المشاركة في صنع القرار الوطني بالانخراط السياسي وانتقاء الكفاءات والشرفاء لشغل مناصب المسؤولية. وفضح المفسدين. وهي المقالة التي أعيد نشرها بعد انتفاضة الشعب المغربي سنة 2018 وفرض مقاطعة جماعية لبعض المواد الاستهلاكية. حيث لوح بعض الإعلاميين إلى كون عبد ربه هو أول من دعا إلى المقاطعة. في وقت كان الكل يبحث عن من أشعل فتيل تلك المقاطعة التي تضررت منها شركات كبرى لمسؤولين كبار.
لا بأس إذن أن أعيد نشر تلك المقالة في وقت بات من الواجب تحسيس وتوعية بعض المغاربة بخطورة وعواقب استعمال سلاح “المقاطعة” في غير محله. والتسبب في ضياع فرصة التغيير وفرض البديل داخل الحكومة والبرلمان بغرفتيه، وداخل الجماعات الترابية ومجالس الجهات والعمالات ومجالس الأقاليم والغرف المهنية. بعدما مرت انتخابات أعضاء اللجان متساوية الأعضاء بنفس الأسلوب القديم الرديء. حيث العزوف والانفراد بقرارات الترشيح والتضييق على الشغيلة وابتزاز أصواتهم.
عجيب أمرنا نحن المغاربة. لدينا السلاح الحاد والقادر على مواجهة كل إعصارات المستثمرين والوسطاء الذين يقتاتون من أموالنا وعرقنا ودمائنا. يسارعون الزمن من أجل تكديس الأموال والعقارات. هؤلاء الذين يحتكرون بعض المواد الاستهلاكية، ويتلاعبون في أسعارها بمبررات واهية. هؤلاء الذين يسوقون منتجاتهم وفق ما أحبوا واشتهوا دون حسيب أو رقيب لأسعارها ومدى ملاءمتها مع القدرة الشرائية للشعب، ومدى جودتها وأهميتها.
لدينا سلاح المقاطعة والامتناع عن التواصل والتجاوب معهم ومع خططهم، ورفض استهلاك كل منتجاتهم، وجعلها تتراكم داخل مخازنهم لتتعرض للتعفن والإتلاف. لكننا لا نتوحد من أن أجل إشهار هذا السلاح الفتاك في وجه كل من يريدون ابتزازنا ويسعون إلى إفقارنا من أجل تضخيم حساباتهم البنكية. اعتدنا الاحتجاج وانتظار رد فعل الحكومة، من أجل التدخل وإنقاذنا من المدمنين على جمع المال وتخزينه بالمغرب والخارج. والذين لا يهمهم سوى ما يوفرون سنويا من أرقام مالية تزيد من أسهمهم داخل البورصات والأبناك الوطنية والدولية. لنتوحد من أجل تلقين هؤلاء وأولائك دروسا في الاحترام الواجب للمستهلك، وفي التقنين الواجب للأرباح. ولتعلم الحكومة والدولة أن عليهما توفير المواد الاستهلاكية الضرورية لكل فرد من أفراد الشعب، بأثمنة رمزية، لأنها تدخل ضمن حقوقه المتمثلة في التغذية والسكن والعمل والصحة والتعليم. وأن الشعب لا يتسول ولا يتوسل حقوقه، بل يطالب بها برأس مرفوعة وهمة وكرامة. وينتزعها انتزاعا إذا تطلب الأمر ذلك. عجيب أمرنا ونحن الشعب الوحيد الذي يمكنه تغيير وجباته اليومية وتنويعها بالنظر إلى تقاليدنا وسمو مطابخنا، وسخاء طبيعتنا (الأم الحاضنة) التي توفر لنا من كل الطيبات والملذات. بإمكاننا مقاطعة الحليب المصنع ومشتقاته، واقتناء الحليب الطبيعي مباشرة من عند مربي الغنم والأبقار والجمال والماعز. أو من عند وسطائهم القرويين الفقراء الذين اعتادوا بيع الحليب بالتجوال، أو من عند (المحلبات). بإمكاننا شرب الشاي بالنعناع أو الزعتر أو فلييو او خزامة. وبإمكاننا صنع الرايب التقليدي اللذيذ والمغذي والذي لا يحتوي على تلك السموم التي تمزجها الشركات داخل منتوجاتها لضمان الحفاظ على جودتها. بإمكاننا الامتناع عن شراء كل أنواع الخضر أو الفواكه التي يقوم الوسطاء والجمالة بتخزينها وانتظار نذرتها في الأسواق الحضرية والقروية، لإخراجها من أجل بيعها بأثمنة باهضة دون احترام لجيوب الفقراء والموظفين والكادحين. بإمكاننا الامتناع عن ركوب سيارات الأجرة إن زاد ثمن تذاكرها واستبدالها بالحافلات أو العكس. واستبدال الأدوية الطبية العصرية بأدوية طبيعية. وبإمكان البعض التخلي عن قنينات غاز المطبخ ولو لأيام قليلة واستعمال “المجمر” و”الكانون”، والكهرباء والطاقة الشمسية. بإمكاننا جعل هؤلاء يطلبون نجدتنا من أجل إنقاذ شركاتهم من الإفلاس. لأنهم لن يصمدوا أمام مقاطعتنا لمنتجاتهم ولو ليوم واحد. وبدلا من كل هذا للأسف ننتظر تدخل الحكومة من أجل إنصافنا. ونحن نعلم أن كل زيادة في الأسعار هو بتزكية وقبول تام من طرف الحكومة. وأن الثنائي الحكومة والباطرونا يعقدان اجتماعات مكثفة سرية من أجل تحديد متى وكيف سيتم الإعلان عن تلك الزيادات، ويقضيان الأيام في جس نبض الشارع، واختيار الموعد المناسب. لكي يزفوا لنا بشرى الزيادة. عجيب أمرنا نظل نشهر هذا السلاح في غير مكانه. نقاطع التسجيل في الانتخابات، ونقاطع الانتخابات الجماعية والتشريعية والاستفتاءات، مع أننا مرغمين على الخضوع لقرارات المنتخبين وبرامجهم ومخططاتهم اللاشعبية طيلة مدة ولاياتهم. نرفض الترشيح والتصويت للأصلح الذي ينبغي أن ننتقيه نحن، لا نجعله هو من يسوق لترشيحه. وندعمه لكي يكون أملنا في التغيير من داخل المجالس الجماعية والإقليمية والجهوية وغرفتي البرلمان. نقاطع الإصلاح في إطار جمعيات المجتمع المدني، التي يمكن بفضلها أن نغير قدر المستطاع وجه المدينة والحي والشارع. وأن نغير سلوك الأطفال والشباب والنساء والرجال.. حول أمور تخص حيواتنا اليومية وتعيد إلينا لمتنا وتماسكنا القديم (أوليدات وبنيات الحومة)، و(الجماعة بجزم الجيم)، وتعاطف الجيران. نقاطع الحوار والتفاوض والتواصل مع الأهل والأحباب والجيران لأسباب وخلافات تافهة، ولمدد قد تصل إلى عدة سنوات، نفقد من خلالها أخوتنا وروابطنا. ولا نستطيع أن نقاطع أكلة بالطماطم أو وجبة بالحليب ليوم أو يومين. علما أن لدينا البدائل التي لا تعد ولا تحصى.
بقلم: بوشعيب حمراوي