وبهذه الترجمة يؤكد الشاعر نور الدين الدامون انخراطه في مشروع تشيد جسر العبور نحو الشعريات المجاورة خاصة منها الإيبيرية، وينتمي الويس سيرنودا إلى شعراء جيل ما قبيل الحرب الأهلية الإسبانية 1898/1936، الذي يتشكل من عدة شعراء كبار مثل أنطونيوماشادو وميغيل دي أونامونو، وبيدرو ساليناس، وخوان رامون خمنيث، وغيرهم، وظل شعر سيرنودا، غير معروف وهو يكتب من منفاه الطويل بإنكلترا (1937/1947( وبالولايات المتحدة (1947/1952) معبرا عن احتقاره العميق الإسباني تجاه العالم المادي الانكلوساكسوني.
ولئن كانت الحرب الأهلية الإسبانية غيرت مجرى التاريخ بإسبانيا فهي بدورها، ورغم المنفى، تركت تأثيرا دراميا على حياة الويس سيرنوداب وعلى إنتاجه الشعري، ومن هنا عانق شعره المدارات الوطنية التقدمية للشاعر الكبير انطونيو ماشادو، فظل يعتبر إسبانيا أمه قبل أن يبعدوه عن ثديها بفعل العراك الدموي بها على حد تعبير الروائي اخوان غويتصولوب. إلى جانب هذا يمكن اعتبار شعر سيرنودا يعتمد على ثلاثة محاور أساسية. محور التمرد الديني وذلك بمدحه للملذات الأرضية التي تتنافى أساسا مع المذهب البيوريتاني الضيق للوسط الإسباني الذي كان يعيش فيه.
محور الإشادة ورثاء الشعراء الذين وضع الله في قلوبهم عطش الخلود، وبالموت وحده هو الذي يسمعهم الأغنية التي وعدهم بها. وفي هذا السياق صرح قائلا في إحدى محاضراته سنة 1935 الشاعر هو تقريبا دائما ثوري، وهو كباقي الناس تنقصه الحرية، لكنه يتميز عنهم بكونه يرفض أن يقبل الحرمان منها، ومن ثمة يصطدم عدة مرات بجدار سجنه وكتب عن مواقفه من الحرب الأهلية الاسبانية التي تركت سنواتها المرعبة في الذاكرة الإسبانية جروحا عميقة.
ويتميز ديوان “الواقع والرغبة” بلوحة تشكيلية فاتنة للفنان العالمي ماتيس ويتكون هذا الديوان الصادر عن المطبعة السريعة بالقنيطرة في طبعته الأولى (2010) والذي يقع في 90 صفحة من الحجم المتوسط، من القصائد التالية:مقبرة المدينة، الخرائب، إلى لارا مع بعض الزنبقات، للأسف إنه وطني، طيور الليل، مناجاة حارس المنار، سأحدثكم عن ولادتكم، المطاهر (إلى أوكثافيوباث)، المخلص، معك، الرجل وحبه، إسباني يتحدث عن وطنه، إلى مواطنيه، العندليب على الحجرة، أن تولد في “سانسونيا” الثناء الإنساني، إلى شاعر المستقبل، خاتمة القصائد، العازر، انطباع المنفى، المرتبة الإسبانية، مجد الشاعر، إلى شاعر ميت (فيدريكو كارسيا لوركا).
يقول الشاعر لويس سيرنودا في قصيدته “مناجاة حارس المنار”:
من أجلك أيتها الأرض أجد نفسي صدى لشخصي
القديم/ الذي كنته
بفضلك لوثت بهذه الخيانات فتوَّتي
بفضلك أجد نفسي، واكتشافاتي المكوكبة،
مطهرة من كل الشهوات،
الشمس يا إلهي، الليل الصاخب،
الغابة ونفسها الوثني،
والبحر، البحر فاتن كإسمه،/علاوة على هذا
جسد ممشوق ومعتم
أجدك ياعزلتي عزيزة،
تمنحني القوة والضعف كالطائر المنهل ذراعيه من الحجر.