الوضع الأمني

بالرغم من كون بعض برلمانيينا أصروا، أثناء مساءلتهم لرئيس الحكومة حول الوضع الأمني في البلاد، على تدخلات شاردة حلقت بالموضوع بعيدا عن الجدية، ومنهم من أقحم قضايا أخرى، وآخرون مالوا نحو مقارنات متوهمة، لكن مع ذلك، يبقى الموضوع ذا أهمية كبيرة ضمن انشغالات شعبنا.
ليس في المغرب انفلات أمني، وهذا فعلا كلام صحيح، وسهل المقارنة بالنظر إلى ما يجري في بلدان قريبة منا، وهذا المكتسب يجب أن يدافع عنه الكل، أغلبية ومعارضة، لأنه يبقى هو منطلق كل الأشياء الأخرى في السياسة وفي الاقتصاد وفي… الحريات.
إن تثبيت الأمن في البلاد، في الشوارع وداخل الأحياء وفي كل الفضاءات العمومية، يندرج ضمن حق المواطنين في السلامة الجسدية، وفي حماية أمنهم وممتلكاتهم، وهذه مسؤولية الدولة وأجهزتها تجاه المواطنات والمواطنين، أي أن البعد الحقوقي في الموضوع حاضر بقوة ووضوح، وهذا البعد لو تم استحضاره بشكل رئيسي في التدخلات البرلمانية كلها، لكان بإمكانه أن يسمو بالنقاش إلى مستوى أكثر عمقا وراهنية، وأن ينتظم ضمن الأوراش الإصلاحية والديمقراطية التي تخوضها اليوم المملكة.
من جهة أخرى، إن تأهيل عمل المصالح الأمنية، خصوصا على صعيد العلاقة مع المواطنين، يقتضي أساسا تعزيز هذه المصالح بالموارد البشرية الكافية، وتوفير الإمكانات المالية والتقنية واللوجيستية الضرورية، وتقوية المهنية والتكوين داخل القطاع، بالإضافة إلى إشعاع ثقافة القانون وحقوق الإنسان وربطها جدليا بالنجاعة المهنية وفعالية الأداء والتدخل، وكل هذا يعني الاهتمام بالعاملين بالقطاع وتحسين أوضاعهم المادية والاجتماعية والمهنية.
وعلى مستوى آخر، من الضروري أن يستعيد المغاربة ثقتهم في الشرطة، ويأمنون لها كي يدافع عناصرها عن مصالحهم وسلامتهم وأمنهم، أي أنه بالإضافة إلى ما ذكر أعلاه، لابد من تفعيل مقتضيات المراقبة والتتبع لما يجري داخل مراكز الشرطة على مستوى التعامل مع المواطنات والمواطنين، وتقوية التخليق والنزاهة والالتزام بالقانون واحترام كرامة الناس، بالإضافة إلى تطبيق المبدأ الدستوري القاضي بربط المسؤولية بالمحاسبة.
يتضح إذن أن الأمر يتعلق فعلا بمقاربة شمولية ومتعددة الأبعاد، وتعني أكثر من قطاع حكومي واحد، كما أنها تستدعي انكبابا مستعجلا وجديا لمعالجة كل الاختلالات.
ليس في البلاد انفلات أمني، هذا صحيح أيضا، ولكن هناك أحياء بكاملها في العديد من مدننا لم يعد حتى الدخول إليها متاحا لكل الناس، وهناك شوارع وأحياء لا يمكن الحديث حتى في الهاتف المحمول بحرية داخلها، وهناك منحرفون باتوا يتحركون وسط مناطق مختلفة ويمارسون إجرامهم واعتداءاتهم على الأبرياء بواسطة السيوف والمدي والصواعق الكهربائية…
وهذه الظواهر الخطيرة بإمكانها أن تتطور، وبإمكانها أن تصير أحيانا خارج السيطرة، وهي تسيء لسمعة البلاد، وتنفر القادمين إليها…
ليس الأمر ترويعا، أو ركوبا إعلاميا بليدا، وإنما هو دعوة للانتباه إلى ما يعانيه الناس يوميا وسط أحيائهم، ونداء من أجل الإقدام على إجراءات مستعجلة على صعيد القطاع داخليا، ومن خلال تمكينه من الموارد اللازمة، ثم من أجل تفعيل مقاربة شمولية تنتصر إلى تلبية المطالب الاجتماعية لشعبنا، والتقدم في الإصلاحات ذات الصلة بالتعليم والتشغيل والسكن والصحة، وفي تنظيم المدن ومختلف فضاءاتنا العمرانية والسكنية.

Top