اليسار اليوم

أقدمت خمسة أحزاب يسارية مغربية في الفترة الأخيرة على تكثيف لقاءاتها التشاورية بغاية تقوية شروط وممكنات العمل المشترك مستقبلا، وبلورة ميكانيزمات التنسيق اليساري والفعل الجماعي في الميدان وفي التحولات السياسية الجارية في البلاد. الخطوة بداية هامة بالنظر إلى سياقها وإلى اكراهات واقعنا السياسي وإلى ثقل التاريخ والعلاقات في تفاصيل موضوع وحدة اليسار المغربي، لكن مع ذلك فإن محاولات  تجميع الطيف اليساري لا يجب أن تبقى  مجرد بدايات، وعند كل محاولة تعاد نفس الأسباب وذات المبررات والشعارات، لينتهي المسعى من دون نتيجة، ونعود في كل مرة إلى نقطة الانطلاق.
الخطوة الحالية لا يجب أن تربط بالهدفية الانتخابية وحدها، بل عليها أن تنخرط في الأفق السياسي العام، وتكون ممتدة في الزمان وفي المستقبل، كما أن وحدة اليسار ليست فقط هي اندماج تنظيماته في حزب سياسي واحد، وإنما يمكن السعي، على المدى المتوسط، لتحقيق تحالف أو قطب أو جبهة  مثلا، أو تقوية بديل سياسي في المجتمع يضم القوى اليسارية والقوى الوطنية الديمقراطية (الكتلة مثلا) على قاعدة الالتزام بأفق حداثي ديمقراطي لتقدم بلادنا، وبالتأويل الديمقراطي لمضامين الدستور الجديد، وبمحاربة الفساد والمفسدين، وبتحقيق المساواة والتنمية والعدالة الاجتماعية واحترام حقوق الإنسان.
وإن تقوية هذا التيار الوطني الديمقراطي الحداثي، وتعزيز استمراريته وارتباطه بقضايا وطننا وشعبنا، من شأن ذلك أن يؤمن له ولمكوناته البناء التنظيمي المناسب، والسند الشعبي الكبير،  فبقدر ما أن للقوى اليسارية ثوابت هوياتية وتاريخية ومبدئية وبرنامجية وفكرية متقاربة تؤهلها لهيكلة تنسيق منسجم فيما بينها، فإنه مع ذلك لم يعد مجديا إقران التقدم في العمل الوحدوي بتحديد من المسؤول عن تشرذم اليسار المغربي تاريخيا، ومن الأكثر يسارية من الآخر، ومن يحمي المبادئ ومن يحرفها، لأن واقع شعبنا والتحديات المطروحة على بلادنا تفرض على كل اليساريين التواجد بجانب الناس، وخوض معارك الانتخابات في الميدان ومواجهة لوبيات الفساد، والبحث عن التحالفات والأغلبيات المنسجمة وقيادة نضالات شعبنا بتبصر وحكمة وعقلانية وواقعية.
إن التحدي اليوم ليس إجرائيا أو بنائيا، أي أنه ليس هو الاتفاق على الصيغ التنظيمية لتحقيق الوحدة، وتدقيق الخطوات العملية والتنظيمية، إنما التحدي الجوهري اليوم هو النهوض باليسار المغربي ليكون فاعلا حقيقيا ورئيسيا في الميدان وفي التحولات الجارية في البلاد إلى جانب القوى الوطنية والديمقراطية الأخرى، ومن ثم، فان إنجاح خطوة الأحزاب اليسارية الخمسة، وانضمام الهيئات الأخرى إليها، لم يبق فقط مسؤولية سياسية، إنما هو واجب وطني وأخلاقي.
وإن جعل «البديل الوطني الديمقراطي الحداثي» ناجعا وفاعلا وجاذبا، يحتم كذلك ربطه بالعمل مع النقابات ومع الجمعيات النسائية والمنظمات الشبابية وجمعيات حقوق الإنسان وقوى الحراك الاجتماعي في مختلف المناطق، فضلا عن المثقفين والنخب المتنورة، وذلك حتى تكون خطوة الأحزاب الخمسة قاطرة لتمتين وتقوية بديل مجتمعي حقيقي في مواجهة تحالف اليمين الإداري ولوبيات الفساد من جهة، وأوساط التزمت والنكوصية ومعاداة الحداثة والانفتاح من جهة ثانية.

[email protected]

Top